الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود درويش بين الملاكين ..!

نافزعلوان

2008 / 12 / 13
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


بسم الله الرحمن الرحيم
إنتظرته طويلاً وكل ما سألت عنه قالوا لي لم يفرغ منه الملاكين بعد. أخيراً دخل علي منهكاً وكأنه خارجاً لتوه من معركة شديدة القسوة. كان قميصه مفتوحاً كعادته ، تستطيع أن تري بوضوح كيف جمعوا لحم صدره بقطب وغرز كبيرة وكأنها غرز لحاف وليست غرز لآدمي وشاعر رقيق. عرفت منه فيما بعد أنهم هكذا يقومون بتقطيب من يموت في غرفة العمليات سواء كنت في مستشفي الشفاء في قطاع غزة أو في أحسن مستشفي في مدينة هيوستن الأمريكية. أخذ يجفف عرقه من شدة مسألة الملاكين له .. صبرت حتي عاد إليه هدوئه المعهود ثم قلت له لقد خطفك الموت منا ونحن في غفلة عنك ، لم نشبع منك ولم نوفيك حقك في الدنيا فكيف وجد الشاعر محمود درويش الدار الآخرة? قال لي .. إن هذا لهو سر من الأسرار لو بحت به ربما طالني أذي من هؤلاء الأخيار وأشار بإصبعه إلي ملاكين عظيمين وكأنهم كانوا له بالإنتظار. قلت له هل لك أن تجيبني عن بعض السؤلات? قال قبل أن أجيبك علي أي شيئ .. كيف أمي? إنني ولله لقلق عليها .. عساها بخير? وعساكم خففتم عنها? قلت له وكيف يكون حال الأم الفاقدة للولد? وكما تعلم فإن هناك فرقاً بين ولد وولد فكيف إذا كان محمود درويش هذا الولد? لقد إختلط الحزن لديها فأصبحت لا تدري أتموت ورائك قبل أن يأتيها الأجل أم أن صبرها عليك سيجازيها الله عليه في صبرها علي أعز الولد? لقد كان حزنها عظيماً عليك. أخذ يبكي وهو يستمع فهو شاعر حساس والشعراء ليسوا كبقية البشر. خففت عنه قائلاً لا تحزن فوالله ليس هناك أسرع من دعاء الأم لفقيدها من الولد.

أخذت أتحسس الجرح الذي يمتد من أسفل رقبته وحتي ما قبل صرته بقليل ثم قلت له والله يبدوا أن الطب لم يتقدم قيد أنمله أين التطور وأين العلم حتي يقوموا بشق الإنسان من الصرة وحتي ما قبل الترقوة? هز برأسه قائلاً وكأنه يوافقني ثم قلت له أرجوا أن تسمح لي ببعض الأسئلة. فكأني رأيت حركة من رأسه تدل علي الموافقه فمضيت سائلاً هل كنت حقاً وكما يقولون عنك في الأرض الفانية أنك كنت محلداً? نظر إلي ولسانه كان مستغفراً وأجابني بهدوء .. وكيف لذلك أن يكون? ألشاعر لا يجوز له أن يكون ملحداً فكما هو يخلق الأبيات فلا بد للشاعر أن يؤمن بأن له خالقاً. قلت له ولاكنك كنت تلوم الله في أشعارك وتتهمه بالنكبة الفلسطينية لدرجة أنك كنت في بعض الأبيات تلوم الله علي النكبة الفلسطينية وكان أولي بك أن تلوم البشر? قال لي .. لقد كان كل ذاك من شدة الضيق بظلم البشر وإن كان الله قد خلقهم علي هذا القدر من الظلم فكيف لي أن لا ألوم خالق البشر?

قلت له .. هل كنت حقاً من المخنثين ( اللوطيين ) من البشر? تردد هذا كثيراً عنك فما صحة هذا الخبر? قال وكأنه لم يزعجه مثل هذا الخبر وهو يضع ساق علي أخري ثم قال وما شأن كل العالم بمن أحب في دنياكم الفانية إن كان أنثي أم ذكر? دعهم يضعوني في أي خانة يختارها البشر .. هذا شأني وليس من شأن البشر. كانت قطرات صغيرة تتصبب من جبينه لسرعان ما قام بتجفيفها بعد سماعه لسؤالي عن صحة أو كذب هذا الخبر.

سألته لكي أخرجه من ما أظنه موضوعاً يثير لديه الكثير من الحرج .. هل أوفيت القضية الفلسطينية حقها? لقد كانوا يتهموك أنك أكثر شاعر إنتفع من القضية الفلسطينية? أجابني بسرعة وبدون حرج .. إن كانت المنظمة كانت تقوم بطبع دواويني فلقد كنت أسدد لهم ما كانوا يدفعوه عني للخلق والبشر وقبل أن يكمل قلت له ولكن منظمة التحرير كانت تدفع مصاريف تنقلاتك وسكنك وأشياء كثيرة لم يكن يحضي بها بقية الفلسطينيين فما هي الحكاية بينك وبين المنظمة وما هو الحق وما هو الكذب في هذا الخبر? قال لي .. فعلاً في فترة من الفترات كنت أجد صعوبة في التنقل وكانت هناك بعض الوساطات تتدخل لصالحي عند بعض البشر ، أما لماذا لم تكن منظمة التحرير تعامل بقية الفلسطينيين معاملتهم محمود درويش فهذا جوابه بسيط فليس كل الفلسطينيون محمود درويش. قلت له .. هل نستطيع أن نفهم من كلامك هذا أنك كنت مميزاً عند منظمة التحرير ومن أجل ذلك كانت لك فيها عضويات متعددة حتي تستطيع المنظمة تبرير تلك المبالغ التي كانت تصرفها عليك? لقد سمعنا عن دواوين لكم فشلت فشلاً ذريعاً في بعض الأحيان فكانت منظمة التحرير تتحمل هذه الخسارة من تكاليف طباعة وغيره فما هو وجه العدل من وجهة نظركم في هذا الأمر? قال لي .. شوف لقد كانت هناك فترة كل شيئ فلسطيني محارب ، الشعر الفلسطيني محارب ، الفن الفلسطيني محارب ، الموسيقي الفلسطينية محاربة ، تقريباً كل شيئ فلسطيني كان محارباً .. لقد كان من العدل أن تتحمل منظمة التحرير عبئ تكاليف مطبوعاتي. قلت له ولكن لماذا محمود درويش فقط? لماذا لم يكن هناك شعراء أو مبدعين فلسطينيين تبنتهم كما تبنت منظمة التحرير محمود درويش? وقبل أن يجيبني إقترب الملاكان من المكان الذي كنا نجلس فيه فإذا بمحمود درويش يرتعد فوضع الملاك الذي عن يمينه يده علي كتفه الأيمن يجذبه إليه ثم وضع الملاك الذي علي يسارة يده علي كتفه الأيسر وهو أيضاً يجذبه إليه ومحمود درويش خائف بينهما حائرة نظراته إليهما ثم مضي الملاكان به ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح