الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد التضحية عيد التحرّر من الموبقات

رابحة الزيرة

2008 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سألته: أمستعد للسفر إلى بيت الله؟ فحرّك يده باضطراب، وكان القلق بادياً عليه: لا .. نعم .. ربما .. لا أدري!! أشفقت عليه، فقلت: الحجّ سفر روحاني، ذو معانٍ رمزية جميلة، وهو أبسط بكثير مما تحاول مسائل الفقه أن تعقّده لك بالتركيز على الظاهر من المناسك، الحج .. لقاء مع الله، فإن كان ثمة اضطراب ينتابك فليكن لهيبة لقاء المحبوب المرتقبة في بيته الذي وضع للناس ببكة مباركاً .. الحج: "تسكين القلوب" كما يصفه الإمام الباقر (ع) .. الحج كلّه يتلخّص في كلمتي: "لبيك اللهم"، لا قلقلة لسان ولكن عملاً بالجوارح، ملبّياً، أو محرماً، أو ساعياً، أو طائفا، أو عاكفاً، أو مضحّياً، وعندما يعود الحاج يجد انعكاس ذلك كلّه على حياته كلّها.

ازداد الاهتمام بـ(رحلات) الحج كثيراً عن ذي قبل، فإلى جانب السكنى في فنادق من فئة الخمس نجوم والتنعمّ بطيّب الطعام، فهناك محاضرات، وندوات تُعقد للتعريف بأحكام الحج، وقد يتطرّق البعض إلى فلسفة مناسكه والهدف من أدائها بكيفية معيّنة، ولكن نادراً ما نسمع من القائمين على رحلات الحج من ركّز أو حتى تطرّق إلى ما جاء في خطبة رسول الله (ص) في حجة الوداع بشأن وحدة المسلمين وحرمة دمائهم، حيث بدأ الخطبة بقوله: "أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ... وتعلمُهنّ أنّ كل مسلم أخ للمسلم، وأنّ المسلمين إخوة ... ولا ترتدّوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .."، ولو فعلوا ذلك وأخافوا الحجاج من مغبة هتك حرمة وأعراض ودماء المسلمين بعضهم بعضاً كما يخيفونهم من عدم دفع ديونهم المادية وخاصة الحقوق الشرعية منها، لكان حال الأمة من بعد الحج خيراً من حالها قبله، ولو دُعي ثلاثة ملايين مسلم لهجر أحقادهم، وكراهيتهم، كما يهجرون أوطانهم لعاد للأمة سلمها الاجتماعي حينما يعودون إليها.

تستعد المملكة العربية السعودية هذا العام بمئة ألف من قوات أمنها للمحافظة على سلامة الحجيج، هذا عدا عن الاستعدادات العمرانية السنوية لتوسعة للحرم، واستخدام أطور التجهيزات التقنية في أماكن أداء المناسك حرصاً على راحتهم، إلاّ أننا لم نسمع أنّ وعّاظ المسجد الحرام والمتحدّثين على منبر رسول الله (ص) أُعطوا دورات ليطوّروا أساليب وعظهم، أو يجدّدوا معلوماتهم، أو يرتقوا بالمواضيع التي يتناولونها لتوعية الحجّاج بمقتضيات أمانهم النفسي والمجتمعي، والأغلب لم يستثمر المسلمون جيّداً - لا ساسة, ولا قادة- هذا التجمع الروحاني السنوي لتوحيد الأمة، ولم يستغلّوا فرصة صفاء نفوس الحجاج في بيت الله لوضع اللبنة الأولى لحلّ مشاكل أبنائها، أو نزع فتيل الخلافات بينهم، ولم يحوّلوا هذا التجمهر الطبيعي إلى وسيلة تعارف بين المسلمين الآتين من كل فج عميق، وبناء شبكة علاقات لتبادل للخبرات، فما أكثر الضجيج، لا ضجيج الحجيج بل ضجيج من يدّعون أنهم قائمون على شئون الحجيج.
ترتبط فرحة العيد لدى الأطفال والشباب بالعيدية ولبس الجديد، ولبعض الكبار بالترفيه والزيارات العائلية، والسفر، وللمهتمين بشئون الأمة والمتابعين لأحوالها بالتأمل فيها، ومن ثمّ الدعوة لوقفة صادقة للإجابة على السؤال: ماذا يمكننا أن نفعل لكي نعيد لهذه الأمة فرحتها الحقيقية، بعزّتها، وكرامتها، ووحدتها؟ وكيف نجعل من عيد (التضحية) بعد الوقوف بـ(عرفة) والمرور بـ(المشعر) عيد التحرّر من الخطايا والموبقات ونوازع الشر، والتطهر من الكراهية والأحقاد والأغلال، فيقتلع من نفسه مشاعر الاغتراب والتوحش ليتعامل مع إخوته المختلفين معه ممّن يعاشرهم لأول مرة ويتعرّف على عوالمهم وثقافاتهم وطبائعهم بمشاعر الأخوة والإنسانية.
أعاد الله لأمّتنا أخوّتها وسلامها وجعلها خير من لبّى ومجّد وشيّد وعيّد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah