الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر توظيف السياسي للخطاب الديني

عبدالحكيم الفيتوري

2008 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أن تاريخ المسلمين مزدحم بصور التوظيف السياسي للدين بزاوية تكفير وإقصاء وقتل وصلب ، وكل ذلك يحدث بتوقيع الأعلام من رجال الدين عن رب العالمين (أعلام الموقعين عن رب العالمين)في إطار حماية السلطان والخليفة، أو إعادة هيبة الخليفة، أوليس الخليفة ظل الله في الأرض من أهانه فقد أهان الله!! هكذا يبدو الحلف بين (السيف والقلم)عبر الماضي والحاضر من الوضوح بمكان، حيث تم لهذا الحلف إخضاع البلاد ورقاب العباد لسلطته المطلقة،وتكميم أفواه مخالفيه ،وسد مسامات التفكير والأبداع والاجتهاد والتأويل في الفهم والتطبيق عبر الماضي والحاضر، وطبعا كان ذلك باسم الله سبحانه وظلما وبهتانا !! فلك أن تتصور حجم الطاقات البشرية التي أهدرت،وكم من لبيب أقصي،وكم من رأي سديد همش،وكم من انتاج معرفي أقبر،وكم من عالم كفر،وكم من مفكر صلب...من جراء هذا التوظيف المشين للخطاب الديني والحلف الثنائي بين الأمراء والفقهاء!!
ولعل نظرة سريعة إلى صفحات من تاريخنا كفيلة بأن تضعنا أمام مشاهد متنوعة وصور متباينة من ذلك التوظيف(السياسديني)على كافة مستويات التوظيف(المليّ)و(المذهبي)و(الفرقي)،وليس قصدي في هذا المقال العيش في التاريخ ولا إدانة التاريخ (فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت)،ولكن الذي يؤرقني ويؤرق كل عاقل أن نقع فريسة لضراوة سلطة التاريخ والتوظيف(السياسديني)والتي تنتقل عدواها عبر العقل القياسي والفهم الكلاسيكي الذي لا يفرق بين(إسلام النص)و(إسلام التاريخ)ولا يميز بين الإلهي والبشري،والمطلق والنسبي!!حينئذ يصبح الحاضر ماضيا، وينعدم المستقبل،ويضحى الجميع بكل أطيافهم(الملية،والمذهبية،والفرقية)رهنا لتلك العقول التي تقيس(الحاضر على الغائب)وتعيش(التاريخ وسلطته)، فيومئذ لا مفر للجميع ولات حين مناص.والأدهى والأمر أننا حيال سلطة لا قبل لنا بالنظر في مكوناتها،ولا بتعديلها،ولا بمراجعتها،ناهيك عن تمييز سلطتها عن سلطة(إسلام النص)ومن ثم تجاوزها.لذا فأننا إن لم نقم بهذا الفصل وتلك المراجعة بين(إسلام النص)و(إسلام التاريخ)وفك الاشتباك بينهما وأنزال كلا منهما منزلة تليق به؛ فسوف تعيش الأمة بكل أطيافها أبدا الدهر اسوأ حالات التوظيف(السياسديني)من تكفير وقتل،وصلب وتنكيل،وإقصاء وتهميش بمجرد الخلاف المليّ،والتنوع الفكري،والتأويل المنطقي،والموقف السياسي ،ولعل أحداث بمباي الاخيرة خير شاهد على خطورة هذا الحلف وذلك التوظيف.
كما لا يخفى أن موضوع التوظيف(السياسديني)يلقي بعجره وكلكله على المشروع السياسي الإسلامي برمته من خلال زاويتين،زواية داخلية،وزواية خارجية.فأما على المستوى الداخلي فلابد له من إجراء علمي منهجي جاد مفاده فرز حقيقة(إسلام النص)من(إسلام التاريخ)،وتمييز(الواجب)من(المباح)وفك الاشتباك بين(المضمون)و(الشكل)، وبين(الذات)و(القيمة)،وبين(الدين)و(أشكال التدين)بعبارة عبدالجواد ياسين ، وهذا الإجراء ليس من نافلة القول والفعل بل إن لم يقم بهذا المشروع المنهجي ويتخفف من حمل التابوت(الحاوية)فسوف يرهق نفسه وأتباعه ومخالفيه بل المنطقة بأسرها!!
أما على المستوى الخارجي :فينبغي على المشروع السياسي(سني-شيعي-أباضي)أن يطمئن خصومه بكل أطيافهم(الملي،المذهبي،الفرقي)بأنه ملتزم بقيم(إسلام النص)دون التشبث بأنماط(إسلام التاريخ)،وأن يتخلى عن التسويق لنماذج التوظيف(السياسديني)وأساليبه القمعية(إنماط حكم-وإجماعات داعمة)،وإدانةالأنماط الوراثية الأسرية في التولية والحكم والمشاركة ،وشجب طرق توزيع الثروة بين الناس،وإلغاء حزمة القوانين الدينية المسيسة(فتاوى-إجماعات)التي منعت حرية ابداء الرأي وحق التعبير والتنظيم ،وأخيرا ينبغي أن تتضمن هذه الدعوة ممارسة عملية حقيقية تبرهن عدم توظيف الدين لصالح مشروعها السياسي في حشد الجماهير، وكبت مخالفيهم وتكفيرهم .
وليكن في حسباننا بأن تلك المخاوف التي يبديها خصوم المشروع السياسي الإسلامي ليست خيالية بل هي مخاوف حقيقة ماثلة في التاريخ الإسلامي سواء في انقلاب نمط الحكم الراشد إلى أنماط الوراثة والتسلط والجبر والعاض،أو على مستوى توظيف الخطاب الديني لصالح هذه الانماط الوراثية المستبدة والتي جيرت ذلك التوظيف على مراتب متعددة،مرتبة شرعية الحكم بـ(انعقاد الاجماع على ولاية المتغلب)،ومرتبة شرعية سحق مخالفيه والمتمردين عليه بـ(انعقاد الإجماع على قتل البغاة)،ومرتبة شرعية تحريم وتجريم الرأي بـ(انعقاد الاجماع على إدانة المخالفين في الفكر=وتسميتهم بأهل الأهواء والبدع)؛بل تكفير وقتل من يخالف رأي السلطان وعقيدته وإن كان ذلك السلطان من أبعد الناس عن الفهم والاجتهاد ؛أولم يكفر من لم يعتقد بأن القرآن مخلوق،أولم يجز في ذلك رأس أحمد بن نصر المروزي، ويقتل نوح ابن مريم ،ويضرب أحمد بن حنبل !!
إذن نحن أمام أزمة منهجية أصولية ملحة تلقي بظلالها على قيم الإسلام جملة،وعلى علاقة التنوع البشري(الملي-المذهبي-الفرقي)جملة،مما يحتم ضرورة النهوض والمراجعة والمواجهة الفكرية والنقدية لكل ما هو بين أيدينا،والخروج والإنفكاك عن المنهج النعامي الذي يردم الرؤوس في أوحال الماضي دون مراجعة ونقد،وفك وتحليل وتركيب ، ودونما مواجهة للواقع واستشراف للمستقبل !؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah