الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا بيان تصحيح المسار الشيعي؟

نذير الماجد

2008 / 11 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ترتكز حرية الضميرعلى فكرة مسبقة تجعل الاعتقاد شأنا شخصيا مغايرا أو متمايزا كما هو الوجدان تماما. وهذا التفاوت ينشأ بطبيعة الحال من التمايزات الشخصية في القناعة والفكر والبيئة أي من كل تلك العناصر الأساسية التي تساهم في تشكيل الشخصية وتمنحها خصوصيتها وتفردها.

ويبدو هذا المفهوم للاعتقاد مشروطا بوصول الإنسان/ الفرد إلى حالة من النضج تؤهله لبلورة الاعتقاد والتفكير الشخصي، وهذا ما يجعل هذا الشكل من الاعتقاد والذي هو نسبي متعدد بطبيعته لا يتوفر إلا بمفارقة "حالة القطيع" وإعلان الاستقلال الفردي عن الجماعة، إثنية كانت أو دينية، وهذا ما يجعله يتسم بطابع جدلي وصدامي، فالجماعة التي تجنح عادة للمحافظة بما تحمل من ثقافة ذات طابع "قطيعي أو استحواذي" عادة ما تمارس الوصاية على النزوع الفردي في التمرد والتفرد الفكري والعقائدي. ولعل أهمية القيم التحررية تتجلى قبل أي شيء آخر في حماية الفرد من سطوة الجماعة عبر تكريسها لقيم الحرية وحق الفرد في التمايز والاختلاف.

ربما كان يجب أن أقول كل هذا حتى أوضح المغزى والمنطلق الأساسي الذي يكشف جوهر وماهية البيان الأخير، كما يبرر بشكل ما مساندتي وتوقيعي عليه، فالبيان المذكور يحمل توجها نقديا وإصلاحيا جديا، هذا لا يعني أنه جاء في شكله النهائي بما يتوافق تماما مع توجه جميع الموقعين في كل بنوده ومطالبه، ولا يدعي أحد إطلاقا أنه جاء بصياغة نهائية كاملة لا يعتريها خلل أو نقص، ولكن الجميع على ما أظن يتفق تماما على أن هذا البيان يمثل قاعدة أساسية تمثل توجهات وميول جميع المشاركين فيه.

فالحس النقدي الواضح جدا إلى جانب روح التسامح والرغبة في تجاوز وتصفية الأحقاد الطائفية –وهو حلم جميل فقط ولا أظنه أكثر من ذلك!- والمسعى الحثيث في إصلاح بعض السلوكيات التي نراها – إن كان يحق لنا- خاطئة جدا في التعاطي مع قضايا حساسة كالخمس وبعض الممارسات الطقوسية التي ألحقت الضرر بالفكر الشيعي وإن كنت لا أرى ضيرا في استمرارها كفلكلور تحتفي به الثقافة المحلية، والأهم من ذلك كله الدعوة إلى تصفية التراث وتنقيته وممارسة عملية فرز بين الثابت في الفكر الديني والمتغير واللحظي الذي ولد من رحم التغيرات السياسية. وبكلمة واحدة: المعالجة النقدية للفكر الديني وإعطاء مفهوم نسبي للحقيقة مما سيؤدي بلا شك إلى تعزيز قيم التسامح والتعددية، وبالتالي الخروج من شرنقة الاصطفاف الطائفي البغيض نحو أفق إنساني أوسع يعزز كل ما هو جميل ومشترك. هذه هي الخطوط العريضة التي أعتقد أنها تمثل المشتركات التي تشكل قاسما مشتركا بين كل المشاركين في البيان.

ولإجلاء الصورة أكثر يتوجب التأكيد بأن الهدف الأساسي للبيان هو الدعوة لتصحيح الواقع المأزوم في الوسط الإسلامي وهو هدف لا يمكن أن يتحقق إلا بجهد الذات على ذاتها وبالتالي مصالحتها المشروطة بنقد الفكر الديني المتولد في مناخ تسوده النزعة الوثوقية ووهم التوصل للحقيقة واحتكارها، ومن الطبيعي أن يغطي هذا النقد كل مساحات الفكر الديني بكل طوائفه ومذاهبه، مما يعني أن مهمة الإصلاح الديني ليست حكرا على طائفة دون أخرى، ولكن في ظل العمر الطويل للتراشق المذهبي لا يمكن أن تنجح هذه المهمة إلا بالمزاولة والجهد الذاتي من هنا نفهم –كما يخيل لي- لماذا اختص هذا البيان بمعالجة الفكر الشيعي. والمؤلم حقا أن يفسر على أنه مواجهة فكرية تستبطن بعدا صداميا يستهدف الانتصار للغريم وليس الانتصار للذات عبر إعادة إنتاجها وصقلها من جديد!

ولا يحسبن أؤلئك الظلاميون أن هذا انتصارا لهم ولكراهيتهم المتأصلة عمقا في ممارساتهم وسلوكياتهم ومواقفهم الاستئصالية، لأن معركتنا الحقيقة هي في تكريس التعدد والتسامح ورفض الفكر التكفيري أياً كان، وهذا يعني الرفض الكامل لتجيير المحاولات الإصلاحية لأهداف وأجندة طائفية موغلة في الظلامية والإقصاء، هل يمكنني أن أقول بكل وضوح أن معركتنا موجهة في الأساس ضد احتكار الحقيقة والأحادية والقمع أيا كان، لا أريد أن أقول أن التحدي الأساسي هو في ترسيخ مناخ يرحب بالعلمنة كما يرحب بالتدين، هل يجب أن أقول أن الطموح والاهتمام بحد أقصى يجب أن يتجه لترسيخ كل القيم التي ترسخ جمال الكون بدل قبحه الماثل في التشاحن والتقاتل والكراهية، هذه غايات حالمة، أعرف ذلك، ولكن متى كانت القيم متجسدة بالتمام والكمال على صعيد الواقع؟

يبقى الشيء المؤكد هو أن القيم الاجتماعية يجب أن تتماهى مع حاجيات المجتمع وظروفه وطبيعته وإلا كانت حلما مجردا لا أكثر. وفي اعتقادي أن مجتمعنا بحاجة لترسيخ مثل هذه القيم أكثر من أي وقت آخر، وهذه الحاجة تتأكد أكثر في وسط تسوده نزعة التكفير، صحيح أن الوجع الشيعي بتداعياته وانعكاساته لازال منذ سنين ولم ينتهي فصولا بعد، وهي سيكولوجية خاصة بكل مقهور يعاني القهر والقمع، وصحيح أيضا أن هذا الوجع نتيجة وليس سببا للشحن والتحريض الطائفي الذي تتحمل جهات أخرى عديدة مسؤوليته أكثر بكثير من الفرد الشيعي المتأثر حتما بوضعية تاريخية لها طابع الجماعة الأقلوية اجتماعيا ولا أقول ديموغرافيا، كل هذا صحيح، ولكن هذا لا يعني تأبيد الاستجابة المنفعلة كرد فعل أزلي لفعل الظلامة، خاصة في ظل التغيرات والروح الكونية التي تكتسح العالم والتي لا تتوافق إطلاقا مع النزعة الاستئصالية.

أحيانا أحدث نفسي فيما إذا كانت ثمة بقعة على الأرض ليس فيها طائفية ولا إكراه ولا قمع، وذلك كلما لاح لي شيح التاريخ المثقل بأطنانٍ من الكراهية و الاكراهات التي تخصي في الإنسان نزوعه للاستقلال الفكري والعقدي. أسأل نفسي كثيرا فيما إذا كنا سنشهد مجتمعا مدنيا بإمكانه احتضان العلمنة والديمقراطية وقيم الأنسنة، لهذا كنت تواقا لكل محاولة أستشف فيها موقفا ولو ضمنيا يطمح لإيقاف هذا المسلسل الرهيب من العنف المتبادل الذي لطخ أغلب صفحات التاريخ. هذه الأمنية الجميلة هي التي دفعتني للمشاركة في مثل هذه المحاولات التي أعرف أن نيتها الإصلاح والتنوير لا أكثر، وإن لم يكن بالشكل الموفق تماما.

المؤسف أن يحرف مسار البيان ليقع في فخ الأدلجة بعدما كان يسعى لتجاوزها، فالتجيير السلفي الواضح جدا للبيان قد جعل منه مجرد انتقال من أدلجة إلى أدلجة أخرى وهذا ما لم يكن في الحسبان، لقد وضحت شخصيا لمراسل وكالة الأنباء الفرنسية بأن مساندتي لروح البيان وللنزعة النقدية فيه وليس في كل التفاصيل الواردة لكني أضفت مستدركا بأن الاصلاح يبقى مطلبا مشروعا بوسعنا أن ندعو إليه لا أن نمارسه، لأننا لا ندعي أن إمكاناتنا الفكرية والمعرفية تكفي للاضطلاع بمهمة إصلاح فكري على هذا المستوى الرفيع والمعقد جدا والذي تشكل تراكميا في مئات السنين، لهذا كان مجرد دعوة لا أكثر، على أن يقتصر على عناوين أساسية دون الدخول في تفاصيل المعتقد وهو أمر فسر على نحو تصادمي يحمل نفسا وتوجها قمعيا وهو الأمر الذي كنا ولانزال نقاتل للقضاء عليه، وأنا هنا أؤكد أن الطقوس والشعائر الدينية حق مكفول لكل المجتمعات ولها حرية مزاولتها وممارستها وهذا حق تكفله شرعة حقوق الإنسان لكل الأديان والطوائف. أما جرثومة القمع فيجب أن تموت، مهما كان شكلها ولونها، وهنا يجدر بي أن أؤكد أن القمع هو الوقود الذي تعتاش به القوى الظلامية المستميتة دوما في اخصاء عدوها الأزلي ألا وهو الفكر، لذلك فهو ممقوت ومرفوض مهما كانت وجهته.

إنني لازلت أؤمن بضرورة إشاعة ومزاولة النقد في أوساطنا الثقافية، وهو يحمل بعدا تصادميا لسمته التجاوزية والتقدمية ولكن شريطة أن يُحيد عن أي إيحاءات أو تحيزات أيديولوجية، يجب أن يظل فعل النقد في مناخ أبستمولوجي صرف لكي لا يخفق في تعرية الواقع ومهمة الإصلاح. ولأن هذا لم يحدث مع البيان الطموح في مجمله، ولأنه بات عرضة لتأويلات ظلامية حاقدة أعلن وبكل وضوح تراجعي، وذلك من أجل الفكر النقدي وحده، وللأخوة الموقعين ولكل الوطن والإنسان أقدم زهرة اللوتس.. راجيا القبول!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال