الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرح البقاعي والمرح في الإسلام

مصباح الحق

2008 / 11 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جزمت السيدة الشاعرة وأستاذة مادة الإسلام المعاصر [القديم مأبون] بجامعة جورج تاون الأمريكية (مرح البقاعي) بالتصريح التالي: "أنا أقدم نموذجي الأبيض والأسود دائما، فالأبيض المشرق في التاريخ والحضارة الإسلامية يتمثل في نموذج الأندلس، وهو نموذج رائع قدمته للطلاب وكانوا يتجاوبون معه كنموذج مستنير للإسلام بشكل إيجابي كبير، فقد انبهر الطلاب حين تعرفوا على التسامح الديني في الأندلس، والعمارة الأندلسية، والنظام التعددي الاجتماعي والعرقي، وهو نموذج غير معروف للطالب الأميركي، وأنا أهتم بتقديم الوجه المضيء للإسلام، الإسلام المعتدل، إسلام الاجتهاد لا إسلام الجهاد وحسب، لأن في الاجتهاد جهاد للنفس أولا، وهذا هو قمة الجهاد وأسّه في الإسلام." انتهى.

ولا أعرف كيف لشاعرة مرهفة الإحساس بالضرورة الشعرية أن تفقع عين الحقيقة بالاعتماد على الانتخاب والانتقاء من تاريخ حالك السواد. ومجاملةً لتوجهها، سأتوقف فقط عند بعض النقاط التي أثارتها إنصافاً لإطلاعاتها وميولها. فنموذج الأندلس الذي تتغنى به الكاتبة لا يقل سواداً عن السفط التاريخي الإسلامي. والقارئ يعرف بأن التاريخ ردد عن عقبة بن نافع مقولته : " الله أكبر... لو لم يقف هذا البحر عائقاً في طريقي، لركبت إلى ممالك الغرب لأعلّمهم أن الله واحد، وأحكّم السيف في رقاب من يعبد غير الله ". والمغزى الجوهري من غزو اسبانيا كان ضرب الرقاب بسيوف إسلامية للتبشير الجهادي بدين الله وسبي الجواري واستعباد الناس.

وتحققت أمنية عقبة البريئة والتبشيرية على يد البربري المستعرب والمتأسلم طارق بن زياد بمكاتفة القائد موسى بن نصير، وشاءت الظروف الداخلية المتفككة في الأندلس أن مهدت للفتح البار بدون عبء حربي كبير. ومنذ أول وطء للمسلمين في الاندلس، تم التقسيم الغنائمي لجغرافيا المكان بحيث استقر المسلمون- العرب والبرابر- في الجنوب واستبعدوا المسيحيين إلى الشمال مع فاصل مائي بينهما من نهري إبرو ودويرو.

ولأن البربر لم يرضوا على المعاملة العنصرية والاستعلائية التي جازهم بها العرب، فقد تقاتلوا بين بعضهم البعض والعرب حتى غدت الحروب الأهلية سمة للوجود الإسلامي في الأندلس، لدرجة استفحال الانقلابات والدسائس والمكائد والنهب والسلب والقتل. وأظهر المسلمون درجة مشهودة لهم من الوحشية في التعامل مع البشر، ومن جملة ذلك أنهم فرضوا على المسيحيين الضرائب الباهظة والمرهقة علاوة على الجزية القرآنية، مما دفع العديد من المسيحيين للتخلي عن معتقداتهم والهروب من العبء المالي بإشهار إسلامهم وعرفوا لدى الإسبان باسم (Mozarabes) "المستعربون". وقام المسلمون بالتشهير بالشخصيات الدينية بالافتراء عليهم باللواطة والزنا ومنعوا المتمسكين بدينهم من زيارة دور العبادة إلا يوم الأحد مع بالغ الصعوبة والمزيد من الاحتقار لمن سولت له نفسه أن يقيم شعائره. بل نكل المسلمون بكبار السن وقتلوا المرضعات والأطفال كما ورد في (The Mozarabic Chronicle).

بسبب الاضطهاد الذي غرسه المسلمون في نفوس الأسبان، ولدواعي التخلص من براثينه، استطاع بيلايو الأستورياسي (Pelagius of Asturias) ، من كبار دولة القوط الغربيين، تأسيس مملكة اوستورياس في العام 718 في الشمال الشرقي من أسبانيا ودافع عن مملكته التي لجأ إليها أغلب المسيحيين الرافضين للإسلام وانتصر عليهم في معركة كوفادونجا. والجدير ذكره أن إسبانيا تعتبر ذلك العام، 718 كبداية استعادة المسيحية (Reconquista) أو ما يعرف بالإنجليزية Christian Reconquest of Spain. ونقرأ من التاريخ أن ثورة البربر مهدت لظهور "ملوك الطوائف الذين بدورهم قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، منهم غرناطة وأشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة و البرازين والبداجوز. وبينما ورثت تلك الدويلات ثراء الخلافة، إلا أن عدم استقرار الحكم فيها والتناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منهم فريسة [جاهزة] لمسيحيي الشمال. 2" وهذا تاريخ وتأريخ لا تستطيع السيدة البقاعي إنكاره ويدل على مدى رفض الأسبان للإسلام الغريب عنهم وعن طقوسهم وطباعهم وجغرافيتهم وثقافتهم وفكرهم وحضارتهم. حيث استغل المسيحيون ظروف الفتن والثورات والمكائد بين المسلمين وشكلوا ممالك مثل "قشتالة" التي اتحدت مع مملكة ليون تحت إمرة الملك "الفونسو السادس" الذي فرض الحصار علي مملكة "توليدو" والتي حاول المتوكل (ابن الافطس) نجدتها وتعرض لهزيمة ساحقة ماحقة من الجيش المسيحي. وهذا الملك قام بتحويل المسجد الكبير إلى كاتدرائية قدم فيها "قداس الشكر". كما أصبحت "توليدو" العاصمة لمملكة قشتالة المسيحية. ولو كان الإسلام مرحباً به، لما تم كل ما ذكر ولم يعرض على المسلمين كل الحرية لمغادرة المدينة أو البقاء فيها وحرية التصرف في أملاكهم بدون التدخل في الحكم.

فهل هذا ما تقصده الكاتبة مرح بالتسامح الديني والوجه المشرق والمعتدل للإسلام في الأندلس؟ لابد أن السيدة البقاعي نسيت أن تذكر لنا كيف قطف المسلمون رؤوس القساوسة ورجال الدين المتمردين كما تقطف الشاعرة وردة. هؤلاء الرجال المنحورين حملوا اسم "الشهداء" من المسيحيين الشاهدين على تلك المذابح. جل ما ارتكبوه من خطأ هو التشويه (المتبادل) لدين الإسلام، فكانت عاقبتهم الموت لأن الدين والدم صنوان.

وتقول السيدة البقاعي: "والإسلام المضيء الذي قام في الأندلس كان قائما على سوق العمل والتعددية، فهو مدفوع بالعامل الاقتصادي، وليس بأي عامل آخر، فسوق العمل يستقطب أجناسا وأعراقا مختلفة، ويفرض نوعا من الحياة التعددية والتعايش السلمي بين الأديان والأعراق والأجناس" انتهى.

سوق العمل يحتاج بالمفهوم الإسلامي الديني تسخير خدمات المغلوب والمقموع لبناء قصور وحدائق للحكام الطغاة، ولنا في هذا الصدد أن نذكر الخليفة ابن عامر الذي أمر ببناء قصره (الزاهرة) ليبذ به قصر (الزهراء). والأيدي العاملة التي قامت ببناء القصور في الأندلس هي الشعب المسلوب والمنتهك أرضه بسيف الإسلام، وهو الشعب الذي زج به في المعارك الطاحنة بين الملوك في الأندلس التي كانت شعاراً للغدر والمكيدة. ومن هنا جاءت السيدة البقاعي بفكرة "التعديدية" في مقالها لأن هذه التعديدية لم تتجاوز حدود استغلال المخالف دينياً في أعمال ترفع عنها الغازي. وربما قصدت أيضاً تحالف الخلفاء مع ملوك الفرنجة مثلما حدث مع الخليفة محمد المهدي، والذي نهج أسلوبه ابن عمه سليمان بن الحكم الذي دحره ونصب نفسه خليفة باسم " المستعين بالله ". ولكن الله لم يعنه كما اعتقد فقد كان السبب الأساسي في إشعال الفتنة بين باقي المستعربين الذين أعلنوا تمردهم عليه وقطعوا رباطهم مع قرطبة، والنتيجة الحاصلة هي بوادر سقوط الدولة الأموية.

والوجه المضيء للإسلام في الأندلس تجلى في حرق مكتبات قرطاجة، كما فعل عمرو بن العاص بمكتبة الإسكندرية والأمويون والعباسيون بكتب المعتزلة. وإذا أرادت السيدة البقاعي إضاءة شمعة وحيدة في الظلام الإسلامي فعليها أن تذكر فترة النقل العباسي من الحضارة والفكر اليوناني من خلال ترجمات الكتب في (بيت الحكمة) في عهد الخليفة (ابو جعفر المنصور) وليس ثمة ما يذكر في هذا الصدد في الأندلس، بل تلك الحقبة الإسلامية شهدت نزوح المفكرين مثل موسى بن ميمون بن عبدالله القرطبي عند قيام دولة المرابطين المعروفين باضطهادهم الشديد لليهود. ونحن لا نرى أي وجه مضيء للإسلام في الأندلس مرة أخرى.

وبتلخيص مكثف، نذكر أن تفتت اليد الطاغية والباغية الإسلامية في الأندلس ساعد الملك "فردناند" وزوجته " إيزابيلا" بجيش عرمرم على دحر المسلمين والسيطرة على عاصمة الأندلس "قرناطة" وقاما بالتنكيل بالمسلمين على مبدأ المعاملة بالمثل، بل كانا أرحم نوعاً ما حيث يذكر التاريخ هجرة باقي المسلمين بسلام إلى المغرب. فأين وجد التعايش السلمي الذي ركزت عليه السيدة البقاعي في الأندلس الذي لم يشهد سوى التطبيق لآيات السيف؟

والمعروف بأن السيدة الشاعرة مرح البقاعي تدرس اللغة العربية أيضاً في جامعة ميريلاند وهي صاحبة دور النشر "الوارف"، فلنا أن نتوجه بنصيحة على غاية من البساطة بالنسبة لها وهي أن تنوه للطلاب الأمريكيين (المولعين بالنقد) بأن القرآن فيه أخطاء لغوية فادحة لم يتداركها الله وفقر في البلاغة على حساب السجع وبأنه من صنيع البشر، وإذا لم يصدقوها فالأجدر بها أن تنشر ذلك في كتاب قد يصفح التاريخ عنها وعن ما تجمل به إسلامها "المعاصر" كما يحلو لها لا تسميته، فالدين- مهما كان- وصايا وأوامر أسطورية استفاد منها مرتزقة عبر العصور، وهو ليس جهاز مكييف أو تدفئة نضبطه على وضع عادي او متوسط او قوي.... إنه السم الزعاف. فإذا استطاعت توصيل ذلك إلى الطلاب الأمريكيين- بفرح ودون مرح- فسوف تساهم حقاً "في حوار الشعوب" بدلاً من مضيعة الوقت في "الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلامية" أو وضع الملامة على الخطاب الديني الذي لا ينشأ إلى من رحم الكتب السماوية جداً.. جداً.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=153543








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟