الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علام تبنى العقائد؟ هل تؤخذ العقائد من أحاديث الآحاد؟ (1)

أبي زيد السروجي

2008 / 11 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هل يجوز أن تبنى العقيدة على مجرد الظنون؟ هذا سؤال مهم، يجب أن نجيب عنه قبل أن نلج في بحثنا ونفيض في الحديث فيه.

لا أظن أن أحداً يختلف معنا في كون العقيدة هي الأساس الذي به تكون النجاة أو الهلكة، وعليه تبنى شرائع الدين، فمعرفة الله تعالى وتوحيده وعدله، وتنزيهه ومعرفة ما يجب له وما يمتنع عليه، وما يليق به وما لا يليق، معرفة ذلك كله أعظم فرائض الدين بلا جدال (وسيأتي تفصيل هذا)، فعلى العقيدة يترتب الخسران أو الفوز؛ ولهذا فإنها يجب أن تقوم على أسس متينة، وعلى براهين ساطعة. من أجل هذا نقول: إن العقيدة لا تقوم على الأدلة الظنية وإنما تقوم على البراهين الواضحة البينة عقلية كانت أو نقلية.

لقد قلنا في مقدمة هذا البحث: إن العقيدة الصحيحة هي العقيدة التي تقف في مواجهة كل العقائد الباطلة راسخة ثابتة قوية كالطود لا تزعزعها هوج الرياح، تجيب عن أسئلة الحيارى، وتنسجم مع العقل، وتعطي تفسيرات عقلية برهانية للكون والحياة والإنسان، أما العقيدة التي لا تخلو من اضطراب، ولا تقدم إجابات مقنعة، وتمتلئ بالتناقضات التي تلجئ صاحبها إلى الروغان كالزئبق تارة، أو إلى العجز المسكت تارة أخرى فلا يمكن أن تستريح إليها النفوس الحائرة، ولا أن تطمئن إليها القلوب الواجفة.

نعم، إن العقائد لا يمكن أن تبنى على غير أساس متين، والأساس المتين لا يمكن أن يكون وهماً من الأوهام، ولا ظنا ًمن الظنون. إن طريق العقيدة يجب أن يكون واضح المعالم، جليّ الرسوم، لا تثور فيه الغبارات المانعة من الرؤية، ولا تلوح على جانبيه الإشارات المضلِّلة؛ فطريق العقيدة هو اليقين إذن، وليس الظن الذي يقبل الاحتمالات، وتحيط به الشكوك، وتعكر صفوه التناقضات.

وإن أول ما تحقق به اليقينيات هو البديهيات التي تعود الأدلة إليها وتعتمد عليها، البديهيات التي لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان، والتي لولاها لما قام لأي علم صرح، ولما قام دليل على ساق، ذاك أن البديهيات لا تحتاج إلى الأدلة لنبرهن عليها، وما كان محتاجاً إلى الأدلة للبرهنة عليه فلا يمكن أن يكون بديهياً البتة!.

إننا يجب فيما نخوض فيه من علوم، وما نقوم به من أبحاث، وما نتداوله من مناقشات، يجب أن نعود إلى أرض نقف عليها جميعاً لا نختلف فيها، فمما لا يُختَلَفُ فيه مثلاً أن الكل أكبر من الجزء، وأن الجسم الواحد لا يمكن أن يكون في مكانين في الوقت نفسه، وأن الدور محال، وأن التسلسل ممتنع، وأنه لا يمكن أن يكون هناك تغير إلا بمرجِّح أو فلنقل بمؤثِّر اقتضى هذا التغير، وهكذا.

إننا انطلاقاً من تلك المسلَّمات العقلية علمنا أن لهذا الكون خالقاً قادراً عالماً حياً سميعاً بصيراً مدركاً للمدرَكات متكلماً (كما سيأتي بالتفصيل في هذا البحث المتواضع)، وانطلاقاً من تلك المسلّمات أثبتنا إمكان الوحي الإلهي.

فهذا هو الطريق الأول: طريق (البديهيات والمسلّمات)، وهو طريق عقلي، وأجد أن من الحسن هاهنا أن أقول: إن تلك البديهيات والمسلمات ليست على مستوى واحد من الوضوح فمن البديهيات ما يكفي للتسليم به مجرد التصور، ومنها ما لا بد له من تأمل يسير ليكون التسليم، أما الطريق الآخر: فهو (التواتر)، وهو طريق نقلي، والتواتر ما هو إلا وسيلة (نقل) أمينة، لا تعترضها الشكوك، ولا تحوم حولها الظنون، والتواتر هو ما ينقله جمع كثير، عن جمع كثير، في كل طبقة من طبقات السند، من أول السند إلى منتهاه، بحيث يستحيل في العادة اجتماعهم على الكذب، ويكون مستند خبرهم الحس.

وحين نتأمل في شروط التواتر نجد أنه بعيد كل البعد عن أن تمتد إليه الأيدي بالعبث والتبديل، فلا بد من توافر الجمع الكثير، والجمعُ الكثير ليس رجلاً ولا رجلين ولا ثلاثة ولا أربعة ولا عشرة (وفي هذا خلاف مشهور) فالعشرة ليسوا شيئاً كثيراً بل لا بد من أن ينقل (الخبر) نفسه الكافة عن الكافة، وهو جمع غفير يتجاوز العشرات والمئات والألوف ليكون أمراً تنقله الكافة عن الكافة، لكن هذا النقل يجب أن يكون في كل طبقة من طبقات السند، فإن خلت طبقة من طبقات السند من شرط الكثرة، فليس هذا الخبر المنقول متواتراً، وحينئذ يمكن أن تعترضه الشكوك، ولا بد أن يكون هذا الشرط متوافراً من أول السند إلى منتهاه، أما ذلك الجمع الكثير فلا بد من أن يلحظ أنه يستحيل في العادة اجتماعهم على الكذب، ويشترط في الخبر المنقول أن يكون أمراً محسوساً، كأن يكون مرئياً أو مسموعاً أو ملموساً أو مشموماً، بمعنى أن الشيء الذي يخبرون عنه يجب أن يكونوا قد رأوه بأعينهم، أو سمعوه بآذانهم، أو لمسوه بأياديهم، أو شموه بأنوفهم، وإذن (فالعقليات) ـ وهذا أمر في غاية الأهمية ـ العقليات لا دخل للتواتر بها، فإن مبناها هو العقل والفكر فقط، فلا يجوز أن يقال: لقد نقل بالتواتر أن 1+1=3!! فيجب أن نسلّم بهذه النتيجة لأن التواتر جاء بها!!، أقول: هذه مسألة عقليه لا دخل للتواتر فيها، ولكن أن يقال: جاء بالتواتر أن فلاناً من البشر (قال): 1+1=3، فنقول: نعم، ما دام قد نُقل هذا القول بالتواتر عن فلان، فلا بد أن يكون قاله، ولا شك البتة في أن هذا الكلام قد صدر منه، ولكننا بناء على هذا التواتر أيقنا أن فلاناً هذا لا يعرف حتى أبسط مسألة في الحساب! لأن 1+1=2 ولا يساوي ثلاثة كما قال!.

وإذن فالتواتر ما هو إلا (وسيلة نقل) أمينة، إنما هو (سيارة مصفحة) كسيارات البنك التي تحمل الأموال آمنة مطمئنة، يشرف عليها فئام من الناس بالرعاية والعناية والصيانة، في كل طريق تسلكه، ولذلك فما كان متواتراً فهو في المرتبة الأولى من الصحة ولا شك، ولكنه (وسيلة نقل فقط)، نحكم بها على أن هذا الخبر الذي وردنا لم يتغير ولم يتبدل بل بقي كما هو بغض النظر عن كون محتواه صحيحاً أو فاسداً.

ويبقى العقل في نهاية المطاف هو الحاكم الذي به نعرف الله تعالى، وبه نعرف صحة نسبة القول إليه بالنظر والاستدلال كما قلنا مراراً ونقول.
إننا نوقن بأن هذا النص الذي يسمّى (القرآن) وصل إلينا كما هو، لم يتبدل ولم يتغير، ولم يزد ولم ينقص، لأنه وصل إلينا بالتواتر، ونوقن بأن هناك رجلاً عظيماً اسمه محمد بن عبد الله قال: إن هذا الكلام هو كلام الله، ولمّا كان هذا القرآن أخباراً وأوامر ونواهي، فإن العقل يقتضينا أن نبحث في أمرين:

الأول: معرفة قائل الخبر الذي نسب محمد الكلام إليه، وقال: إنه هو الدليل على صدق نبوته.

الثاني: أن نعرف هذا الذي قال محمد إن هذا القرآن كلامه، هل يجوز أن يكون متكلماً أصلاً أم لا؟ وهذا لا يعرف إلا بدلالة العقل أولاً.

الخبر يحتمل الصدق والكذب حتى نعرف المخبر أوّلاً، وما دام الخبر يحتمل الصدق والكذب فلا يمكن أن نعتمد عليه نفسه في معرفة صدق المخبر، أرأيت لو أن رجلاً قال: أنا صادق وأنا حكيم وإني آمركم بكذا، وأنهاكم عن كذا، أيجوز أن نقبل مقالته في نفسه دون أن ننظر في أحواله فنعلم من هو حتى نأخذ بكلامه أم لا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال