الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة الإنسان لونياً

كرم يوسف

2008 / 12 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إنّ ألوان الثياب تحمل في طياتها دلالات كثيرة علي روح الكثير ممن يرتدونها، وربّما إنَّها تساهم في إصدار حكم مسبق علي الشخصية ، وبالتحديد حين يكون أحد الألوان طاغياً علي ما يرتديه ،هذا بالإضافة إلي أنّ كثيرين منّا يعتبر الثياب ، والأناقة من أهم مميزات الشخصية ، لأنّ الكثير من الشخصيات، قد تجد طريقها إلي قلوبنا في أناقتها، وجمال مظهرها ، طبعاً هنا أودّ ألا يفهم منّي أنّي أقتصر جمالية الشخصية علي جمالية الثياب ، إنّما أتحدث عن جمالية "الثياب" كواحدة من أهم وسائل الشخصية الجذّابة ، لأنّنا أحياناً نكون مرغمين علي الإعجاب بأناقة شخصية لا نحبذها.
و حينما نذهب إلي أحد المحال لشراء ثوب ٍ ما، فبالتأكيد إنَّ هناك ألواناً تُستثني من قائمة الثياب الموجودة ، ليكون الاختيار من قائمة محددة من الألوان ، اللهمَّ ، ما ندر ، وحين تجتذبنا جمالية الثوب بغضّ النظر عن اللون المرسوم في أذهاننا - و لو راجعنا أنفسنا وراجعنا ما نرتديه- فبالتأكيد لن يكون ما نرتديه هو من كل الألوان ،إنّ ما نرتديه يكون من ضمن الألوان التي نرتضيها نحن، ومن ثم نختار ما نرتدي.
ولا عجب في أننا نجد في أمثال الكثير من الشعوب مقولات شعبية ، تتحدث عن الألوان ، أو نسمع بقصص عشاق قضوا حياتهم بثياب مكتفية بلون واحد من حديقة الألوان ألا وهو اللون الأسود ، كما ان الشرائح العمرية لها دورها في انتقاء الألوان ، فالطفولة تمتاز بأنها لا تستثني لوناً ، و مرحلة الشباب التي تتقلص فيها المساحة اللونية ، ومن ثم مرحلة الرجولة التي تقصي الكثير من ألوان الشباب ، جانباً ، وبالتالي مرحلة الشيخوخة التي لا تكتفي بإقصاء الكثير من الألوان ، إنما تكون ألوانها محدودة.
كما أنّه ،لا يمكن- أبداً- تجاهل عوامل المهن والوظائف والأعمال في اختيار الألوان ، فمن الصعب أن تجد شيخاً، أو قساً يرتديان اللون الأحمر ، أو أن تجد مسؤولاً يرتدي اللون الأصفر بكل خيلائه، أو أن تجد عاملاً في أي مهنة، لا يزال أسير البياض في المتاهات اللونية .
ولو قمنا بمقارنة بسيطة ، بين ما يرتديه الرجل والمرأة من ثياب ، لرأينا أن الحقل اللوني للأنثي تفوح منه رائحة ألوان أكثر مما تفوح منه حدائق الذكورة ، ولربّما يمكن أن يكون ذلك نتيجة لتعدد الألوان في فستان واحد، أو أن روح المرأة ليدفعها إلي ذلك ، نظراً لأنها دائماً تود أن تكون مميزة ، فتعمد إلي تغيير الألوان ، حتّي وإن كانت غير راضية عن كل ما ترتديه، أو كما ذكرنا لأنّ هناك ثوباً مميزاً يحمل لوناً لا تفضله.
والألوان تحدّد علي الكثير من الشخصيات وخاصة سمر اللون أن يرتدوا أحياناً ألواناً لا يحبذوها كي يخفف اللون من تلك السمرة في أعين من يروهم ، وبالتأكيد ، إن هناك من يرتدون ألواناً غير الألوان التي يرتديها ذوو اللون الأسمر ، لئلا يذوب بياضهم ، أو شقارهم، أو عيونهم الزرقاء في ما يرتدونه.
لا ريب في أن نقول : إن موضوع الألوان، استحوذ علي اهتمام علماء النفس، كما أجريت العديد من الدراسات والاستبيانات لمعرفة طبيعة اختيار الألوان ، وهناك دراسات أجريت معمّقاً حتّي علي ألوان المكياج التي تتزين بها الإناث.
الدكتور ((ماكس لوشر)) وهو أحد الأطباء النفسيين المختصين يري بأن : "كل اختيار للون معين دليل علي شخصية معينة ومعالم هذه الشخصية تروي أسرارها " ،وقد خلصت دراسة أجريت علي نصف سكان أوربا إلي أن اللون الأسود يدل علي التصميم والاصرار و السلطة والحزن، و اللون الأصفر علي المرح والابتسام ، واللون الأزرق علي التواضع والعقلانية ، و اللون الأبيض علي الرزانة والمنطق.
مجلة "الصحة والحياة" في أحد إصداراتها وقفت علي موضوع ربما للوهلة الأولي يبدو غريباً علينا ، وهو علاقة الألوان بصحة الجسم وما يمكن للألوان أن تقوم به، أو لو صح التعبير " الاستطباب بالألوان "، حيث فرزت ما يمكن لأي لون أن يؤديه من أدوار في مناعة الجسم وصحته وعافيته ، حيث جاء في المجلة عن الألوان بأنه: " يؤثر اللون الأحمر تأثيرا إيجابيا علي الأكزيما والحروق، وعلي الأعضاء التناسلية وينشط عمل المثانة، والأزرق يساعد علي الاسترخاء والسكينة واسترجاع الحيوية المفقودة، بل وله أثر إيجابي علي عمل القلب والرئتين، ويُنصح باستخدامه لمرضي الربو والقلب والشد العصبي ،. "
ولكن هناك أمر في غاية الأهمية ألا وهو :" هل يمكن بعد هذه هذا الولوج إلي عالم اللون أن نرتدي ما يحببنا إلي نفوس الآخرين ونحن غير مقتنعين به" .
لا شك في إنّ مكانية تطبيق هذه المعادلة أمر صعب مهما قربنا ذلك إلي نفوس غيرنا أو أبعدنا عنها، و مهما أظهرنا أقوياء في الألوان التي نرتديها والتي تدل علي الهيبة والوقار ، إذاً لا بد من القول: إنّ كل دراسة جرت وتجري أو ستجري في هذا المضمار لن تحيدنا عن الألوان التي ارتبطنا بها وارتبطت بنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة