الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلمت يمينك يافتى!

إكرام يوسف

2008 / 12 / 22
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


ونعمت بالفرحة طوال حياتك مثلما أثلجت قلوب الملايين في حلكة ظلمات الإحباط.. فردتا حذائك يا بطل دخلتا التاريخ بعدما صوبتهما ـ الواحدة تلو الأخرى ـ إلى رمز الغطرسة والطغيان، فبردت قلوب، اشتعلت فيها نيران الغضب ومزقتها طويلا صور المهانة في أبو غريب وجوانتانامو وعلى أرض العراق الذبيح، بل وعلى كل أرض طال أبنائها طغيان أمريكي، مباشر كان أو عبر عملاء يحكمون بلدانهم اعتمادا على دعم أمريكي.

شاهدت والدتك تبكي، وتزغرد على شاشة التليفزيون.. تنضح كلماتها فخرا بك وتفضح دموعها هلع الأم على ضناها.. شعرت بإحساسها ـ هي في مثل عمري تقريبا وأنت في نفس سن ابني الكبير ـ تقول: "ابني بطل غصب عنهم".. وتزغرد، ثم تغلبها دموعها.. تمنيت أن أطمئنها أن ملايين الأمهات في أنحاء العالم تلهج ألسنتهن بالدعاء أن يحفظ الله ابنها البطل.. ابننا جميعا، الذي رفع رؤوسنا.

في صباح اليوم التالي على "رميتك السديدة" تبدلت ملامح البسطاء، الذين ألتقيهم عادة في طريقي إلى عملي، واكتست بالحبور!..تناهت إلى أذني تعليقات خفيفة الظل من هنا وهناك؛ أحدهم يقول أنهم سيصدرون أمرا بمنع المؤتمرات الصحفية، فيرد عليه الآخر؛ بل سيمنعون دخول قاعة المؤتمر الصحفي بالأحذية ويكتفون بتوزيع أكياس بلاستيك يرتديها الصحفيون.. وثالث يتفنن في تخيل الإعلانات التي ستنتجها شركة الأحذية التي نال حذاء من صنعها شرف مصافحة وجه رئيس العالم!.. أستطيع أن أزعم أن بعض الكبار في عالمنا العربي التعيس ربما أسعدهم أيضا إهانة الطاغية الذي يدوس بحذائه على كرامتهم ليل نهار.

ومع ذلك، لم أندهش عندما وجدت بضع “عقلاء” يصفون ما فعله فتى العراق الجميل "منتظر الزيدي" بالتصرف غير الحضاري! فهذا ما اعتدناه مؤخرا ممن يبحثون لأنفسهم عن وجاهة ثقافية ـ يعتقدون أن ترديد دعايات المستعمرين الجدد تحققها لهم ـ رغم أن أيا من هؤلاء لم يأل جهدا في تبرير تصرفات وحشية اقترفها ،ومازال يقترفها، أصدقاؤهم المارينز. كما أن أيا منهم لم يخف جذله عندما نقلت شاشات التليفزيون لقطة الرجل الذي بضرب بحذائه صورة الرئيس السابق صدام حسين، بصرف النظر عن رأينا في طبيعة حكمه.

حاولت أن أتخذ سمت العقلاء، وأقول لنفسي أن حذاء صوبه صحفي نحو الرئيس ـ الذي استطاع أن يحمي رأسه ووجهه لكنه لم يستطع أن يحمي علم بلاده المرفوع خلفه، فأصابه الحذاء! ـ لم يحرر العراق، ولم يرفع الظلم عن أبنائه.. ولكنني عندما حاولت أن أطبق ما بعلمنا إياه هؤلاء العقلاء من ضرورة حساب المكسب والخسارة، ضبطت نفسي مبتهجة! فالحدث لم يسبب خسارة من أي نوع، لكنه على الأقل جلب الكثير من الفرحة إلى قلوب غالبية شعوب العالم، ولا أراني مبالغة!. ألا يستحق إدخال الفرحة إلى قلوب البسطاء والمقهورين قدرا من التهور وعدم التعقل؟

تذكرت موقفا مشابها برد قلوب الكثيرين في مصر، عندما فتحت أبواب معرض القاهرة للكتاب أمام سفير الكيان الصهيوني للمرة الأولى، وكيف تمكنت ماجدة مصرية تعمل في المعرض من أن تقذف "بصقة" قوية إلى وجه الضيف غير المرغوب فيه، ثم فرت كغزال نافر. وأتذكر كيف أحسسنا أن هذه المصرية الرائعة حشدت في بصقتها كل مرارات قلوبنا ووجهتها بالنيابة عنا إلى من يستحقها ـ مثلما شحنت في حذائك يا منتظر غضب المقهورين.

كتب إلي قارئ عراقي يقول أن غالبية الشعب العراقي يكره الأمريكان، لكنه اعتبر تصرف الصحفي غير لائق. وكرر ما يزعمه "البعض" من أن الاحتلال الأمريكي كان الحل الوحيد للتخلص من حاكم مستبد. فذكرته بما سجلته كتب التاريخ عن تمني "بعض" المصريين انتصار الألمان في الحرب العالمية الثانية ودخولهم مصر لتخليصها من الاحتلال الإنجليزي، لكن النصر لم يكن حليف الألمان ومع ذلك خرج الإنجليز من مصر بعد عشر سنوات. وقلت له: " لو أن الألمان احتلوا مصر وقتها، هل كانوا سيرحلون عنها طوعا بعد عشر سنوات؟".. إن شعبا عريقا مثل الشعب العراقي كان كفيلا بتحقيق الديمقراطية التي يستحقها عبر تضحيات أبنائه، ولا شك أن الأمر كان سيتطلب بعض الوقت، وبعض الصبر وكثيرا من التضحيات. لكن ذلك الوقت وتلك التضحيات لا يمكن مقارنتهما بما سيتطلبه التخلص من الاستعمار واسترداد العراق مكانته وإمكاناته.

قبيل "موقعة الحذاء"ـ استطلعت قناه الجزيرة رأي بعض المواطنين العراقيين، بشأن زبارة بوش المفاجئة لبغداد. شعرت بغصة في حلقي لقول رجل كبير السن "بوش محتل بلدنا ييجي ويروح كيف ما يريد من دون إذن، هو المحتل وهو صاحب الأمر".. لكن رد "منتظر الزبيدي" جاء مفحما: المحتل ليس مرحبا به، ولن يكون أبدا صاحب الأمر، وإنما الشعب، طال الزمان أم قصر..

وبعد "الموقعة" نقلت الفضائيات مظاهرات العراقيين، الحقيقيين الذين يحملون في صدورهم كرامة شعب عريق يأبى الاحتلال ولا يقبل أي تبرير له، يهتفون فرحا بشجاعة ابنهم، ويرفعون لافتات تطالب بطرد المحتل، يل أن بعضهم رفع أعمدة خشبية ثبت عليها فردة حذاء اقتداء بموقفك يا "منتظر"!
فلتهنأ يا ولدي بعدم تعقلك في نظر المارينز، ولتهنأ بتصرفك الذي يرونه غير حضاري، فهؤلاء ليس بمقدور أي منهم أن يدخل الفرحة إلى قلب محزون، ولا يفقهون قيمة أن تمنح بصيص أمل لمكروب..
أما نحن، الصحفيين العرب بالذات، فعلينا أن نبحث سبل التضامن مع الزميل البطل "منتظر الزيدي".. فهو الآن ،كما يقول أحد القانونيين ـ أسير حرب قام بفعل مقاوم في مواجهة المحتل. وينبغي ألا نتركه وحده يواجه انتقام الطغاة، بعدما قدم المثل على جسارة الصحفي في التعبير عن كلمة الحق في وجه "سلطان جائر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نقد
محمد خليل عبد اللطيف ( 2008 / 12 / 21 - 23:59 )
سيدتي تحية وبعد
نعم انها فرحة ولكنها فرحة عابرة كنت قد حذرت من سوء استغلال الحدث من القوى الاعرابية والقومجية والبعثية والمتاسلمة الذابحة للعراق وشعبه منذ اكثر من نصف قرن...
وقد صدق حدسي ايما صدق...اما كان لزاما على منتظر ان يفكر بعواقب فعلته وكيف ستستغل فان لم يكن مدركا فتلك مصيبة وان كان مدركا فالمصيبة اعظم...
تقولين يا سيدتي بان الحدث لم يسبب خسارة من اي نوع فماذا تعتبرين استغلال الفعلة من قبل القوى السالفة الذكر لتعيد قصتها القديمة عن -حكومة الاحتلال العميلة-... هذه القوى التي سرعان ماادانت حادثة ضرب احمد ماهر بالاحذية الا انها سرعان ما ترتفع عقيرتها عدما يخص الامر العراق...ماذا كانت تلك القوى فاعلة لو حدث هذا الامر في احدى دولها؟ اما كان هذا الصحفي قد ذهب وراء الشمس كما تقولون؟ لعمري ان في العراق لديمقراطية تهز المتمنطقين بالاسلام والعروبة..
تقولين ياسيدتي بان الحذاء قد اصاب العلم الامريكي..فماذا كنت قائلة فيما لو اصيب العلم العراقي؟ ام انك من المؤيدين لاحد الكتاب الذي ادعى بان عبارة -الله اكبر- قد حمت العلم!!!
ثم انك تريدين ان تصرفي النظر عن رايك في حكم جلاد العراق الذي احرق الحرث واهلك النسل وكانك تعتذرين لاكبر طاغية في العالم ساندته كل القوى المذكورة سلفا في حر


2 - سلمت يمينك
محمد فاوي ( 2008 / 12 / 22 - 07:44 )
سلمت يمينك انتي أيضا ايتها الكاتبة...قلمك يرقص كالفراشة ويلدغ عناصر الحزب العربي الأمريكي مثل النحلة...شكرا لك


3 - لا والله انه لعيب كبير
محمود الشمري ( 2008 / 12 / 22 - 09:53 )
لقد علمنا ديننا الحنيف ان نقابل الأحسان بالأحسان وليس بالأساءة كم فعل هذا المراسل.لقد أحسن السيد بوش الى العراقيين بازالته نظام صدام الدموي واستبداله بنظام ديمقراطي أغاظ الصداميين والطغاة فهبوا لأسقاطه وتفننوا في القتل بشكل عبر التاريخ ووضع السيد بوش كل امكانات بلده لمحاربة هذا الطغيان ووقف مع العراقيين في .أيهان ضيف عزيز وصديق صدوق مثل هذا أم يكرم ؟ الجواب يجب أن يكرم ومن يهينه فليس منا نحن أهل ضحايا صدام وأهل سكان المقابر الجماعية ومن ضاع من عمرنا 8سنوات في الخنادق والجبهات نقاتل ايران ومن عشنا تحت نير الطغيان كل عمرنا.كيف يهان من أنقذنا وطبب جراحاتنا وتقولون لمن أهانه سلت يمينك,لا والله شلّت يمينك ولابارك الله بك وبمن فرح لفعلتك


4 - سلمت يمينك على ماذا
محمد عبدالله ( 2008 / 12 / 22 - 14:49 )
العراق شاشة تلفزيون تجلس امامها عوائل أخواننا العرب وهي تأزئز أو تأكل المكسرات ... فمشاهد القتل والموت المجاني والدخان الاسود ترضي رغباتهم السادية .. وليس هذا وحده فأي مشهد يأتي من العراق حتى لو كان بربري يكسر الرتابة والجمود ويغذي في النفس انتصارات مزيفة يكون مشهد عظيم. .


5 - السن بالسن
نادر جلال ( 2008 / 12 / 22 - 17:08 )
لك هذا القرأن عن الله السن بالسن والعين بالعين والبادئ اظلم؟ القندره بالقندره ومن ايدها وناصرها فهو اقل من شسع نعلها ومن دخل تاريخ المزبله بالقندره لايخرج الا بالقنادر يأمة القنادر...امة قندرية واحده ذات قندره خالده ...لاتنظر الى المرئ بل انظر الى قرينته الكاتبه وأمتها القندريه


6 - الحذاء وثقافة العنف
ابراهيم علاء الدين ( 2008 / 12 / 22 - 19:09 )
ثقافة العنف المتجذرة في وجدان الانسان العربي يبدو انها تشمل النساء ايضا وليس الرجال، فقط ، هذه الثقافة التي تمجد اي نوع من العنف حتى ذاك الذي يدمر شارع المتنبي (شارع الثقافة ) في بغداد ويقتل ويجرح العشرات، فكل عنف هو دليل رجولة وبطولة .

فالسيدة الكاتبة مزهوة بحادث جزئي معزول كما قال اثلج قلبها واراحها واشعرها بالسعادة ، وهنا مكمن خطورة الحدث انه يثلج صدور الناس ويسعدهم ويرقصون عل موسيقاه الهوينا والدبكة والشرقي والغربي وكل انواع الرقص وينام بعدها الناس بهدوء ويحلموا احلام سعيدة.
اذن هو حادث ادى الى تفريغ شحنات الغضب في اتجاه غير الاتجاه السليم . فبدلا ان يؤدي الغضب من واقع ما الى تنظيم الجهود وتطوير اشكال النضال القائم على الوعي والادراك السليم للحقائق والوقائع ومتطلباتها نجد ان صحفيا ايا كانت دوافعه امتص كل ذاك الغضب وحوله بردا وسلاما ونوما هنيئا سعيدا.
الا ترين في ذلك يا سيدتي ما يستحق الانتباه .. هذا اذا كنت معنية بمسيرة شعوب وخياراتها واهدافها الاسراتيجية .. اما اذا كانت المسالة مجرد ان الحياة ماشية بحلوها ومرها كما تشاء الاقدار يصبح وقوع حدثا مفرحا افضل من حدثا سيئا.. هذه هي الثقافة والدافع وراء الاهازيج العاطفية لممجدي حذاء الزيدي
لكن الوقائع المريرة تقول ا

اخر الافلام

.. فرنسا...اليمين المتطرف في الصدارة | #غرفة_الأخبار


.. الشرطة الإسرائيلية تصد متظاهرين يطالبون الحكومة بعودة المحتج




.. اشتباكات عنيفة بين قوات من الجيش الإسرائيلي وعناصر من الفصائ


.. اقتصاد فرنسا رهين نتائج الانتخابات.. و-اليمين المتطرف- يتصدر




.. كيف نجح اليمين المتطرف في أن يصبح لاعبا أساسيا في الحياة الس