الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتحار امرأة

أحمد عصيد

2008 / 12 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما كانت المعركة حول "خطة إدماج المرأة في التنمية" في أوجها بالمغرب، كتبتُ مقالا آنذاك أتساءل فيه عن معنى و جدوى الصراع و النقاش العمومي ، إذا لم يكن الهدف هو الدفاع عن كرامة الإنسان قبل كل شيء، و ذلك بعد أن لاحظت كيف أنّ بعض متطرفي الإسلام السياسي قد جعلوا غاية غاياتهم الدفاع عن نصوص دينية في ذاتها و لذاتها، مهما كانت متعارضة مع مصالح الإنسان و كرامته، حيث فهموا بأن الإنسان هو الرجل لا غيره، و رأوا بأنّ كرامة المرأة تتحدّد حسب رضى الر جل عنها بعد طاعتها له، و لذلك تحيزوا لمصالح الرجل وفق الفقه الذكوري القديم، و رأوا في ولاية المرأة عن الأبناء و اقتسام الأموال المكتسبة و المساواة في الإرث و منع تعدّد الزوجات و منع تزويج القاصرات و تجاوز نظام القوامة الحريمي، رأوا في كل ذلك مآمرة غربية على الإسلام تورطت فيها حكومة نعتت بالعمالة للدول العلمانية و للصهيونية العالمية، إلى غير ذلك من المخارق التي يوقع فيها الإستعمال المتطرف لنظرية المآمرة بغرض الدحض و التحطيم، كل هذا حدث آنذاك و المحاكم غاصّة بالنساء اللواتي ضاقت بهنّ السبل في مكاتب المحامين و القضاة شهورا و سنوات بدون حلّ، فلا شيء يعلو على منطق الفقه الذكوري الأعمى الذي يرى في كل مظاهر الميز اللاإنسانية هبة سماوية و امتيازا أنعم به الله على الرجل لحكمة يعرفها، و على المرأة أن تطيع.
و عندما كتبت إنّ الدفاع عن تعدّد الزوجات سلوك متخلف و اختيار غير مفهوم من منظور العقل و منطق الواقع و الأشياء، لأنه ببساطة ظلم صريح للمرأة، و آية ذلك أنه لا توجد امرأة في عالمنا المعاصر تقبل فكرة أن تشرك مع زوجها امرأة أخرى، كما لا يوجد رجل ـ بما فيهم الإسلاميون أنفسهم ـ يقبلون أن يتزوّج أحد على بناتهم، حيث يرون أنّ سعادتهنّ هي في أن تعشن بشكل طبيعي مع أزواجهن في وئام و سكينة، كما أشرتُ وقتذاك إلى أنّ خبر زواج الزوج أو نيته في القيام بذلك ينزل على امرأته كالصاعقة أو المصيبة الشؤمى، و يحول فضاء البيت إلى جنازة دائمة، إذ لا توجد امرأة تتلقى ذلك من زوجها أو من غيره بالفرح و الإبتسامة، كما ينجم عن ذلك من البغضاء و الخصام بين الأب و الأبناء ما يعرفه الجميع، و منه ما يؤدّي إلى كوارث مدوية، عندما كتبت ذلك كله و أوضحته اتهمت كالعادة بمعاداة الإسلام و المسلمين، و بالسعي إلى إبطال الشريعة و محاربة ما تبقى من الإسلام في مجال الأحوال الشخصية.
و لقد اتخذ التاريخ مجراه بمنطق الواقع الذي لا يرحم، و تمّ تعديل المدونة رغم كلّ الغوغائية التي لجأ إليها المتطرفون، لم تكن التعديلات غاية ما ترمي إليه القوى الديمقراطية الحية في البلاد، لكنها كانت خطوة هامة إلى الأمام و درسا للذين ما زالوا يحلمون بالعودة إلى الوراء، و دخلت مدونة الأسرة معمعة دهاليز المؤسسات الفاسدة لتعاني كغيرها من "الأوراش" و "المشاريع" التي حسمت في الأوراق و لم تحسم بعد في أذهان البعض، و في خضمّ ذلك ظلّت العديد من النساء يرحن و يجئن في متاهات المحاكم دون أن ينلن فعلا حقوقهن. لم يتمّ منع تعدد الزوجات كما يقتضي ذلك الحس السليم و الإنساني، و لكن قيل إنه تمّ "تقييده" لكي لا يكون إلا في حالة الضرورة القصوى، و تدخّلت العقلية الذكورية المتخلفة لترشد الرجال إلى كيفية التحايل على القانون و الإلتفاف على مكاسب المرأة لصالح أنانية الرجل و شهواته التي لا تروى إلا مثنى و ثلاثى و رباع، إلى أن طالعتنا الصحف قبل أيام بخبر ثانوي عن انتحار امرأة بطريقة بشعة مع أربعة من أطفالها ـ ثلاثة معها وواحد في بطنها ـ عرضتهم جميعهم للقطار، انتحرت المسماة خديجة أكا بعد أن قرر زوجها الزواج عليها رغم أنفها، رحلت بألم و بشكل مأساوي عن هذا العالم الذي لم ينصفها، و السؤال المطروح هو التالي : كيف تنتحر امرأة بهذا الشكل دون أن تهزّ ضمائر الناس و تدفع بهم إلى التفكير ؟ هل يمكن لحادثة مثل هذه أن تقع في بلد ديمقراطي متقدّم يحترم فيه الإنسان دون أن يثير زوابع من النقاش و يحدث زلزلة تدفع القوى الحية إلى تطارح أسباب الحادث إلى أن يتمّ القيام بالواجب لكي لا يتكرّر ؟ أيّ بلد هذا الذي تصل فيه النساء إلى الإنتحار دون أن يقتنع الناس بضرورة تعديل النصّ القانوني الذي ظلمن بسببه ؟ هل هناك دليل أكثر من هذا على أنّ تعدّد الزوجات شرّ لا خير يأتي من ورائه إلا الرعب و الكراهية و الإنتحار ؟ متى يقتنع المغاربة بأنّ الإنسان هو القيمة العليا و الهدف الأسمى الذي يعلو على الأجناس و الأعراق و الألوان و الأديان و القبائل و الأنساب ؟ ما معنى "الإنتقال نحو الديمقراطية" و "العهد الجديد" إذا لم نغير ما بأنفسنا من أفكار و ذهنيات و نرقى بفكرنا إلى مستوى احترام الإنسان و صون كرامته ؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري