الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاتلات عنيدات

كفاح حسن

2008 / 11 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وفاءا لذكرى النصيرات الشيوعيات
إمتازت تجربة الأنصار الشيوعيين في شمال العراق ، خلال عقد ثمانيات القرن الماضي، بمساهمة عدد من النصيرات في عمل مفارز الأنصار، إلى جانب تواجدهن في مقرات الأنصار. و كان هذا أمر مثير للإنتباه بين أوساط أبناء المنطقة و فصائل البيشمركه. ففي ظل قيود المجتمع العشائري الإقطاعي في المنطقة، كان ذلك أمرا صعب الإستياغ. و لكننا لم ننفرد بذلك، فكان هناك فصائل أخرى من البيشمركه لديها مقاتلات يشتركن في أعمالهم العسكرية، كفصائل حزب العمال الكردستاني و فصائل الكومله.

و لو نظرنا للأمر من الناحية التأريخية، كان للمرأة دور مهم في المعارك التي خاضها سكان المنطقة عبر الحضارات المتعاقبة في المنطقة. فالعرب قبل الإسلام ، كانوا بحاجة للمرأة لتقف معهم في المعارك مشجعة لهم بخطبها و هتافاتها، و لتضمد جراح المرضى، و لتعتني بأملاك العشيرة. و كلنا يتذكر دور السيدة زينب و سكينة إبنة الحسين في معركة الطف. فرغم إن الروزوخونية يحاولون إظهار زينب بموقف الضعيف، إلا إن قراءة تأريخ معركة الطف تشير إلى إن نساء الحسين و أصحابه كان لهن دورا شجاعا لايستهان به قبل و أثناء و بعد المعركة.

كما تعرف بيشمه ركه كردستان ، بطلة إسطورية، قاتلت بشجاعة نادرة إلى جانب الملا مصطفى البارزاني. و لشجاعتها الفائقة أغتيلت غدرا. كما إن متتبعي الأدب الشعبي العراقي (سواء العربي أو الكردي أو الآشوري) سيجد قصائد تحريضية قالتها نساء لأولادهن و أزواجهن و إخوانهن كان لها وقع في تسجيل النصر في المعارك.

و النصيرات الشيوعيات بطلات خالدات ، فهن قد تحدين الكثير من خلال قرار إلتحاقهن بقوات الأنصار. فهذا قرار شجاع لا يمكن التشكيك به.

لن ننسى الدور البطولي للشهيدة أحلام (عميدة)، و هي تقاتل إلى آخر طلقة إلى جانب الشهيد الأنصاري مام خدر كاكيل. لقد كان لقتالها دورا في إنقاذ رفاقها من براثن العدو، حتى إستشهدت. و كأن حياتها كانت جسرا لعبور الآخرين. و عندما وقف عندها قتلتها الحاقدون، إندهشوا من أن تكون من قاومتهم و قتلت منهم الكثير إمرأة!

و كلنا يتذكر الدكتورة ساهرة، التي ملكت قلوب سكنة منطقة بارزان. فلقد كان واحد من أهم أسباب إحترام أهل المنطقة لنا، هو دور الدكتورة ساهرة البطولي و الدؤوب في إنقاذ حياة أبناء المنطقة من الجرحى و المرضى. و أتذكر جيدا كيف إنه في أحد الأيام، وقع خلاف شديد بين أبناء المنطقة و زوج الدكتورة. فقد تدخلت ، و أعلمت أبناء المنطقة المنفجرين غضبا، من إن المختلف معه هو زوج الدكتورة ساهرة. و ما أن عرفوا ذلك حتى سامحوا زوجها إحتراما لها، رغم تصرفه الأرعن.

و من ينسى شهيدات الأنصار اللواتي إلتحقن بمنظمات الحزب السرية في وسط و جنوب العراق، و عملن ببطولة حتى لحظة إستشهادهن البطولي. فالشهيدة أم ذكرى ـ إبنة السماوة البطلة ـ فضلت حرق نفسها عن أن يعتقلها جلاوزة النظام الصدامي. و في أقبية التعذيب، إستشهدت ببطولة النصيرة أم لينا. و الأسماء لا تنتهي ، لبطلات كن حقا وفيات لمبادئهن و شعبهن.

لقد كتبت سابقا مقالا تقييميا حول عمل النصيرات في قوات الأنصار ، نشر في موقع الطريق قبل الإحتلال. و مع الأسف لم أحتفظ بأصل هذا المقال عندي. كما إن موقع الطريق قد حذف المقال من أرشيفه.

و مختصر القول، هناك خطأ في صيغة قرار قيادة الحزب حول كيفية عمل النصيرات. فوجود النصيرات مابين قوات الأنصار أمر طبيعي. و لكن إرغامهن على العمل في المفارز و التجوال في القرى أمر غير طبيعي، و لايليق بمهماتهن الحقيقية. و إلتزام النصيرات بذلك أمر يدل على التفاني في الإلتزام بالقرارات الحزبية رغم عدم واقعيتها.

لقد كنا بحاجة للنصيرات للعمل في مواقع الأنصار الخلفية، و في الأعمال التي يجيدهن (كالمخابرة و الإعلام و التمريض وما شابهه).

إن من كتب بقصد الإساءة لدور النصيرات، إنما يكتب من وحي خياله وليس من الواقع. و أتحدى أي كاتب أن يذكر لنا حادثة جرت وسط فصائل الأنصار تسيء للنصيرات أخلاقيا أو حزبيا. ولكن مجتمع الأنصار هو صورة من مجتمعنا العراقي. فهناك تصرفات جرت و حدثت تعكس ذلك. مثلا بعض النصيرات هجرن أزواجهن و تزوجن من أنصار أخرين . و هذا أمر كان يمكن حدوثه في أي مكان، و ليست له علاقة بفصائل الأنصار. و النصير و النصيرة ـ أيضا ـ بشر لهم مايحبونه و يكرهونه و مزاج و عواطف متقلبة. و إن هذا ينعكس على تصرفاتهم و تصرفاتهن خلال حياة الأنصار. و هذا أمر ليس بالسلبي، بل أمر إيجابي يعكس إن حياتنا الأنصارية كانت حياة سليمة، وليست أوكار صوفية.

و ينبغي الإشارة إلى إن معظم الملتحقين بقوات الأنصار ، من النصيرات و الأنصار من خارج العراق. كانوا من الطلبة المندفعين و المتحمسين الذين فضلوا ترك مقاعد الدراسة، و اللحاق بقوات الأنصار " التي ستقضي على النظام الدكتاتوري" الذي كان "آيل للإنهيار". و لكن هذا الحماس قد فتر عندما إنكشف إن أحلامهم كانت مجرد سراب. و جاءت إنتكاسة مجزرة بشت ئاشان القشة التي قصمت ظهر البعير ـ كما يقال ـ. لقد بذلت بعد مهزلة بشت ئاشان الثانية (أيلول 1983 ) جهود متفانية من قبل أبطال و بطلات حقيقيين لإعادة بناء قوات الأنصار التي أصابتها ضربة أليمة هدفت إلى تحطيمها و إنهائها.. و كان لنشاط النصيرات و الأنصار في محافظات السليمانية و كركوك و أربيل دور مهم في إعادة بناء قوات لأنصار و إعادة الحيوية لها، رغم الجراح و النزف. و تسنى لمن بقي في قوات الأنصار، ولم يهرب من ساحة المعركة الحقيقية، أن يحطموا الأساطير في معارك بطولية راسخة في أذهان أبناء المنطقة. معارك تثبت عزيمة لا تلين سواء في سهول أربيل و كويسنجق ووديان خوشناوه تي و حرير و خليفان و باليسان و منطقة شوان و كرميان و قره داغ و ده ربنديخان و دوكان. وكنت واحدا من الشهود على هذه البطولات. ولن أنسى أبدا الدور البطولي للرفيقات العاملات في المنظمات الحزبية في المنطقة. حيث بفضلهن إستطعنا التعرف على تحركات العدو، و عبرهن تصلنا الإمدادات من الأرزاق و العتاد و الرسئل. و بدونهن لم نستطع الوصول لإنقاذ قوات الأنصار من الأخطار المحدقة بها.

ولا أستغرب أن ينبري بعض من عاش وقتا قصيرا وسط قوات الأنصار، و حطمته هزيمة بشت ئاشان، أن يعكس هزيمته في قلب الحقائق و البحث عن مبررات تغطي الهزيمة.. و من ذلك التجني على دور النصيرات الشيوعيات. فهن بطلات ننحني لهن إجلالا ، و لكنهن لسنا راهبات متصوفات. فهن بشرا، ولكل واحدة منهن نجاحاتها و هفواتها، و لكن هذا لايضر بدورهن البطولي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران