الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قف للمعلم

سعدون محسن ضمد

2008 / 12 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


ترددت كثيراً يوم طلبت مني ابنتي أن أعطيها كتاباً تتبرع به لمكتبة المدرسة، فمكتبتي صغيرة جداً ومنتقاة، لكنني إزاء إلحاحها وافقت على إعطائها كتاباً اعتز به بشكل خاص لأنه يتحدث عن احتمالات الحياة في الفضاء الخارجي، ومع أن الكتاب لا يتمتع برصانة علمية كافية إلا أنه يطرح نظرية طريفة وممتعة وتغذي الخيال وخاصَّة خيال الناشئة. المشكلة أن ابنتي أعادت الكتاب في اليوم التالي طالبة استبداله، بحجة أن معلمتها لا تقبل بكتاب يحمل بطياته أفكاراً (أجنبية). ضحكت بسري لهذا التبرير وأوضحت لابنتي أن جميع المنهج الدراسي الذي تتعلمه داخل المدرسة هي وبقية زميلاتها يتضمن بل يقتصر على أفكار أجنبية باستثناء كتابي قواعد اللغة العربية والتربية الإسلامية. استغربت ابنتي طبعاً من هذه المفارقة المضحكة وأيضاً من سطحية معلمتها وهي تدعي معرفتها الفرق بين الأفكار الأجنبية والمحلية.
على كل حال اعتذرت لابنتي عن استبدال الكتاب لأن جميع ما امتلك من كتب يحتوي أفكاراً أجنبية بشكل أو بآخر. لكنها ألحت وهي تطلب تحديداً كتاب أدعية دينية، وأخبرتني بأن المعلمة أثنت على زميلة لها جلبت معها مثل هذا الكتاب، عند هذا الحد اتضح لي بعد آخر من أبعاد المشكلة وثار فضولي فطلبت بعض الإيضاحات الأخرى وسرعان ما عرفت بأن السيدة المعلمة رفضت كتاباً كانت قد جلبته زميلة أخرى، فقط لأن مؤلفه يمدح في ثنايا كتابه كاتباً مشهوراً ينتمي لطائفة أخرى غير طائفة السيدة (التربوية).
نعم اكتشفت أن المشكلة بهذا الحجم وأن السيدة المسؤولة عن تربية ابنتي مصابة ليس بحساسية الأفكار الأجنبية فقط بل وبمرض احتقار الطوائف الأخرى، الذي هو مرض لا يمكن قبوله بأي حال من الشخصية التربوية، ولولا الخوف الذي ارتسم كبيراً بين عيني الطالبة لكنت ذهبت إلى مُدَرِّسَتها ولقنتها درساً يعلمها معنى أن تعزل بين ما تؤمن به هي، وما يجب أن تلقنه لابنتي التي أبذل جهداً كبيراً في تعليمها معنى أن الإيمان حرية خاصَّة وهو شأن داخلي بحت، لا يجب التلصص عليه.
أنا متأكد بأن هذه المعلمة التي أوْكلت إليها المدْرَسَة موضوع إنشاء المكتبة لا تحمل وثيقة تخصص بالمكتبات، وبالتالي فهي لا تعرف معنى المكتبة ولا وظيفتها ولا طبيعة التنوع الذي يجب أن تحتويه، الأمر الذي يكشف بأن الجهل مشترك بين نفس المعلمة وبين إدارة المدرسة التي توزع المهام التربوية جزافاً.
بعد تغييرات 2003 أصبح التعليم لدينا وبالأخص منه التعليم الابتدائي ارتجالياً لدرجة كبيرة. خاصَّة بعد أن رفع تربويونا (الكبار) شعار إصلاح المناهج منطلقين من فوبيا النظام السابق التي جعلت موضوع الإصلاح هذا مباحاً حتى لصغار المعلمين، ولم يعد غريباً عند ذلك أن يصر بعض هؤلاء على أن تكون القاعة المخصصة للتربية الإسلامية خالية من مقاعد الطلبة لتكون قريبة من أجواء المسجد. أو أن يصر آخرون على ضرورة تدريب الصغار على كيفية أداء الطقوس والاحتفالات الدينية (الطائفية) داخل قاعات الدرس. وهكذا.. وكل هذه التصرفات تتعارض ومفاهيم الوطنية والشراكة وقبول الآخر. وهي تجري بشكل فردي وارتجالي ولا تجد من يراقبها أو يردعها. وإذا أضفنا للارتجال الذي يعمل من خلاله المعلمون جهل الكثير منهم بطرق وأساليب التدريس ومعلومات المناهج المسؤولين عن تعليمها. تصبح المدرسة العراقية كثيرة الضرر قليلة النفع، ويبدو على أجيالنا القادمة أنها ستكون مصابة بعوق كبير وهي معبأة بأمراض الخوف من الآخر واتهامه أو التعالي عليه، من جهة، ومطالبة من جهة أخرى أن تبدع وسط عالم اتصالي معلوماتي يجعل من الحدود بين الذات والآخر محض خيال وهراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهدنة التكتيكية.. خلافات بين القيادة السياسية والعسكرية


.. دولة الإمارات تنفذ عملية إنزال جوي للمساعدات الإنسانية على غ




.. تشييع قائد عسكري إسرائيلي درزي قتل في عملية رفح


.. مقتل 11 عسكريا في معارك في شمال قطاع غزة 8 منهم في تفجير است




.. بايدن بمناسبة عيد الأضحى: المدنيون الأبرياء في غزة يعانون وي