الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس العراقي

حمزة الحسن

2008 / 11 / 23
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


ليست القضية جديدة فهي من العتق حتى تكاد ان تكون بالية. لدينا نسخة منقحة وملونة من كل حدث وشيء وظاهرة وفرد وقضية:
عندنا تفسير خاص للاديان ـ لا يشبه الدين.
ونسخة خاصة من تفسير الحياة ـ لا علاقة له بالحياة.
ونسخ في فهم الادب والسياسة والفن والفكر والحرية ـ يختلف عن كل شعوب الارض.

سيكون ذلك ميزة لو كان ابداعا، وحرية، وخياراً.
لكنه ليس كذلك: انه فرض وقوة واكراه/ وارهاب.

نحن نختلف، مثلا، حول مفهوم الحرية: كل واحد منا يريدها حرية مفصلة حسب المزاج والهوى.
ونحتلف حول الحق في الحب ـ نشارك جميعا في الاختيارات كما لو كانت هذه العاطفة الانسانية ملكية عامة كالمباول العامة.
ونختلف حول مفهوم الكتابة ـ على كل من يكتب نصا ان يعرضه على الجميع كما تعرض البرامج الحزبية للاستفتاء، مع ان الكتابة نشاط فردي ومخيلة مفرطة في الفردية.

هناك نسخ من القرامطة وتفسيرات، ونسخ من الاحتلال وتفسيرات، ونسخ من علم النفس، ومن الماضي، والحاضر، ولا حديث عن المستقبل لانه ملغي من عقل مستقيل واجتراري.

وعندنا ايضا نسخة من ماركس، ليس كارل ماركس الذي تعرفه البشرية، المفكر والرائي والشواف والمستقبلي، بل نسخة عراقية عجيبة ـ ولا نعمم ـ بل نتحدث عن صورة نمطية مالوفة وشائعة:

ماركس العراقي حرفي، نصي، بزاخ، علاس، كل ربع ساعة موقف، غارق في الماضي، محترف صفقات، يمشي في السيارة على طريق اليمين ويفتح الاضاءة الخلفية في اليسار.

ماركس الحقيقي مبدع، وانسان، وزوج، وشاعر، ورؤيوي، وجواب ازمنة، ومكتشف اثار سعال ودموع وسياط وبشر وافكار وحضارات، ولغته مفتوحة واحتمالية ومتجددة لان الحياة كذلك.
لكن ماركس العراقي حارس متحف، ونصوص، وبواب عمارة يدقق في هوية الداخل والخارج، ومتلصص على الاحلام والنوايا والنوافذ، مشلول المخيلة، مثالي المعايير على الاخرين، ومعفى هو منها، حتى في مجتمع مصاب بكل الافات والتشوهات.

ماركس الحقيقي مثلا يقول ان الانسان المثالي لا يوجد في ظروف اجتماعية ناقصة.
لكن ماركس العراقي صاحب عقلية الوصم والادانة والمغرم بالاحكام يريد مجتمعا مثاليا على مزاجه في وطن بلا ماء ولا كهرباء ولا طعام ولا سكن ولا حرية ولا تبغ ولا حديقة ولا قانون ولا حلم ولا شرطي حقيقي ولا هواء نقي.

ماركس العراقي نسخة من عقلية خطاب المخيلة imaginaire.
خطاب المخيلة خطاب اهواء ورغبات ونزعات وامزجة، خطاب يشرع كل شيء ويلغي كل شيء ويحذف كل شيء.
خطاب المخيلة ثلاثي الابعاد: لا يهضم بل يدمج، لا يتعاطى بل يلغي، لا يفسر بل يحذف.
انه خطاب الخوف.

ماركس العراقي مروض جماهير وخيول واوضاع وافكار وازمنة.
ماركس العراقي هو رجل دين بلا عمامة، وشرطي بلا مركز شرطة، وعلاس بلا سكين، وقارئ افتتاحيات وعاشق نشرات الاخبار ومعلق اذاعي يومي وليس كماركس الحقيقي مكتشف دروب.

ماركس العراقي سواء كان اية الله أو شيخ قبيلة أو امام جامع ـ أو هؤلاء جميعا في آن واحد ـ هو صورة متكررة للمثقف والكاتب والمفكر المستعد لتفسير كل الاحداث في كل الظروف والمنعطفات، وحين يفشل المشروع، كما حصل ويحصل، تلقى المسؤولية على اشباح أو سلطة حكم، ويتحمل الجميع المسؤولية الا هو. وحده البرئ من الاخفاقات الكبيرة التي روج وزمر وطبل لها وبكل تلقائية يواصل مهمة جديدة ويقوم بدور القاضي للسلطة الحاكمة ـ شرط ان يكون خارجها طبعا والا تكون اخفقاتها بلغة التبرير هي مرحلة عبور أو سوء تقدير أو عثرة المجتهد الخ.. الخ.

كل كتاب العالم في كل مكان حين يقعون في خطأ تقدير احداث مصيرية عاصفة يكون الثمن دم وثروة ومستقبل الناس، إما يعتذرون ويتحملون مسؤولية هذا الاخفاق والترويج له أو السكوت والاختفاء ـ فوكوياما أحد هؤلاء وقدم نقدا شجاعا لتصورات خاطئة عن الحرب.

لكن المثقف العراقي، الماركسي، اليساري المعمم، الشيخ، الامام، واثق الخطوة يمشي ملكاً، بلا فحص ولا مراجعة، ولا نقد، مع ان الناس صارت تبحث عن موتاها في المزابل كل صباح.

ماركس الحقيقي اراد ان يخلق من روث التاريخ انسانا،
لكن ماركس العراقي خلق من الانسان روثا للتاريخ!













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار