الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إغراء الديمقراطية

أسامة عثمان

2008 / 11 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يصطلح كثير من مثقفينا على الديمقراطية والحريات العامة غاية وقاسما مشتركا ، ويختلفون بعدها ، ولا يرون ضيرا في ذلك ؛ لأنهما تستوعبان الخلافات ، فهما إطار رحب ، يترك للفرد مساحته ، وإيجابيته .
وهم حين يتطلعون إلى ذاك النموذج ، إنما يتطلعون إلى الرقي الإنساني ، ومثله العليا ، من عدالة ومساواة ، واحترام للإنسان وحقوقه ، وصون حرياته في التعبير والإبداع والسلوك الذي يحب ، دون قمع ، أو انتقاص بسبب العرق أو الدين ، أو غير ذلك .

وهم يرون أن هذا النموذج هو أرقى ما توصل - وما يمكن أن يتوصل – إليه العقل البشري ، ويرونه ملائما لكل الشعوب ، وكل الثقافات ، فيسعون إلى نشر قيم الديموقراطية والحرية في العالم .

ويمكن لهم أن يصروا على صلاحية تلك القناعات ، حتى بعد فضائح أمريكا ، النموذج الديمقراطي الأول في العالم ؛ لأن أخطاء أمريكا ، أو انحرافها ، لا يبطل النظرية .

ولو قصرنا الكلام على الديمقراطية بوصفها نظاما للحكم ، والحريات بوصفها مرتكزات للفرد ، ومقدسات له ، فإننا سنلحظ أن هاتين الفكرتين قد لاذتا بالحياد السلبي ، وآثرتا الفراغ ، واستقرتا شكلا وإطارا ، دون مضمون محدد . ولعل هذا من أسرار جاذبيتهما لدى الكثيرين بالرغم من اختلاف مكوناتهم الفكرية ، وتباين توجهاتهم ، وهي بهذا المعنى هروبية سلبية ؛ لأنها لا تملك في ذاتها آراء تعدها حلولا ، وتراها صالحة للمواقف .

أقول هذا ؛ لأني أعلم أن مسوغ أية فكرة ، ومبررها الوجودي يكمن فيما تملكه من إجابات لتلك التساؤلات التي يطرحها الفكر الإنساني ؛ وحين لا تجيبه الديمقراطية فإنها تسبب له فراغا معرفيا ووجدانيا ، بل تحيله إلى نفسه ، فهي بذلك تخيب ظنه ، وتحوجه إلى غيرها .

إذن هل تستطيع الديمقراطية أن تدعي أنها تملك ، أو تسعى إلى بناء تجانس إنساني في المجتمعات التي ترتضيها ؟ أم أنها ، وهو الواقع ، تتركهم أفرادا ، لا أمة ، وهم ، حينها ، يعودون غرباء ، وأحيانا أعداء ؛ لأن الإنسان في سعيه لتحقيق ذاته يصطدم ، بالضرورة ، بغيره ، ولا بد من أحكام ومعالجات تنظم تلك العلاقة ، ولا تكفي فكرة الحرية أساسا لتلك العلاقات ؛ لأن الإنسان مركوز في طبعه حب البقاء الذي يتمظهر بالأنانية الفردية ؛ ولذلك ، سيسخّر كل واحد طاقاته الذهنية كلها، و ملكاته كذلك؛ لتحقيق حاجاته ، دون مراعاة لأية ضوابط إنسانية ، أو مصالح جماعية ، ولهذا لم يكن مستغربا أن تكتمل المجتمعات الديمقراطية بالرأسمالية ويا لهما من نقيضين - في الظاهر - فالأولى تَجذب وتُمدح ، والثانية تُنفّر وتُقدح ؛ ولِقبح الرأسمالية المفرط قلّ أن نجد ممن ينادي بالديمقراطية مناديا بها ، ولذا يلجأ بعضهم ، في منحاه الاقتصادي إلى الاشتراكية ، فرارا من الرأسمالية المتوحشة .

ولا أريد أن ألج أبواب الفكر الاقتصادي ، وإنما قصارى ما أريد قوله أن الديمقراطية اتكأت على شعارات براقة وجذابة ، ولكنها تركت الفرد خلوا من الفكر الضروري ، فلم تسعفه ، وجعلت من ذلك مسألة فردية ، فلم تنشىء مجتمعات ، وإنما أنتجت أفرادا يجمعهم مكان ، ويفرقهم كل شيء ، ومن هنا لم يكن مستغربا أن تنشأ ظاهرة المحافظين الجدد التي أحست بتقصير الديمقراطية عن الوفاء بمتطلبات الأمة ذات الرسالة الموحدة ؛ فراحوا يستعيرون شعارات دينية علّها تفي .

هذا ، وإن ما ادعت الديمقراطية اختصاصها به من عدالة ومساواة ومواطنة على أساس الولاء للدولة والمجتمع ، بغض النظر عن المعتقد ، أو الدين ، وحق الفرد في ممارسة شعائره الدينية ، وتناول ما يحله دينه ، وحقه كذلك في الإسهام والمشاركة في الحياة العامة ، وحق الأمة في اختيار حاكمها ، ومحاسبته ، وعزله ، هو محض ادعاء .

وأما ما قد يقوله البعض ، إن المجتمعات الديمقراطية لا تشترط ما يشترطه غيرها ، من اعتناق فكرتها ، والكفر بكل ما هو سواها ، إذ تتيح لأي إنسان أن يحظى بالحقوق كاملة حتى رئاسة الدولة ، فإن الواقع لا يصدقه ؛ ذلك أن أمريكا ، مثلا ، لا تمنح إنسانا تلك الحقوق كاملة حتى يتشرب القيم الأمريكية ، ويصبح مواليا لها ، ومنسلخا من أي ولاء آخر . كما أن الفكرة الديمقراطية تشترط في أي حزب يريد خوض الحياة السياسية وصولا إلى الحكم القبول بها ، وأن يكون ضمن المعارضة المحكومة بقواعدها ، وقبول مبدأ التداول على السلطة ؛ فتلك الحقوق الممنوحة ليست مطلقة ، وإنما مرهونة بالإيمان بالديمقراطية ، بوصفها المعين .

وأخيرا أطرح سؤالا ، هل الديمقراطية هي الكلمة الكاملة ؟ أو الأخيرة ؟ أم أنها الكلمة الخادعة ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah