الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 1 من 3

فتحى سيد فرج

2008 / 12 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مــقـدمــة
شاع في الفترة الأخيرة استخدام مصطلح النخبة Elite كمفهوم حديث ونظرية في إطار علم الاجتماع السياسي، يذهب أنصارها إلى أنها حقيقة موضوعية، لأن الشواهد التاريخية وواقع المجتمعات السابقة والمعاصرة، يؤكد وجود أقلية حاكمة، محتكرة لأهم المناصب السياسية والاجتماعية والثقافية، وأغلبية محكومة منقادة وليس لها صلة بصنع القرار السياسي، وهناك أهمية خاصة داخل النخبة بصفة عامة لعناصرها المثقفة والتي تمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام بحكم امتلاكها قدرا من العلم والمعرفة يمكنها من صياغة المفاهيم العامة .
ومع أن عمر تبلور هذه النظرية قد زاد على نصف القرن، إلا أن اللبس والغموض يصاحبها من جوانب كثيرة ومهمة، منها أهمية الاتفاق على تعريف علمي لما يسمي بالنخبة، وطبيعة تشكلها وتطورها، وملابسات علاقتها مع الدولة من جهة، وكذلك علاقتها بالقواعد الشعبية من جهة أخرى، والأهم من كل ذلك مدى تعبيرها عن واقع مجتمعاتها، لذلك ينطلق بحثنا من التساؤل عن مدى قدرة النخبة المصرية من لعب دور فعال لتحقيق التنمية المنشودة باعتبار التنمية " هي عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية مقصودة ومخططة بغرض استثمار الموارد بأفضل السبل بما يحقق أعلى إنتاجية، وأكبر ربح، وأفضل قيمة مضافة، مع ضرورة المحافظة على هذه الموارد من التدهور أو التلوث، بما يجعل الأفراد والمجتمع قادرين على تحسين نوعية حياتهم، وتوسيع خياراتهم، ومشاركتهم في الحياة الاجتماعية والسياسية الحرة بما يحقق استمرار حياتهم الكريمة في ظل حكم جيد"
وسوف نتناول في هذه الورقة البحثية مجموعة من المفاهيم لفض الاشتباك حول ما يكتنف موضوع النخبة من غموض والتباس وفقا للنقاط الآتية : -
• تعريف النخبة .
• أولويات اهتمامات النخبة المصرية .
• أسباب انفصال النخبة عن التعبير عن قضايا الوطن .
• الآثار المترتبة على غياب النخبة عن قضايا التنمية .
فنحن نفترض منذ البداية أن النخبة المصرية بحكم نشأتها وتطورها في الدولة الحديثة لم تكن فاعله لأداء دورها التنموي لفترة تصل إلى أكثر من مائتي عام – إلا فيما ندر – لذلك سوف يكون هدفنا الأساسي هو توضيح أسباب ذلك .
أولا : حول تعريف النخبة
منذ منتصف القرن الماضي أهتم رواد نظرية النخبة السياسية وأغلبهم من علماء الاجتماع الإيطاليين بتوضيح معني النخبة في مواجهة مفهوم الطبقة كما صاغه كارل ماركس، فمنذ أن استعار عالم الاجتماع الإيطالي فيلفريدو باريتو Pareto (1848 – 1923) مفهوم النخب Elite من مجال عالم السلع والتجارة ليدخله إلى عالم الدراسات الاجتماعية كان يريد أن يعاند مفهوم الطبقة باعتبار أن المجتمع لا يتأسس على سيطرة الحياة المادية وحدها، كما لا تتأسس القوة فيه على النواحي الاقتصادية فقط ، وأنتهي باريتو إلى تعريف النخبة بأنها تتكون من اؤلئك الذين يتفوقون في مباراة الحياة (1) .
وربما كانت دراسة بوتومور حول النخبة والمجتمع من أهم الدراسات التي حاولت أن تعطي تعريفا محددا لهذا المفهوم، حيث أخذ يميز بين (النخبة) بشكل عام، وبين الأقلية التي تحكم المجتمع مستعينا في ذلك بتحديد موسكا عن (الطبقة السياسية) أي تلك الفئات التي تمارس السلطة والتأثير السياسي، وقد انطلق الرائد الثالث ميشيال روبرتو في تعريفه للنخبة السياسية من خلال واقع عمل الأحزاب السياسية ليكتشف بأن هناك عوامل متباينة تحدد طبيعة عمل التنظيمات بدءا من الحزب إلى الدولة، فهو يرى أن نشأة الأحزاب وتطورها يجعلها تتحول بمرور الزمن إلى تنظيمات خاضعة إلى حكم قلة من الأفراد، لأن التنظيم يحتاج إلى أقلية منظمة، وهذه الأقلية تستحوذ على السلطة من خلال موقعها في مركز اتخاذ القرار .
وقد ساهمت القواميس في تقريب تعريفات عن النخبة، فالقواميس الإنجليزية عرفتها بأنها أقوى مجموعة من الناس في المجتمع، وذات اعتبار ولها مكانتها المتميزة، أما القواميس الفرنسية فعرفت النخبة أنها تضم أشخاصا وجماعات الذين بواسطة القوة التي يمتلكونها أو بواسطة التأثير الذي يمارسونه، يشاركون في صياغة تاريخ الأمة، سواء كان ذلك عن طريق اتخاذ القرارات، أو الأفكار والمبادئ والشعارات التي يبدونها ويكون لها تأثير كبير على الرأي العام (2) .
وقد استخدم روبرت دال مفهوم "النخب المتعددة" في إشارة إلى تعدد مصادر القوة في مجالات الحياة المختلفة، واتفقت معه سوزان كلير في وجود نخب استراتيجية في ميادين الحياة المختلفة ( في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع المدني) فالجماعات التي تحمل لواء الثقافة وتدافع عنها، وتلك التي تقود الصياغات الثقافية الحاكمة، وكذلك الجماعات الرائدة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن البيئة، أو التي تحقق وظائف معينة في مجال الإعلام أو التعليم، كل تلك جماعات تتضافر جهودها مع جهود النخب الاقتصادية والسياسية من أجل أن يعمل المجتمع في نسق فعال، وبهذا وضع منظرو النخبة الأوائل الأساس النظري لفهم معنى النخبة متفقين على إنها تمثل "عقل المجتمع" وفكره المدبر، وهي التي إما توقفه عن التجديد وتميل به إلى المحافظة، أو تنطلق به إلى التجديد بلا حدود .
ولاشك أن مدخل علماء الاجتماع الإيطاليين يعتبر أكثر مصداقية في تعبيره عن واقع الحياة المصرية، حيث لا توجد طبقات متبلورة بالمعني الماركسي ، ولكن توجد نخب تمتلك عناصر قوة في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، فالأحزاب المصرية ليست تعبيرا عن قوة اجتماعية ولا تمثل طبقات بالمعني الاقتصادي، والتيارات السياسية والدينية السائدة في المجتمع المصري تتمثل قوتها في الرصيد التراثي ومجموعة العقائد والتوجهات الإيديولوجية، وهكذا نري إن مفهوم النخبة أصبح أقرب إلى توصيف عناصر القوة في المجتمع المصري، ففي كل مجال من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية توجد جماعات يكون لها النفوذ الأكبر في التأثير على مجري الأحداث وتوجيه دفة الأمور .
و سوف نولي تركيزا خاصا في هذه الورقة البحثية للتعريف الإجرائي للنخبة الذي استحدثته مكتبة الإسكندرية وجعلته ركيزة في مجمل تقاريرها، باعتباره من المفاهيم التي كرسها الواقع الاجتماعي والسياسي المصري في الفترة الأخيرة، على أنه يشمل كل من اجتمع له من المعرفة – المتخصصة أو الشاملة – قدر ما والذي على أساسه يصبح الشأن العام بين الناس شأنا خاصا لديه، يستوقفه ويتأمل فيه ثم يعبر عما استخلصه بصياغة موقف صريح، فيكون بذلك قد اضطلع بمسؤولية المثقف الذي يفصح عن خوالج الناس ويصوغ رؤاهم (3)، ويؤثر فيهم .

ثانيا : أولويات اهتمامات النخبة المصرية
في الوقت الذي تتردى فيه نوعية حياة المصريين بفعل الانخفاض المستمر في نصيب الفرد من الموارد الطبيعية، واتساع الفجوة الغذائية بين ما ننتج وما نستهلك، وارتفاع معدلات البطالة، وتجاوز مؤشرات التلوث البيئي لكافة المعايير العالمية، وانتشار المناطق العشوائية بكل ما تعنيه وترسخه من سلبيات بسبب سوء توزيع السكان على مجمل مساحة الوطن، وبروز ظاهرة الهجرة الاضطرارية (4) ... نجد أن قيادات المجتمع لا تضع كل هذه الأمور في بؤرة اهتمامها، بل تنشغل بقضايا أخري توليها اهتماما خاصا، فمن خلال استطلاع ملخصات اهتمامات الصحف المصرية خلال شهر نوفمبر 2008 نتبين أن الشأن الخارجي يستحوذ على الاهتمام بشكل أكبر من الاهتمام بقضايا الداخل (5)، والتوازن مفتقد في النظرة إلى الخارج فالتوجه نحو الشمال له أولوية على التوجه نحو الجنوب برغم أواصر الوجود في الأرض والمياه، والتوجه نحو الغرب مع إهمال توثيق العلاقات مع الشرق، والإغراق في التوهمات القومية مع العرب على حساب المصالح الحقيقية، وتستحوذ القضية الفلسطينية على الأولوية الأولي، مع تغليب أفكار الصراع على أفكار البحث عن حل مناسب يحقق للأطراف المتصارعة مصالحها بالتوازن مع قوتها .
فالنخبة الحاكمة تتمركز في شخصية الرئيس، فلا وجود حقيقي لاستقلال السلطات، فهو صاحب القرار الأوحد يساءل الجميع ولا وجود لأي سلطة تساؤله، المشاكل حين تتفاقم تحل بتدخل مباشر منه، وحكومة الحزب الحاكم فاقدة الهمة والإرادة ليس لها أهداف استراتيجية تكتفي بحل المشاكل الآنية عندما تصل إلى حد الاستعصاء، وغير قادرة على إدارة الموارد بالكفاءة التي تحقق التنمية، وغير راغبة في السماح بصيغة ديمقراطية لتحقيق الحد الأدنى من العدالة وتوسيع مجال المشاركة الشعبية، وهي نخبة مغلقة تفتقد التداول وتدوم في المراكز القيادية لفترات طويل بما يؤدي إلى جمود الحياة السياسية وركود البناء الاجتماعي .
ورجال الأعمال منشغلين بجني أرباح طائلة من احتكار السلع والخدمات والاهتمام بالصناعات الاستهلاكية، والقفز للوصول إلى مراكز صنع القرار في تزاوج للثروة مع السلطة جعلت الفساد يستشري كنظام وظاهرة في التعاملات الاقتصادية والسياسية بما يهدد التوجه نحو التنمية، والتركيز على الصفقات والعمل غير المنتج بحيث أصبح الاقتصاد المصري يعاني من اضمحلال شامل لقاعدته الإنتاجية، ولم تتمكن البلاد من تأسيس اقتصاد جديد قادر على التفاعل الإيجابي مع الاقتصاد العلمي .
والتيارات السياسية منقسمة وفي حالة ضعف وهزال، تتحرك بمعزل عن النسيج الوطني، فاليسار المصري يطالب بالديمقراطية ولا يمارسها، وبالعدالة دون الاهتمام بالكفاءة الإنتاجية، ويدعو إلى الحوار ويتمسك بالحقائق المطلقة، يحاول تعميم رؤى وتوجهات أممية لا تتوافق مع طبيعة وخصوصية الواقع المصري، لا يرى حلا لمشاكل الوطن إلا عن طريق الصراع الطبقي وقضاء طبقة على جميع الطبقات .
والتيار الليبرالي ضعيف وهش يهتم بالليبرالية السياسية، ويتردد في تبني مشروع حداثي اعتمادا على حرية السوق وضرورة نضج المشروع الرأسمالي، فالليبرالية السياسية لا تتحقق بدون ليبرالية اقتصادية، يختلط في توجهاته مع توجهات القومية العربية بتغليب العواطف على المصالح .
والتيارات الدينية ترفع شعار "الإسلام هو الحل" كبديل للدولة المدنية، وأن الحاكمية لله وليس للشعب، وتتمسك بالجهاد والعداء للأخر داخليا وخارجيا، وترفض مبادئ حقوق الإنسان وعلى رأسها المساواة بين المواطنين، فجماعة الإخوان "المسلمين" والتي نشأت لا لتكون حزبا بين أحزاب ليبرالية، ولكن لتحل محل كل هذه الأحزاب، فالتعددية ليست إلا تكريسا للانقسام والفرقة، والخير للأمة في التوحد تحت راية الإسلام، فالولاء للإسلام مقدم عن الولاء للوطن، فالوطنية صناعة استعمارية بغرض تفكيك الأمة الإسلامية، فرابطة التراب والطين لا تعلو على رابطة الدين العظيم، فالدين مقدم على الإنسان ومقدم على الوطن، وعلى الإنسان أن يضحى بنفسه ووطنه من أجل دينه .
ورجال الفكر والأعلام يسودون الجرائد والمجلات، ويتحاورون في المحطات الفضائية حول نفس الأفكار والتوجهات، لا يقومون بدورهم الحقيقي كسلطة رابعة تعرض حقائق الأمر، وتتبني قضايا الجماهير وتمارس النقد العلمي بما يصوب توجهات النخبة، والملاحظ افتقاد الثقة بين الجماهير ووسائل الأعلام الرسمية التي تهتم بنشر أخبار النخبة دون اهتمام بمشاكل الناس، وقد انعكس ذلك على توزيع الصحف ومشاهدة القنوات المحلية، وبالتالي قل تأثيرها على توجيه الرأي العام .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح