الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نرتقي بضربة حذاء؟!

سلام عبود

2008 / 12 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من بين مئات المقالات المؤيدة والمعارضة للحرب القندرية، اخترت المقال المسمى "هل نرتقي بضربة حذاء؟" موضوعا للمناقشة، لأسباب فنية وبحثية خالصة.
ليس لأنه أفضل أو أسوأ المقالات، وليس لأنه خُصّ بالاحترام الزائد من قبل موقع (الحوار المتمدن)، الذي وضعه في رأس موقعه، وليس لأنه الأبلغ أسلوبيا وخطابيا أو الأشنع، وإنما لأمر لا صلة له بمنتظر الزيدي أو ببوش، لكنه أمر له صلة بطبيعة التكوين العقلي لمن يكتبون ويقرؤون في مجتمعنا، بطبيعة الصلة بين العلم والثقافة والأخلاق والسياسية كمنظومة متحدة، منسجمة ومتكاملة، تشكل خصوصية التكوين الثقافي العام للمجتمع المعني، وتشير الى متانة أو الى ضحالة المنطق، الذي يبني عليه الحكّام ومريدوهم اقتناعاتهم السياسية وما يحيط بها من سلوك وبنى أخلاقية.
أهمية الموضوع عندي تكمن في أنه يحمل عنوانا جعلني أفكر مليّا، كجزء من وظيفتي كباحث في شؤون العنف الثقافي، في فحواه وجدواه ومرجعياته النفسية العقلية، وقادني الى اكتشاف أمر طريف يستهويني دائما لجدته، بصرف النظر عن ضآلته كقيمة علمية.
حينما نتساءل قائلين: هل نرتقي بضربة حذاء؟ يكون الجواب: نعم أو لا. وحينما ننظر الى ما يحدث جراء ضربة منتظر لبوش، نجد أن الحوار الحضاري الذي نقدمه للعالم يتمحور في هذه الناحية فقط: هل نرتقي بضربة حذاء؟
هنا ينحصر العقل الثقافي بين قندرتين: إحداهما مقذوفة والأخرى لم تزل موضوعة في القدم. وما علينا نحن معشرالمحشورين بين قندرتين سوى اختيار إحداهما كبرنامج ثقافي للسير في ركاب التقدم؛ وهذا حيز ثقافي وأخلاقي ضيق جدا وشاذ منطقيا، كما أظن، لا يمنحنا الحق في أن نكون بشرا أسوياء ومتحضرين على نحو كاف.
هذا التساؤل العجيب والفريد، يشبه الى حد كبير تساؤل طبيب يعالج مريضا بالكوليرا في مجتمع عمّ فيه الوباء وراح ناسه يتصارعون خوفا ورعبا. ينظر الطبيب الى مريضه المتألم ويقول له بحكمة العباقرة الشرفاء: هل ترتقي الأمم بالكوليرا يا غبي؟
مريض الكوليرا مثل ضارب الحذاء لا يبحث عن رقي، ولا يعرض برنامجا وطنيا للتمدن، ولا يضع أمام العالم خطة خمسيّة أو ثلاثيّة، ولا يعلن عن قيام عملية إعادة إعمار أو إعادة هدم وإرجاع مجتمع ما الى العصر الحجري. المريض هنا يصرخ لأنه لم يجد علاجا كافيا شافيا، ولا طبيبا عاقلا ذا ضمير حيّ يمنحه الأمان، وصاحب الحذاء مثله. لا الحذاء ولا الكوليرا لها علاقة بالتمدن، لأن الأمم تحصل على أمانها أو لا تحصل عليه، تحصل على قوتها أو لا تحصل عليه، تبني عماراتها أو لا تبنيها، تصون شرفها أو لا تصونه، بصرف النظر عن حذاء يقذف في وجه بوش أو صرخة مريض تُطلق في وجه مرض خبيث.
الإعلام السويدي الأكثر تحضرا وتقدما وعصرية وديموقراطية في العالم عرض رئيس وزراء السويد انغفار كارلسون برأس على هيئة حذاء، ولم تتحطم أخلاق المجتمع السويدي. هذا ليس دفاعا عن الأحذية، ولكنه دفاع عن العقل، دفاع عن الثوابت المعرفية للمجتمع، فلا يمكن لمجتمع ما أن يتقدم وكتابه يقيسون التقدم بصحة أو خطأ ضرب الأحذية.
يقول المقال: "اننا كعراقيين , أمامنا تحديات جمة, في عالم يسبقنا ويخلفنا وراءه, طريقنا نحو البناء عسير , نحتاج به ان نثبت فهمنا للحضارة من كل جوانبها, وأولها بناء الانسان الحضاري, فالحضارة ليست بنايات , واسمنت, وجسور وآليات تسير في الشوارع , إنما هي اخلاق, وروح, ومحبة, وفنون, وثقافة , وآداب وحوار"
ما لفت أنظاري في هذا المنطق الحواري الحضاري هو أن أغلب الذين كتبوا مدافعين عن قدسية الأحذية هم من الجماعة ذاتها التي وقعت في بيان ابريل 2004، الذي طالب الشعب العراقي بإعلان الحداد الرسمي على "الشهداء المدنيين الأبرياء" الأربعة، مرتزقة(بلاك ووتر) الدوليين الذين قتلوا في الفلوجة، البيان الذي وقعه مئة وأربعون مدافعا عن "شهداء الحرية" الذين "ضحوا بحياتهم" " في مواجهة البرابرة". وها هم مرة أخرى يعودون الى تقسيم العالم الى قسمين: القسم الطالح الذي يضم برابرة يرمون أحذيتهم في وجوه الناس، والقسم الصالح الذي يضم محررين متحضرين يتلقون الضربات اللاأخلاقية تلو الضربات من أوباش التخلف والقصور الأخلاقي. وجلّ هذه الجماعة ممن بصموا، هم من حلفاء وخدم البعث السابقين، الذين صحت ضمائرهم فجأة، فراحوا يدافعون عن شرف بوش في وجه حذاء رياضي مسالم، مصنوع من القماش والمطاط الخفيف.
ما أريده من هذا كله القول هو أننا لن نتقدم بضرب الأحذية، وسنختلف كثيرا - سياسيا طبعا- حول أخلقة وتأويل سر الضربة القندرية، لكننا نظل في النهاية أسرى لمنطق المحاججة التافهة، لمنطق يحصر التقدم بضرب وعدم ضرب الأحذية.
من دون شك سيغضب البعض لأنني لم أقدم رأيي الشخصي في المعضلة القندرية، ولم أجب بنعم أو لا عن السؤال الوجودي القائل: هل نرتقي بضربة حذاء؟
وها أنا أعترف أمام القارئ الكريم بأنني حقا لم أزل أقف موقفا خاليا من عنصر السلب والايجاب، موقفا يسمونه بالمقاومة الايجابية. وهو ليس حيادا، وليس موقفا وسطا كما يظن البعض، وإنما هو موقف مبدئي يفرق بين العقل والعواطف، بين قاتل شرير ومواطن غاضب، بين مصاب جريح وطبيب أحمق، بين من يبيع نفسه للشيطان ومن يصرخ عاليا بوجع يتجاوز حدود كل منطق، راميا سلاحه الوحيد والمفيد في وجه العالم كله: القندرة.
إنني أؤمن إيمانا قاطعا، لا تسويف فيه، بأننا لن نرتقي أبدا من طريق ضرب الأحذية، لكنني على يقين مطلق من أننا لن نرتقي أبدا من طريق ابتلاع القنادر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال
محمد الفار ( 2008 / 12 / 18 - 19:47 )
مع احترامي لشخصك وقدرك الكريم

لكن ألا ترى أن كل ما قمت به هو تصيد جملة ربما لم توفق بها صاحبتها السيدة بلقيس من الناحية السببية (يعني علاقة الارتقاء بالحذاء) إذا صح التعبير، لتنتقد من خلال ذلك موقف من عارض أسلوب الصحفي الزيدي وبالتالي عن طريق سلب سلب تكون قد أيدت بطريقة غير مباشرة سلوك منتظر الزيدي..

ويبدو أنك حسبت حساب استنتاج من هذا النوع لتختم مقالك بتأكيدك على أنك لم تحسم موقفك لتترك انطباعاً أخيراً لدى القارئ بأنك محايد..

علام كل هذا

ألا يمكن أن تختصر كل هذا بقولك : أؤيد ما قام به الصحفي منتظر


2 - الرقي بالاحذية
جواد القابجي ( 2008 / 12 / 18 - 21:26 )
عجبي للمثقفين العرب الذين يرتقون بزوج حذاء وأتساءل ان هم هكذا فمن يمنعهم من ضرب رؤسائهم بالاحذية مادامت غير محرمة وتحقق لهم احلامهم المريضة وشكراً للاستاذ رزاق عبود على هذا التحليل الجميل


3 - اسقاط المشاعر العدوانية !!
عماد الربيعي ( 2008 / 12 / 18 - 23:51 )

الاستاذ سلام يشكر على جهده الوطني الشريف في تعرية ازلام البعث عبر استقصاء كتاباتهم وتفكيكها وفضح مضامينها الاجرامية .

ولكن ما يؤسف له ان الاستاذ سلام وقع في فخ العنف الذي يحاربه وراح ضحية اسقاط مشاعره العدوانية الايديولوجية على الولايات المتحدة الامريكية تحت مبررات يعتقد انها مبدئية وفي الحقيقة هي عبارة عن قناع لآلية الأسقاط اللاشعورية للمشاعر العدوانية .

أقترح على الاستاذ سلام الاطلاع على آلية الاسقاط في التحليل النفسي كي يتجنب هذا المنزلق الفكري ازاء امريكا الذي يتقنع بقناع الدوافع االمبدئية ويخفي الكثير من العنف !!


4 - لا أتصور إننا سنرتقي يوماً يا أستاذنا سلام عبود
صفاء الخفاجي ( 2008 / 12 / 19 - 02:32 )
مادام العالم مازال لا يعرف معنى الحياد ومادام العالم مازال ينافق ويمارس الازدواجية في المعايير بعيون عوراء .. فلن نرتقي لا بالحذاء ولا بالجوراب ..
ترى ما الفرق بين الضارب والمضروب ؟ سؤال موجّه الى من يعرفون شيئاً عن الضمير والعدالة الكونية ..
هم يدفعوك دفعاً وبالقوة لتدافع عن الصحفي الشاب حينما لا تجدهم ينصفوك في مسألة واضحة مثل الشمس الساطعة ..
يحق لبوش أن يحتل الدول ويحق لبوش أن يرمي أطنان من القنابل على العراق (قنابل فتاكة وليس قنادر) ويقوم الجيش الامريكي بهدم البيوت على ساكنيها بالصواريخ ، وطائرات الـ F16 حينما تقصف لا تفرق بين مسلح وبين مدني وبين شاب وطفل أو إمرأة .. وكان بوش في كل مرة يقولها هو بنفسه : نحن موجودون في العراق كي لا يضرب الارهاب أمريكا !
معناه أنه جلب الارهاب الى العراق وسلّطه على رؤوسنا ورؤوس الخلفونا .. وجعل من بلدنا ساحة لتصفية حساباته مع الدول المجاورة ومع المنظمات الارهابية .. إنها حرب دولية على الارهاب نخوضها بدماءنا .. من منكم يريد أن تكون عائلته كبش فداء في قادسية بوش هذه ؟
كل هذا لا يروه أبداً ويغضون الطرف عنه .. ولكن يجن جنونهم لحذاء يأتي في وجه بوش .
المصيبة أن هؤلاء تجاوزاو كل حدود النفاق والازدواجية في المعايير .. ويدافعون بحماسة


5 - هذا عنوان مقالي يوم 15-12-2008 المنشور بالحوار المتمدن
بلقيس حميد حسن ( 2008 / 12 / 19 - 10:08 )
تدعو الاخلاق المهنية للصحفي ان لايأخذ عنوان مقال لكاتب اخر دون التنويه لاسمه, ولا أدري مالمانع من ذكر اسم الكاتب وكان على الحوار المتمدن الانتباه لهذا الخطأ والالتزام بحق الكاتب الأصلي لان الكاتب هنا شوه معنى عنوان مقالتي الذي يتهكم بمعنى الارتقاء على طريقة الزيدي ..


6 - ما وراء الحذاء
أبو هاجر : الجزائر ( 2008 / 12 / 19 - 10:39 )
لا أتحدث عن السيد منتظر الزيدي ،لسبب بسيط ،لأن الرجل وحده تحمل تبعات موقفه ولم يطلب من أحد مشاركته تبعات موقفه .هذا يتطلب ،على الأقل ،التأني في اتخاذ مواقف معادية لهذا الرجل .لكن ما لاحظته ،بخاصة عند الأشقاء العراقييين ،إذا لازالوا يعدوننا نحن العرب أشقاء لهم، وهذا موضوع يحتاج إلى وقفة خاصة. قلت لاحظت أنهم لم يناقشوا الفعل في حد ذاته بل استغلوا الفعل لتصفية حسابات سياسية هذا ما أبعدهم جميعا عن الموضوعية و الحياد و التجرد. لقد وفق صاحب المقال في ذلك التوصيف ، نعم المريض لا يتحمل تبعات مرضه إلا إذا اعتبرنا إحتلال العراق ليس مرضا يجب الشفاء منه ولو بضربة سباط


7 - وجهة نظر ثالثة
ناجي نهر ( 2008 / 12 / 19 - 10:53 )
الأستاذ سلام عبود المحترم /بعد التحية
تقييم المقال بأسلوب المعلم الحجة مربك وغير بناء ولكل واحد منا اجتهاده الخاص المتناسب وثقافته والكاتبة العزيزة عبرت عن استهجانها للأسلوب المتخلف وهو حق كفلته لها حرية التعبير عن الفاعل مثلما كفلته لك وبتصوري لايستحق الموضوع هذا الصراع المؤذي من السجال مع التقدير.


8 - اكتب يا سلام لقد عريت دعاة التقدمية
سامي ( 2008 / 12 / 19 - 11:55 )
لقد عرى الكاتب القدير سلام عبود دعاة التقدمية المزيفين الذين كانوا للامس القريب يطلقون على امريكا من أنها زعيمة الامبريالية بينما راحوا اليوم يتنافخون حضاريا في وجه شاب عراقي شيوعي انتصر لوطنه وشعبه بتصرف لا يعادل ذرة من تصرفات بوش وجنده في العراق بعد ان ذاق ذاك الشعب والوطن الامرين من الامبرياليين الامريكان الذين نصبوا على كرسي الحكم في العراق كل متخلف لا ينسجم بطبعه مع روح العصر ولهذا عادوا بالعراق الى القرون الوسطى ، لقد فضح منتظر الزيدي الشيوعي الباسل كل الذين تبرؤوا من الماركسية وكل الذين خانوا الوطن وصفقوا للامبرياليين القتلة ، مصصاصي دمام الشعوب .


9 - مقالة رائعة
جمال محمد تقي ( 2008 / 12 / 19 - 12:02 )
عزيزي سلام عبود مقالتك اكثر من رائعة واجمل ما فيها اشارتك الى ان بلاعي القنادر يتصورون ان بلعهم لها هو الاجدر من رشقها تحياتي واحترامي


10 - مقالة رائعة
جمال محمد تقي ( 2008 / 12 / 19 - 12:12 )
الاخ والصديق العزيز سلام عبود مقالتك اكثر من رائعة وخاصة اشارتك الى ان بلاعي القنادر يعتقدون بان بلعها اكثرمدنية من رشقها تحياتي وسلامي لك وكل افراد العائلة


11 - جورج بوش يستحق الحذاء ولكن
محمد خليل عبد اللطيف ( 2008 / 12 / 19 - 15:13 )
تحية للاستاذ سلام عبود وبعد
كتبت مقالا حول المسألة القندرية بعنوان -حذاء من خزانة حميد سعيد- وانا اسأل الاستاذ سلام عبود اليس منطق حميد سعيد مرفوضا نحو معارضي الحرب العراقية الايرانية العبثية البعثية؟ فان كان كذلك فكيف لنا ان نقبل تصرف منتظر ... اليست هذه ازدواجية في المواقف... لايهمني ان كان منتظر شيوعيا ام اسلاميا او بعثيا... مااقلقني هو تعاطفي القلبي مع الفعلة ذاتها ورفضي العقلي لها كاسلوب وما سينتج عنها من ردود افعال وقد صدق حدسي
تحياتي مرة اخرى للاستاذ سلام المبدع


12 - الرجاء من القراء الاطلاع على الرابط التالي
بلقيس حميد حسن ( 2008 / 12 / 19 - 17:29 )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=156591

اخر الافلام

.. في ذكرى النكبة.. -لماذا لا تستقيل الأنظمة العربية بعد فشلها


.. إردوغان: أكثر من 1000 عضو من حماس يتلقون العلاج في تركيا




.. مغامران يحلّقان لأول مرة عبر جسر البرج الشهير في لندن


.. شحادة: واشنطن أصبحت مقتنعة أنه لا حل لتهدئة الجبهة الشمالية




.. حشود عسكرية إسرائيلية على تخوم رفع استعدادا لهجوم واسع النطا