الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوائر التكفير

أيمن رمزي نخلة

2008 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ذهبت هذا الأسبوع إلى أحد الأماكن الدينية التي من المفترض أنها تنادي بقبول الآخر. يتبع هذا المكان الديني أحد "الديانات" التي يُطلق أصحابها على أنفسهم أنهم من أتباع "الديانات" السماوية، "التسامحية". أصحاب هذه الديانة مثل بقية أصحاب "الديانات" السماوية الأخرى، يقولوا أن الإله السماوي هو الذي أنزل ديننا من السماء، ونحن له عابدين. ومن هذا المنطلق فهم لدين الله حافظين، ولطقوس الله متممين. شعارهم: نحن المهيمنين، ولأتباعه ناصحين، ونحن للحق تابعين، وبالهدى والنور مبشرين.
هذه كانت البداية.
ولكن أثناء الزيارة وبعد الأحداث التي تمت في هذا المكان الأكاديمي الديني عصفت بعقلي بعض الأسئلة حول عدم قبول الآخر الذي يتعامل مع أتباع هذا المكان الديني.
ما أصعب الأقنعة المزيفة التي تغطي بعض وجوه رجال الدين هؤلاء.
في الماضي، كانت أقنعة "البهلوانات" ولاعبي السيرك تُصنع من الورق أو مواد وخامات متنوعة يسهل وضعها على الوجه من الخارج.
كانت الأقنعة ملونة.
كانت الأقنعة مضحكة.
كانت الأقنعة واضحة للمشاهد، أنها مجرد أقنعة.
كانت الأقنعة صناعية.
وماذا أصبحت الأقنعة الآن؟؟؟
أصبحت الأقنعة الآن طبيعية وجزء من تركيبة شخصية بعض رجال الدين، أي دين وكل دين.
وفي حوار مع صديقي الأستاذ ناجي المحامي عن أقنعة رجال الدين في وقتنا الحالي تحدث قائلاً:
"لقد وصلت مهارة صناعة الأقنعة أنها أصبحت "لحمية". لا يستطيع أمهر المدققين من المشاهدين أن يكتشف أو يفرق بين الوجه الحقيقي وبين القناع الذي يظهر أمام المتعاملين معه. لقد أصبح القناع الخارجي جزء لا يتجزأ من شخصية مرتديه. أصبح هذا الشخص يتعامل من خلال القناع وكأنه الوجه الحقيقي".

نعم، يا عزيزي.
وأضاف قائلاً: "أصبح بعض رجال الدين من لابسي أقنعة "البهلوانات"يدعون الابتسامات العريضة والقلب المفتوح لكل ما هو آخر. أصبح قبول الآخر من الأقل والأكثر سواء مادياً أو روحياً هو القناع الذي يغطي حقيقة تكفير الآخر، أياً ما يكون هذا الآخر، طالما كان مختلفاً عن معتقده".

وهنا أيدته فيما يفكر فيه من أن لابسي الأقنعة يظنوا دائماً أنهم يمتلكون الحق المطلق النازل من السماء. وما أدراك ما السماء، إنها تعاليم الإله الذي لا يمكن أن تنتقدها، لأنك بهذا تنتقد الإله ذاته، كما يقول سيدنا الدكتور سيد القمني.
وأضاف صديقي الأستاذ ناجي المحامي قائلاً:
"إن لابسي الأقنعة يتعاملون وكأنهم هم مالكي الإله. يتعاملون مع الإله وكأنه إقطاعية. يستعبد لابس الأقنعة كل مَن يتبع هذه الإقطاعية التي يعتبرونها خاصتهم، وتابعيها عبيداً وجواري لمعتقداتهم. ممنوع على التابعين من العبيد والجواري التفكير، وإلا حُكم عليهم بالتكفير".

يتعامل أصحاب الإقطاعيات الدينية من الماضي البعيد وحتى يومنا هذا في دوائر من التكفير التي لا يَقبل فيها غيره من الآخرين، حتى لو كان هذا الآخر من أتباع إقطاعيته، إذا حاول التفكير، مجرد التفكير. إن مجرد التفكير يساوي التكفير.
ودوائر التكفير المحيطة بنا كثيرة. يستند جميع المكفرين إلى آيات مقدسات من كتب الإله، ولكن يفسرونها حسبما تخدم تكفيرهم للآخر المختلف مع إقطاعيتهم.
أمثلة حية لدوائر التكفير:
• يقول بعض أتباع اليهودية أنهم شعب الله المختار، حتى تجدهم يرفض بعض طوائفهم الطوائف الأخرى منهم وبالتالي يرفضون غيرهم من غير اليهود.
• وهكذا الحال بين المذاهب الإسلامية، التي تحارب وترفض بعضها البعض، مثل السنة والشيعة، ورفض الجميع للقرآنيين، وغير المسلمين بالتالي، ويستندون على تفسيرات للآيات القرآنية مثل: "كنتم خير أمة أخرجت للناس، وإن الدين عند الله الإسلام".
• والحال ليس ببعيد في تناحر وتنابذ الطوائف المسيحية بكل تفريعاتها وانقساماتها، وتوالي توالد الانقسامات لانقسامات جديدة، حتى يهيئ للناظر من بعيد أن المسيحية انقسمت على ذاتها. والجميع يكفر بعضه بعضاً، بدلاً من أن يحبوا بعضهم بعضاً. حقاً صدق الإنجيل حين قال: الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله.
• إخوتنا الأرثوذكس يرفضون أفكار بعضهم البعض، وأعظم مثال رفضهم لفكر المفكر الراهب متى المسكين، ورفضهم للدكتور جورج حبيب بباوي، بالإضافة إلى جميع الكهنة "المشلوحين" ومحاكمات الأساقفة والرهبان. كل هذا غير حركات التكفير للطوائف، عفواً الإقطاعيات الإلهية الأخرى مثل الكاثوليك والبروتستانت. فما بالك بغير المسيحيين أصلاً؟
• إخوتنا الكاثوليك أعلنوا من خلال أكبر الكراسي تكفيرهم للآخر المختلف معهم حتى لو كان من نفس الديانة المسيحية، فهل بذلك يقبل الآخر المختلف معه في الدين، عفواً الآخر المختلف معه في الإقطاعية الإلهية؟
• حتى أصحاب الإصلاح الديني ـ البروتستانت ـ الذين يدّعون أنهم أصحاب الفكر المستنير، الذين كانوا قد أعلنوا إصلاحهم لأحوال الكنيسة منذ مئات السنين، ورفضهم لكل حاجز بين الإنسان وأخيه الإنسان وبين الإنسان والإله، حتى هؤلاء سقطوا في دوائر التكفير بعضهم لبعض. انقسم أصحاب الإصلاح الديني إلى عشرات بل مئات المذاهب والطوائف، عفواً الإقطاعيات الإلهية. لقد أسقطوا من حساباتهم أصحاب المذاهب السابقة التي جاءوا من أجل إصلاحها، وكأنهم أعلنوا إنشاء مسيحية جديدة. الأخطر أن كل إقطاعية ترفض بعضها البعض داخل دائرة الإصلاح الكبرى.
• والمصيبة الأكبر داخل أصحاب الإصلاح الديني، أنهم في كل مذهب أو كل كنيسة أو جماعة صغيرة ـ عائلة إقطاعية إلهية صغيرة، تجد أشد ما يكون من دوائر التكفير لبعضهم البعض وللآخر.

آه يا عزيزي القارئ،
هل تزايد دوائر التكفير بين أتباع الديانات بعضهم البعض، وبينهم وبين الآخر المختلف معهم يدل على أننا جعلنا الإله في أجازة؟
لقد جلسنا بدلاً من الإله على عرشه المتعال لنحاسب ونحاكم ونكفر ونرفض وندين الآخر المختلف مع رعايا إقطاعيتنا الإلهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت