الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد جبريل

محمد سمير عبد السلام

2008 / 11 / 24
الادب والفن


في نصه الروائي " مواسم للحنين " الصادر عن دار البستاني بالقاهرة – يكشف محمد جبريل عن مواجهة الذات لوجودها الفريد ، و ذكرياتها المتجددة عن المكان ، و الناس ، و معاينتها لشفافية لحظة النهاية المحتملة ، و الكامنة في المتكلم نفسه .
إن الوعي بالذات ، و المكان ، و الآخر ، و الأنثى يقاوم الموت في الرواية ، و كأنه يعيد إنتاج بكارة الوجود في العالم ، بما تحمل من دهشة ، و رغبة قوية في الامتلاك ، و التوحد مع عناصر هذا العالم الفريد .
يحاول البطل إعادة تكوين المكان / الإسكندرية من خلال امتزاج الذكريات ، و الأحلام ، و ممارسة الحب المجرد لأصوات الناس ، و حياتهم ، و للفتاة التي أراد وجودها فقط إلى جواره .
هل اختلط الوهج الأول للحياة بأخيلة البطل ، و علامات واقعه ؛ ليستبدل معاينة النهايات المحتملة ؟ أم أن الحياة تنطلق مجردة في الفراغ الكامن وراء الذات ؟
تقوم إذا الرواية على المواجهة الذاتية لكينونة البطل ، بما فيها من ذكريات ، و أسئلة حول الموت ، و الحياة ، و الوجود ، و محاولة إبداع تجربة يتجرد فيها التكوين من حدوده ، و حتمياته ؛ فهو يحاول استعادة الاحتفال بقدوم الحياة في مواجهة الإحساس بالفراغ ، و العدم .
إن البطل يحاول أن يملأ وعيه بالصور لكي يقتل الظلمة ، و التلاشي ، و يرفع علامة النصر مثل العراف الذي لا ينطق سوى كلمة النصر التي تشير إلى حلم التفوق الحضاري الكامن بداخله .
و يظل الصمت فاعلا في صخب العراف ، و وحدته ، و في أسئلة البطل المتكررة حول قبوله لحتمية الموت ، و تحوله إلى أثر بعده .
إن التوافق مع الصمت هنا يجعل الموت انتصارا للوعي ، فهو جزء من صيرورة الحياة ، و تجلياتها المتباينة في الأثر ، أو الفراغ ؛ فالقبض على حدث الحياة مجردا في النهايات ، يوحي بتجددها فيما يتجاوزها ، أو في مجال الصمت المتخيل الذي حاول البطل مقاومته في البداية .
الحضور في الرواية مشبع بإحساس معلق بالحياة ؛ فهو يستشرف الموت ، و لا يحققه كحدث ، بل يظل ضمن صيرورة الحنين لتجربة الحياة المجردة ، الخالصة ، التي لا يمكن أن يكتمل تحققها في الوقت نفسه .
و بهذا الصدد يرى مارتن هيدجر أن الميتافيزيقا لم تجب عن سؤال الكينونة الذاتية ، التي تختلط بمجال مفتوح من الطرق المتباينة في التفسير ، كما يستدعي هذا السؤال – بشكل ملتبس – التفاعل مع اللا شيء ( راجع – Martin Heidegger – Existence And Being ) .
هكذا يبدع بطل مواسم الحنين هويته من خلال التجربة الفريدة التي تولد في آثار الذات ، و المكان ، و العراف صاحب علامة النصر ، و من هذه العلامات تتشكل المتواليات السردية في اتجاه تأكيد الوجود ، و الصمت معا ؛ فالبطل يتساءل عن معنى أن يمضي الإنسان عمرا بكامله ، ينظم فيه ، و يرتب ، و يجمل ثم يترك ذلك و يرحل ، فيمضي في الاتجاه التأويلي السلبي للذات ، و تبدو ومضة ، أو شبحا يفقد فيه البطل صوته الخاص ، و تاريخه ، و وعيه بامتلاك الأنا ، ثم نراه يشعر بالطمأنينة بجوار الفتاة التي أقامت معه ، و يتعالى على الشهوة ، ثم يحاول قبول الموت كأمر حتمي لينتصر عليه في وعيه ، و هو هنا يستبدل النهايات بإعادة إنتاج الذات فيما وراء وجودها التاريخي ، و رغباتها الخاصة من خلال معايشة تجربة الآخر ، و حدث الحياة المحمل بالصخب ، و الموت معا .
إن البطل يهتم برؤية الناس ، و مناقشتهم ، و الاستماع إليهم ، و يميل في الوقت نفسه للوحدة لا العزلة ، و من ثم تتحول تجربة النهاية إلى اتساع كوني يشمل الوعي ، في لقائه السري بالتجارب الإنسانية الجزئية كآثار تقاوم الانقطاع المطلق ، و منها يستمد وجوده الآخر خارج حتمية الموت .
و يتواتر التحول التأويلي في المكان أيضا ؛ فالبطل يشعر أحيانا بالغربة عنه في اللحظة الحاضرة ، كما يفشل في الاحتفاظ به عندما يعلم أن أخاه عصام باع شقة الإسكندرية ، و هو في هذه اللحظات يعايش فراغ المكان من التاريخ ، و التجربة الذاتية ، و لكننا نلمح حضورا إبداعيا آخر للمكان في الوعي ، يقع بين التحقق ، و الغياب لا العدم ؛ إذ يظل طيف المكان ديناميكيا ، و جماليا ، كما يصير عنصرا تأويليا متجددا للمتكلم خارج ماضيه الخاص ، فهو يقر بأن المكان هو ما يحيا في داخلنا .
هل تولد الحياة من هذا الطيف ؟
هل كان الطيف تأويلا جديدا لكينونة البطل ، أم أنه تحول للصمت الكامن في الوجود الأول نفسه ؟
يرصد السارد ملامح المكان التي يختلط فيها الحدث بطيفية الأثر ، و جمالياته التي تشبه تأملات البطل لسيرته الشخصية ، يقول " شرفة مهجورة . صرير ترام في أنحاء الطريق . حلقة ذكر على رصيف البوصيري . تشابك الطائرات الورقية في الهواء . قرقعة عربة كارو . روائح الجلود و الدباغة ، و الصباغة ممزوجة برائحة البحر " .
يتجدد المكان إذا من خلال ما يخلفه من تكوينات إبداعية لها كينونة فريدة ؛ فهذه العلامات التي تحوي صورا ، و روائح ، و أصوات تمثل بكارة متجددة للمكان ، و تعيد إنشاءه في الوعي ، كما تمنح المدرك وهجا داخليا يقاوم تهديد الفراغ ، و ضياع الذكريات ، و الممتلكات .
أما العراف الذي يرفع علامة التفوق الحضاري ، فنراه معزولا يسخر منه الناس ، و تخفت إشاراته ، و في مرات أخرى يصرخ مؤكدا تحقق النصر ، و كأنه قد انتصر بالفعل على الروح الانهزامية ، و الموت ، و لكن هذه العلامة الإشكالية في رواية محمد جبريل يلازمها ذلك الانهيار المستتر في الشخوص ، و الذكريات ، و الأماكن ، و منه يولد تاريخ آخر يقع بين عبث مواجهة النهاية ، و تحولها إلى تجربة كونية قيد التكوين من جهة ، و تواترها بين الحضور و الغياب – مثل البطل ، و العراف ، و جماليات الإسكندرية – من جهة أخرى .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي