الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفهوم اللاديمقراطي للديمقراطية

أحمد عصيد

2008 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ينسى الكثير من الفرقاء المتصارعين و هم في غمار التدافع في ساحة العمل السياسي و الفكري و الثقافي بأنّ الحسم في الإختيارات و التوجّهات العامة لن يعود في النهاية إلى أي منهم، و لا حتى إلى السلطة نفسها، بل إلى عنصر أقوى من الجميع و هو الزمن و التاريخ، و وحده الطرف الذي يتميّز بالحس المستقبلي يستطيع أن يستشفّ إرهاصات التحول فيستبق الأحداث بإجراء الترميمات المطلوبة على مواقفه و أطروحاته حتى تنسجم مع طبيعة السياق الجديد و مع روح العصر، أما الذي يعتقد بأن لديه مرجعية مطلقة أصلها من السماء تتعالى على كل مرجعيات البشر و لا تقبل المراجعة أو التجديد أو إعادة النظر مهما حدث على الأرض من تحولات راديكالية، فسيظل ـ مهما أكثر من الشغب و الفوضى و عاث في الأرض عنفا و فسادا ـ سيظلّ خارج التاريخ، و ستنكسر أحلامه و آماله على صخرة الواقع التي لا ترحم.
مناسبة هذا الكلام قيام بعض البرلمانيين الإسلاميين بالمطالبة بالعودة إلى قطع الأيدي و بتر الأطراف التي يعتقدون بأنها الحل السليم لمشاكل اجتماعية خانقة، و لأوضاع متدهورة على شتى الأصعدة أدّت إلى تفشي الجرائم كالسرقة و غيرها.
من هذا المنطلق سنفهم أزمة الحركات الدينية و السلفية التي ما زال بعضها يعتقد بأنّ تجييش الجماهير و تحريضها هو الذي سيمكنها اعتمادا على تقنية التصويت الديمقراطية من امتلاك آليات السلطة و الوسائل المؤسساتية العصرية الكفيلة بإعادة الدولة إلى نموذج سابق و طبقا لشريعة متوارثة منذ أزيد من ألف عام.
و ما لا يستوعبه الفاعل الإسلامي في مثل هذه المواقف هو أن الديمقراطية ليست لعبة للسيطرة و إيقاظ النعرات و فرض نمط حياة مطلق و قيم ثابتة على الجميع، فالحصول على الأغلبية لا يعني نهاية التاريخ في الديمقراطية، بل هي مجرد بداية تجربة، كما أنّ الديمقراطية بناء لا يمكن أن يكتمل إلا بتوطيد دعائم الدولة على أسس متينة لا تسمح باستمرار الفتن و الصراعات و عودة الإستبداد، و هي بذلك الضامن الوحيد للإستقرار السياسي، و حكم الأغلبية لا يعني تغيير القوانين و القيم الديمقراطية التي خلقت المناخ الملائم لصعود تلك الأغلبية، و من تمّ تلزم حماية تلك القوانين و المبادئ إلى أن يبدع التاريخ ما هو أرقى منها و أصلح في ظروف مخالفة تستوجب المراجعة و إعادة النظر، كما أنّ تغيير قوانين بأخرى في الديمقراطية لا تتمّ ببعث قوانين متقادمة و معطلة أو مخلّة بالكرامة، بل بإبداع أخرى جديدة أكثر عدلا و ضمانا للحق من القوانين القائمة، و الحال أنّ ما نلاحظه عند برلمانيينا الملتحين هو اقتراح العودة إلى عقوبات جسدية بدائية أصبحت علاوة على أنها متناقضة مع الثقافة المغربية الأمازيغية الأصلية، مدانة عالميا بعد أن تجاوزتها المرجعية الدولية لحقوق الإنسان بالكامل منذ عقود، و لم يعد ثمة مجال للتفكير فيها أو السعي إلى إحيائها بأي شكل من الأشكال، إلا عند الذين بلغ بهم التزمت المذهبي و العمى الإيديولوجي درجة إنكار مكاسب العصر و المعاندة بغرض معاكسة الآخر، كما أن للدول المتخلفة التي ما زالت تعتمد تلك العقوبات بحجة الخصوصية الدينية سمعة دولية غاية في السوء جعلتها موضع سخرية و تندّر، إذ لم يعد مقبولا أن تغلق دولة ما على مواطنيها الأبواب و النوافذ و أن تفرض عليهم نمط حياة عصور بائدة وسط عالم ينعم فيه الناس بكل أنواع الحقوق و الحريات.
يتضح بأن لدى الإسلاميين مفهوم لا ديمقراطي للديمقراطية، إذ لا يتعدّى السعي إلى فرض المرجعية الدينية في المجال العام و الخاص كمرجعية وحيدة، انطلاقا من فكرة خاطئة مفادها أن الناس "كلهم مسلمون"، بينما تقوم الديمقراطية أساسا على مبدإ المساواة التامة بين المواطنين ـ الذين هم في الحقيقة مختلفون ـ بغض النظر عن أديانهم و أنسابهم و أعراقهم، مما يحتم أن تكون تلك القوانين و المبادئ محايدة ووضعية و نسبية كذلك حتى يكون من الممكن تغييرها عند الإقتضاء، خلافا للقوانين الدينية التي تعتبر عند المؤمنين بها قوانين مطلقة و ثابتة مهما تغيرت الظروف و تبدلت الأحوال، مما يشكل في كثير من الأحيان مصدرا للظلم و القهر.
إن إرادة الشعب و الجماهير لا يمكن أن تتحقق بعودة الإستبداد باسم الدين إرضاء للأغلبية ـ أغلبية صنعتها سياسة الإستعباد و التسلّط على مدى عقود ـ لأن الهدف هو إحلال العدل محلّ الظلم و المساواة محل الميز بعد قرون مضنية من الإستبداد، و ليس إرضاء طموحات مذهبية ضيقة على حساب الإنسان و كرامته و حريته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري