الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة الإلكترونية .. دعابة كبرى في عالمنا العربي

أمير ماركوس

2008 / 12 / 8
المجتمع المدني



ندعو القاريء العزيز إلى إجراء هذه التجربة عملياً ليقتنع معنا بأن موضوع الحكومة الإلكترونية مزحة كبرى، إرسل يا عزيزي القاريء رسالة بالبريد الإلكتروني لتهنئة قسم خدمات العملاء لدى أي من شركات التطوير العقاري الضخمة المملوكة لحكومة دبي الإلكترونية ، بحلول عيد الأضحى المبارك، ستتلقى على الفور رداً إلكترونياً يفيد بما معناه (تسلمنا الإستفسار / التساؤل المقدم منكم، وأحلناه إلى الجهة المختصة بالشركة وسنوافيكم بالرد عند وصوله) .. أو شيء بهذا المعنى، ولتسهيل المهمة نضع أمام القاريء العزيز أحد هذه العناوين الإلكترونية ([email protected]) لشركة نخيل المملوكة لحكومة دبي الإلكترونية الحائزة على جوائز الآيزو الدولية .. إلخ مما قرأناه وسمعناه في وسائل الإعلام العالمية، لن تتكلف التجربة شيئاً ولن تستغرق سوى دقائق لكنها ستمنحنا جميعاً الدليل العملي والمستندي الذي يؤكد أن الدعاية التي تقول أن حكومة دبي هي الحكومة الإلكترونية ليست سوى دعاية شكلية تماماً بل إنها ليست سوى إعلانات تجارية مدفوعة الأجر لم تتجاوز حدود الشكل دون المضمون.

ما معنى أن يتلقى الشاكي رسالة إلكترونية فورية تفيد بإستلام شكواه ، إذا لم تكن هناك متابعة داخلية لاحقة تعمل على التحقق من أن الشاكي قد تلقى بعد فترة زمنية محدودة ، رداً موضوعياً يتعامل مع كافة عناصر الشكوى ويفيد القاريء بطبيعة الإجراء الذي إتخذته الإدارة الإلكترونية في التعامل مع شكواه؟.

من خلال تعاملاتنا شخصياً مع إحدى شركات التطوير العقاري العملاقة التابعة لحكومة دبي الإلكترونية ، توافر لنا الدليل القاطع المدعم بالمستندات ، على أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الشاكي هو هذا الرد الإلكتروني السريع الذي يفيد بإستلام (الإستفسار / التساؤل) دون أن يكون هناك أي إجراء فعلي وموضوعي آخر من أي نوع، وقد اختيرت هذه الكلمة بعناية من قبل الشركات العالمية المصممة للبرامج الإلكترونية، فكلمة (query) باللغة الإنجليزية يتسع معناها لتضم عناصر مختلفة مثل التساؤلات أو الإستفسارات أو الشكاوى، وقد إكتفت الإدارة العليا لتلك الشركات بإستدعاء شركات عالمية لتصميم برمجيات إلكترونية داخلية تسمح بالرد الفوري على العملاء، هذا في حد ذاته شيء رائع، لكن الشركات المُصمِّمة لهذه البرمجيات الإلكترونية لم تضع (فيما يبدو بالدليل المستندي المتوافر لنا) ضمن البرنامج ما يُلزم كبار موظفي الإدارة العليا بالرد الموضوعي على "التساؤل"، ولم يُصمم البرنامج لتصل إفادة داخلية إلى تلك الإدارة العليا إلكترونياً من خلال البرنامج نفسه بما يفيد أن موظفاً ما قد تقاعس عن أداء واجبه ، أو أهمل في إتخاذ إجراء ما أو إستغرق مدة أطول من اللازم .. إلخ، ولا نعلم بشكل قاطع ما إذا كان القصور في تصميم البرامج الإلكترونية متعمّداً أم عفوياً ونترك ذلك لذكاء القاريء، وكيف لا يسمح البرنامج الإلكتروني بأن تكون هناك محاسبة ومساءلة داخلية تؤدي إلى تحسين الأداء وإغلاق الثغرات، ويُثبت ذلك الدليل القاطع المتوافر لدينا من خلال تعاملات فعلية أننا أمام عملية شكلية تماماً ، ما يهم من ورائها هو مجرد الدعاية الإعلامية فقط دون الإنجاز الفعلي للتعاملات الإدارية ودون تسهيل فعلي لتعامل العملاء على أرض الواقع، والدليل الآخر هو أن التعاملات الورقية زادت في عصر الحكومة الإلكترونية، ويقال لنا عادة عندما نستفسر هاتفياً عما وصلت إليه معاملاتنا أن الأوراق قد أرسلت للتوقيع .. ولا نعلم كيف يستقيم ذلك مع الدعاية الإعلامية التي تقول أنها حكومة إلكترونية.

لا نريد أن نستفز القاريء العزيز بإجراء مزيد من المقارنات بين أداء حكوماتنا الإلكترونية في عالمنا العربي وأداء شركات صغيرة خاصة موجودة في العالم الغربي، لا تتشدق تلك الشركات بأنها إلكترونية لكن الأوراق إختفت فيها بشكل يكاد يكون تاماً، ويمنح النظام الإلكتروني فيها لصغار الموظفين سلطة إتخاذ القرار، كل في حدود مستواه، مع توافر رقابة داخلية إلكترونية، تسمح إلكترونياً للمدير بإيقاف إجراء معين يقوم به أحد مرؤوسيه في حالة توافر الدليل لدى المدير بوجود تحايل أو تزوير أو ما شابه ذلك، لكن بدون التدخل في كل إجراء بالشكل الذي يعرقل إنسياب الأداء ... وقد شاهدنا بالفعل أنظمة هواتف داخلية حديثة في العالم الغربي تسمح للمدير بالرقابة الداخلية المتمثلة في الإستماع إلى المحادثات الهاتفية الحية لموظفيه (في المبيعات على وجه التخصيص) مع عملاء الشركة في الحالة التي يرغب فيها المدير في مراقبة أداء موظف ما بحيث يمكن للمدير أن يبني قراره بخصوص تقييم أداء الموظف على الدليل الحي، كما يسمح للمدير بتصحيح الأداء أمام العملاء عندما تقتضي الظروف ذلك.

نتصور أن الإدارة العليا في شركات التطوير العقاري العملاقة في دبي، على دراية تامة بذلك، لكن كيف تسمح تلك الإدارة بأن يُصمم النظام الإلكتروني دون أن يُمرر كل إجراء من خلال تدخلها المباشر في كل كبيرة وصغيرة، وكيف يشعر أولئك الشباب من وصلوا إلى أعلى الوظائف دون خبرة حقيقية بكيانهم، وكيف يرضون غرورهم ويتعمق إحساسهم بمدى أهميتهم دون أن يكون لهم توقيع كريم على كل ورقة، ودون أن تدخل السكرتيرة عليهم بالأوراق للتوقيع عليها؟.. نتصور أيضاً من خلال معايشة طويلة أن صغار الموظفين من جنسيات أسيوية وعربية غير خليجية يبالغون في إحالة كل شيء إلى الكبار للتوقيع عليه، لسببين: الأول هو مجاملة لهؤلاء الكبار وتملقهم وتعميق لشعورهم بأن كل شيء لا يمكن أن يتحرك إلا فقط بتعليماتهم وتوجيهاتهم وأنفاسهم والسبب الثاني هو إخلاء مسؤولية هؤلاء الموظفين الصغار من كافة ما يمكن أن يؤدي إلى مساءلتهم عن الأداء..

نتصور أن القاريء العزيز يوافق معنا على أن رفع مستوى الأداء لا يتحقق فقط من خلال إستدعاء شركات عالمية متخصصة في تصميم البرمجيات الإلكترونية، وإطلاق الدعايات التجارية المدفوعة الأجر في وسائل الإعلام العالمية، بل يتحقق عن طريق تنمية القدرات الذاتية للموظف وتشجيعه على إتخاذ القرار ، مع توافر رقابة داخلية "إلكترونية" تسمح لكبار موظفي الإدارة بالإطلاع على القرارات المتخذة من قبل صغار الموظفين، ومساءلتهم عندما يقتضي الأمر ذلك، وتشجيع المجتهدين منهم على مزيد من التحرر في شجاعة إستخدام القرار... وليس ذلك في تصورنا وبناءً على معايشتنا الطويلة لها، مُمكناً في الظروف الحالية نظراً للتكوين النفسي لأشخاص قفزوا من البداوة إلى القرن الإلكتروني دون أن يتحقق لهم نمو حضاري كاف.. وسمحت لهم فوائض أموالهم المتحققة في حقبة الطفرة النفطية بإستيراد العمالة من كافة أنحاء العالم وممارسة كافة أنواع القمع عليهم.

ما أصدق شاعرنا العظيم نزار قباني عندما يقول في قصيدته (هوامش على دفتر النكسة):

خُلاصة القضية‏...‏ توجز في عبارة - لقد لبسنا قشرة الحضارة‏...‏ والروح جاهلية‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغرب المتصهين لا يعير أي اهتمام لحقوق الإنسان في #غزة


.. الأونروا: أوامر إسرائيلية جديدة بتهجير 300 ألف فلسطينى




.. رئيس كولومبيا يدعو لاعتقال نتنياهو: يرتكب إبادة جماعية


.. غوتيريش يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإخلاء سبيل جم




.. اعتقال محامية تونسية بارزة بعد تصريحات وصفت بـ-المهينة- لبلا