الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 3 من 3

فتحى سيد فرج

2008 / 12 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


رابعا : الآثار المترتبة على غياب النخبة عن قضايا التنمية .
هكذا غدت النخبة المصرية - المنفصلة عن النسيج الوطني بسبب نشأتها من عناصر أجنبية، والتي تعيش في عالم مختلف عن عالم الجماهير المصرية بحكم امتيازاتها، والتي تعاني من التفتت والانشقاق بين تيارات متناقضة - مفتقدة الوعي الحقيقي بالواقع، غائبة عن الاهتمام بقضايا الوطن، ومنعزلة عن الجماهير ومطالبها الملحة، غير قادرة على تبني مشروع وطني، أو المساهمة في تنمية حقيقة .
ومما يؤكد ذلك أن المجتمع المصري أصبح منقسما في أغلب مناحي حياته إلى عالمين مختلفين عالم النخبة وعالم الجماهير الشعبية، ويتبدى ذلك بأوضح صورة في عالم الأنشطة الاقتصادية، فهناك ما يسمى بالاقتصاد الرسمي وهو اقتصاد النخبة وبعض من يتعاملون معها في أنشطتها الاقتصادية، وهناك الاقتصاد غير الرسمي والذي يمكن تعريفه بأنه "ذلك القطاع غير المنظم والذي يضم وحدات غير مسجلة، يعمل بها أقل من 5 عمال، وتستثمر رأس مال تقل قيمته عن ألف جنيه، وتوجد مساحة مشتركة بين القطاعين" (12) .
فهناك أربعة إجراءات يجب أن تطبق لكي تكتسب الوحدة الاقتصادية صفة الرسمية هي : الرخصة، والسجل التجاري أو الصناعي، والاشتراك في نظام التأمينات الاجتماعية، وإمساك دفاتر منتظمة تسدد الضرائب على أساسها، لو انطبقت هذه الشروط الأربعة على أية وحدة اقتصادية تكتسب صفة الرسمية، أما لو طبقت أحد أو بعض هذه الشروط فمعنى هذا أن هناك درجات مختلفة من عدم الرسمية، وفي البحث الميداني الذي قامت به د. عالية المهدي عام 1987وجدت أن 83.5 من الوحدات الاقتصادية تندرج في القطاع غير الرسمي، منها 36.5 غير مستوفي كامل الشروط، وبهذا يمكن اعتبار أن 63.5 من الوحدات الاقتصادية تقع ضمن الاقتصاد غير الرسمي بشكل كامل، وأن هناك 20% غير مستكملة الشروط، أما القطاع الرسمي فلا يزيد عن 16.5% من جملة الوحدات الاقتصادية (13).
ويقدر د. سعيد عبد الخالق أن القطاع غير الرسمي يؤمن ما يتراوح بين 20% - 25% من قوة العمل، أي أن هذه الأنشطة تستوعب ما يتراوح بين 3 – 4 مليون أسرة وباعتبار أن متوسط حجم الأسر في تعداد 1986 كان 5 أفراد، فإن ما يربو على 20 مليون نسمة تعمل وتعيش ضمن هذا القطاع بما يمثل أكثر من 42% من عدد السكان البالغ 48.3 مليون نسمة في هذا الوقت (14) .
ويضيف د . سعيد أن نمو وتعاظم الاقتصاد غير الرسمي يؤدي إلى مجموعة من الاختلالات منها ضعف قدرة الاقتصاد الرسمي عن استيعاب عنصر العمل، مما يؤدي إلى دخول أعداد متزايدة إلى الأنشطة غير الرسمية، والاختلال الهيكلي في الناتج المحلي، حيث يسبق النمو في قطاعات التوزيع والخدمات معدلات النمو في قطاعات الإنتاج السلعي، الاختلال بين الإيرادات العامة والنفقات العامة بما يعني تزايد العجز في الموازنة العامة للدولة .
هذا بالإضافة إلى أن الموازنة بين تكاليف الالتزام بالنظم واللوائح، والمزايا التي تعود على المنشأة يجعل الوحدات غير الرسمية تحجم عن اكتساب صفة الرسمية، ويمكن الاستدلال على ذلك من إحجام الغالبية عن تسجيل ملكياتها العقارية لتعقد عمليات تسجيل وشهر الملكية وارتفاع تكلفتها، وتشير إحدى الدراسات إلى أن الملكيات العقارية الحضرية غير المسجلة رسميا تمثل 92% بقيمة تقدر بحوالي 663.7 مليار جنيه، بينما شكلت الأراضي الزراعية غير المسجلة الجزء الأكبر من إجمالي الأراضي الزراعية بقيمة إجمالية قدرت بنحو 157 مليار جنيه، بمعنى أن الإطار القانوني والتنظيمي في هذ الوقت عجز عن إدراج ما تقدر قيمته بنحو 820 مليار جنيه بشكل عام في الاقتصاد الرسمي (15) .
ورغم أن هناك أثار إيجابية للاقتصاد غير الرسمي منها خلق فرص عمل بتكلفة قليلة، وامتصاص فائض البطالة، وتكوين قاعدة عريضة من العمالة الماهرة، وتوسيع قاعدة الملكية وانتشارها، وتوسيع الطاقة الإنتاجية، وإحياء وتنشيط الصناعات الصغيرة والحرف، وتوفير خدمات إنتاجية للمواطنين بتكلفة أقل، وتنمية البيئات المحلية والمجتمعات الفقيرة، إلا أن عدم تسجيل هذه المنشآت يؤدي أيضا إلى آثار ضارة، فعدم دقة البيانات الخاصة بحسابات الدخل القومي، وضعف الإلمام بحركة النظام الاقتصادي في دوراته المتعددة مثل دورة الإنتاج، ودورة الإنفاق، ودورة توزيع الدخل .. إلخ، وكذلك صعوبة تحليل النشاط الاقتصادي، وصعوبة قياس وتتبع حركة التدفقات والصفقات والمعاملات التي تتم بين الوحدات الاقتصادية، وعدم دقة تقييم أداء الاقتصاد القومي، وعدم دقة البيانات والمعلومات المتاحة عن معظم التغيرات الاقتصادية، وارتفاع درجة عدم التأكد التي تحيط بالحجم الحقيقي للمجاميع الكلية للاقتصاد (16) .
كل هذه الاختلالات إضافة إلى أن النمو المرصود للاقتصاد القومي يعجز عن رصد نمو القطاع غير الرسمي، كما أن عوائد هذا النمو لا يتم توزيعها بما يحقق قدرا من العدالة بين النخبة التي تستحوذ على النسبة الكبيرة من عوائد التملك والاستثمار ولا تترك للفئات الشعبية والتي من الواضح أن أغلبيتها تعمل وتعيش في إطار الاقتصاد غير الرسمي إلا القليل بما يفاقم من الفقر ويزيد من حدة الفوارق الاجتماعية والتمايز الاقتصادي، وكل هذه الاختلالات تعوق التنمية .
الـخلاصــة
وبهذا يتضح أن النخبة المصرية بحكم هيمنتها الاقتصادية وسطوتها السياسية لم تقم بدورها المأمول في أحداث تنمية حقيقية في أغلب فترات التاريخ المصري، فالمجتمع الذي غابت رموزه عنه إلى الحد الذي تحولت فيه إلى نفي معنى الوطن، وعجزت نخبته عن القيام بدور قيادي في تعبئة الجهود المتناثرة وتحويلها إلى عمل جماعي، لن يقوى على القيام بأي دور تنموي، بل يعيش في حالة من الحيرة الشاملة، ولعل الريبة والحذر التي طبعت موقف الجماهير من كل المحاولات لدفعه للانخراط في معترك الحياة السياسية تعكس استمرار انعدام الثقة التي استمرت لسنوات طويلة بين تلك النخب والجماهير، والحقيقة التي أكدتها الاحتجاجات الجماهيرية في السنوات الأخيرة أنها انطلقت بطريقة عفوية وتلقائية وبدأت تشق طريقها بمفردها، بعيدا عن تصورات الأحزاب والتيارات السياسية، التي عادة ما تتزعم القول في الفكر والسياسة وتحجم عن العمل، والخطورة في هذا الأمر أن احتجاجات الجماهير العفوية قد تتبدد وتضيع بلا طائل ولا تتحول لطاقة عمل وحركة تغيير إذا لم تجد نخبة وطنية تقودها في اتجاه تحقيق مطالبها، فحيوية المجتمع تبدأ من حيوية نخبته .
وما يهمنا التأكيد عليه أخيرا أن مصر ليست بلدا فقيرا فهي تمتلك ثروات طبيعية أكثر من بلاد كثيرة تمكنت من التنمية بدون مثل هذه الثروات، والأكثر أهمية أنها تمتلك طاقات بشرية تعتبر العنصر الأول والأساسي لكل تنمية، فهذه الطاقات تحقق نجاحات في ميادين العلم والعمل في كل مكان تحل به، ولكن مصر تعاني من التخلف .. نعم التخلف بمعنى وجود موارد يمكن الاستفادة منها، ولكن لا يتم استغلالها بالكفاءة المطلوبة أو بالشكل الذي يحقق التنمية المنشودة، فهي ترزح في العالم الرابع المفعول به، ولم تنتقل بعد إلى العالم النامي الفاعل والمشارك في صنع الحضارة الحديثة، وذلك لعجز النخبة عن القيام بدورها المأمول .
------------------------------------
المراجع و الهوامش
(1) د . أحمد زايد – النخب السياسية ز مدخل نظري ك مع إشارة إلى تشكلها في المجتمع – نقلا عن شبكة الانترنت .
(2) معن حمدان على – النخبة السياسية – نقلا عن شبكة الانترنت .
(3) مرصد الإصلاح العربي – الجزء الأول من التقرير – مكتبة الإسكندرية 2008 ص 10
(4) ميثاق تأسيس جماعة تحوتي للدراسات المصرية .
(5) اتحاد وكالات الأنباء العربية.اهتمامات الصحافة المصرية خلال شهر نوفمبر 2008- نقلا من شبكة الانترنت . فبمتابعة ما تم نشره خلال شهر نوفمبر 2008 نتبين أن موضوع فوز باراك أوباما، واجتماعات اللجنة الرباعية في شرم الشيخ، وزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط،، والخلافات بين حركتي فتح وحماس، والمؤتمر العالمي لحوار أتباع الأديان، والأزمة المالية العالمية، والقرصنة الصومالية، والحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، اجتماعات وزراء الخارجية العرب لتأييد المبادرة المصري للمصالحة الفلسطينية كان محط الاهتمام، على حساب قضايا الواقع المصري .
(6) د . رشدي سعيد - الحقيقة والوهم في الواقع المصري - دار الهلال 1996 ص 15
(7) ذكرت جريدة الأهرام الاقتصادي بتاريخ 23/10/1994 أن أثمان شقق عمارة جديدة يجرى بناؤها بالقاهرة أمام حديقة الحيوان، تباع فيها الشقة مساحة 400 م بسعر 6.5 مليون جنيه، ثم تأخذ أثمان الشقق في الارتفاع كلما زادت مساحتها حتى تصل إلى 54.5 مليون جنيه للشقة مساحة 3200م (أي مساحة ثلاثة أرباع الفدان) .
(8) د . سمير نعيم – الفقر في بر مصر قراءة مستقبلية – الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية – مؤتمر الفقر في الثقافة السائدة 19 – 20 نوفمبر 2008 ص 3.
(9) جاءت الوثيقة بعنوان "مستقبل مصر – بناء دولة عصرية .مدنية . ديمقراطية" والتي أعدها 39 مثقفا ومفكرا من اتجاهات مختلفة، والتي دعت إلى ما سمته "المواطنة الكاملة" وحددت المعالم الأساسية للنظام الاقتصادي المصري المستقبلي كما يلي :
1. أن يقوم على فكرة اقتصاد السوق الاجتماعية التي تلعب فيها الدولة والقطاع العام، والخاص،
والتعاوني أدورا رئيسية في تحقيق التنمية المستدامة .
2. رفض الاحتكار وإقامة قواعد للمنافسة مع تفعيل رقابة الدولة .
3. الانحياز للسوق الموسعة التي تتسع لكل الفئات والشرائح الاجتماعية .
4. توسيع القاعدة الإنتاجية لتشمل صغار المنتجين وصغار المدخرين .
5. رفض السياسات التي تقبل بتركيز الثروة لدى أقلية، وزيادة التهميش للفقراء .
6. وضع ضوابط للسوق ولأنشطة القطاع الخاص .
والوثيقة تعتبر الفقر عائقا على طريق الحرية، كما أنه مسئولية اجتماعية .
(10) د. حسن حنفي – الموقف من الغرب _ مجلة القاهرة العدد 119 أكتوبر 1992 ص29
(11) د . محمد جابر الأنصاري – الفكر العربي وصراع الأضداد – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – الطبعة الأولي 1996 ص 137 .
(12) د . سعاد كامل – الاقتصاد غير المنظم مفهوم الظاهرة وأهميتها – كراسات تحوتي العدد19 يوليو 200ص 11 .
(13) د . عالية المهدي –إدماج القطاع غير الرسمي في الإطار الرسمي للدولة – المرجع السابق ص 25 .
(14) د . سعيد عبد الخالق – ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي أسبابها وأثارها – المرجع السابق ص 17 .
(15) المرجع السابق ص 20 .
(16) المرجع السابق ص 21 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة