الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هزيمة التشدد.. بانتظار الحوار

عبدالمنعم الاعسم

2008 / 12 / 21
القضية الكردية


حزب العمال الكردستاني –انقرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هزيمة التشدد.. بانتظار الحوار

مبادرة الجماعة الكردية(التركية) المسلحة المعروفة على نطاق واسع باسم حزب العمال الكردستاني(بي كي كي) بوقف إطلاق النار والعمليات المسلحة ضد الجيش التركي، ومن جانب واحد، لم يُقرأ جيدا في الكثير من الاقنية الاعلامية، واغلب الظن، في المحافل السياسية التركية، يشار هنا الى الرأي السائد (نصف الحقيقة) الذي يذهب الى ان دواعي إعلان وقف النار تتمثل في حلول فصل الشتاء وهطول وتراكم الثلوج في مسرح المواجهات الامر الذي يفرض شكلا من اشكال الهدنة، حتى وإن لم تُعلن، فيما قللت بعض تعليقات الصحف التركية من شأن المبادرة بالتذكير انها تطلق، عادة، عشية كل فصل من فصول الشتاء وتسحب في الربيع.
في كل الاحوال، فان الجانب التركي(العسكري بخاصة) تجاهل مبادرة وقف النار من جانب واحد، لكن الامر ذي الاهمية هنا يُلاحظ في تنشيط خط الاتصال بين تركيا والاقليم الكردي العراقي والاعلان عن قرب زيارات ولقاءات بين الجانبين، ما يدفع المحللين الى ضم اعلان وقف النار من جانب حزب العمال الكردستاني الى العناصر الايجابية على لوحة الجهود التي تبديها اطراف ومراجع عديدة لجهة انهاء بؤرة التوتر في هذه المنطقة، وقبل ذلك، لجهة معالجة اسباب وجذور وملفات هذا التوتر، وفي المقدمة منها ما يتعلق باوضاع عشرين مليون كردي في الدولة التركية يعيشون، ككرد، مواطنين اتراك من الدرجة الثانية، تحت طائلة العقاب والتمييز الجماعي.
على انه من الضروري، هنا، تركيز البصيرة التحليلية على "المواقع" التي تأثرت وتتأثر مباشرة بالمواجهات بين القوات التركية ومسلحي البي كي كي، او على وجه الدقة، باجواء التوتر في مناطق جنوب شرق تركيا ذي الاغلبية االكردية، فثمة(اولا) اقليم كردستان العراق الذي يقع دائما في مرمى الشكوى التركية والقول انه حاضنة للهجمات على الجيش التركي، وكانت التوترات واعمال القصف والضغط السياسي على الاقليم من قبل تركيا تحتسب دائما على هذا الملف، فيما لا يشك احد حيال رغبة القيادات الكردية في تسوية هذه المشكلة سلميا، كما انه ليس من شك في وجود اختلاف عميق في النظر الى خيار الكفاح المسلح بين القيادات الكردية العراقية وشعب كردستان العراق، وبين جماعة حزب العمال، وبين ايدينا سلسلة من النداءات (والنصائح) الموجهة من الجانب الكردي العراقي الى الجماعات الكردية (التركية) بوجوب التخلي عن السلاح واختيار المفاوضات والكفاح المدني سبيلا الى نيل الاعتراف بحقوق الشعب الكردي في تركيا، واهمية النظر الى طبيعة العصر والتحولات الدولية التي تفتح افاقا للعمل السياسي بديلا عن العنف والسلاح، وثمة اكثر من مرة، جرى التأكيد على ان الابوب التركية للحوار لم تعد مغلقة وان هوامش الاتصالات، مباشرة او عبر اطراف اخرى، ارحب الان من اي وقت آخر.
وتأثر ويتأثر العراق، في المقام الثاني، ببؤرة التوتر التركية-الكردية، ويتضمن تقويم السنوات الخمس الماضية(اذا ما تجاوزنا حقائق السنوات الثلاثين الاخيرة) احداثا وتجاذبات واختراقات خطيرة مست السيادة العراقية من جهة، والحقت الضرر بحياة السكان المدنيين والامن في المنطقة من جهة ثانية(وطبعا اساءت الى سمعة تركيا واحرجتها في المحافل الدولية) بل انها جرّت العلاقات التركية العراقية الى سلسلة من المآزق قبل ان تكتشف الحكومتان مسارا بديلا عن التوتير والمخاشنة، فنجحتا في المضي على هذا المسار، لكن (وهذا هو المهم) ليس من دون المرور بملف البي كي كي، بل ان هذا الملف دخل كفاصلة اساسية في اساس وفروض هذه العلاقات والشراكة الامنية بين الجانبين على وجه الخصوص.
الى ذلك، ليس ثمة جديد في القول بان حالة الحرب (او قل حالة العمليات العسكرية وتداعياتها) التي تجري على جزء حيوي وحساس، من الاراضي التركية يحاذي كل من العراق وسوريا وايران، اضرت بالدولة التركية، امنيا واقتصاديا، فضلا عن الضرر الذي لحق ويلحق بسمعتها الدولية، وعلاقة الامر (حقوق الانسان) بملف العلاقات بين تركيا والمجتمع الدولي، وفصلها الدرامي الذي يتصل بمسعى تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوربي.
ومن الجهل ونكران الحقائق الاعتقاد بان القادة الاتراك، السياسيين والعسكريين على حد سواء (وكذلك العاملين في مجال السياسة والثقافة والحقوق المدنية) لم يكن ليقدروا النتائج الثقيلة لتداعيات استخدام الردع العسكري في معالجة “تمرد مسلح” يتخذ من الدفاع عن الحقوق القومية لاكراد البلاد شعارا له، على الرغم من انحسار التأييد الذي يحظى به منهج الجماعة الكردية المسلحة، ومن تصدع نزعات العنف وشعارات التجييش و”الجملة الثورية” على نطاق واسع، والادق، ان كل هذا التحوّل (على الجبهتين التركية والكردية) حصل في تلازم معقد ومتنام مع تحول، تحقق ويتحقق، على المستوى الدولي (بعد انهيار الحرب الباردة) يشجع خيارات الحوار والتفاوض والبحث عن الحلول الوسطية للصراعات بديلا عن الاحتراب.
وبكلمة، فان التهدئة على جبهة التمرد المسلح في مناطق الغالبية الكردية، من دون حملة عسكرية (ثبت عقمها) تستجيب لمصالح تركيا الحيوية، مثلما هي تستجيب لاشواق المواطنين الكرد في العيش خارج اجراءات الردع والطوارئ، والمهم، ان هذه التهدئة ضرورية في جميع الحسابات، وتحت مظلتها، يمكن التقدم خطوة اخرى نحو تسوية ما تنزع فتيل الصراع المديد، الدموي والعبثي، بل، لايمكن استبيان حل ما في الافق من دون هذه التهدئة.
لكن بؤرة الصراع (التركية –الكردية) في ادواتها وشعاراتها الجديدة التي تراكمت طوال ثلاثين سنة جرّت الى ساحتها (وربما اغوت) كلا من ايران وسوريا، فزاد الامر تعقيدا، والقى في طريق التهدئة والتسوية حجرا كثيرا من جنس المناورات والشائعات، وربما الرغبة بادامة الصراع وتوظيفه في التجاذب وتصفيات الحساب مع القوى الدولية المتنفذة، وعلينا ان نعيد قراءاة البلاغات التي كانت تصدر عن اجتماعات الدول الاربعة (المقسم بينها الشعب الكردي) بعين التدقيق لجهة التحذير المفرط من تنامي الدور الكردي في احداث المنطقة وتبشيع هذا الدور باحتسابه على استراتيجيات متخيلة وملفقة، وان نتذكر ان نظام صدام حسين كان قد اعد بحماسة لتلك اللقاءات.
ومن زاوية بعيدة عن اجواء الريبة وتصفيات الحساب فان ابسط الحسابات المدرسية تؤكد بان انهاء الصراع المسلح (سلميا) في مناطق جنوب شرق تركيا يعود بالفائدة على كل من ايران وسوريا، ويضمن اقامة منطقة سلام تنتعش خلالها شبكة التجارة الاقليمية ومشاريع البناء والاتصالات، فضلا عن عناصر الشراكة الامنية.
والآن، لابد للمراقب ان يرصد الحقيقة التالية: ان وهم القوة سقط في جانبي المعادلة، بل وعاد بنتائج سلبية على اكثر التوصيفات برودة، فلا الكفاح المسلح حقق لحزب العمال اية نجاحات ترى بالعين المجردة على الارض، ولا الحملات العقابية العسكرية التركية انهت، الى الابد، بؤرة الصراع، وقد عبر هذا التحول عن نفسه باشكال عديدة، يمكن رصدها في نسائم جديدة (اقول: نسائم) هبت على الخطاب السياسي والدعائي في الجبهتين لجهة تحبيذ التسوية السلمية وإن اُثقلت هذه النسائم بالشروط التي يمكن توصيف بعضها بالتعجيزية، فيما يزداد يوما بعد آخر، الاستحقاق الباهض لوهم القوة:
هناك، تخبط الحزب وفلوله المسلحة في مواقف انعزالية فقد فيها التعاطف وهوامش النشاط السياسي والعسكري، وقدم خلالها تضحيات جسيمة ليس اكثرها فجيعة القبض على زعيمه وملهمه، والحكم عليه بالاعدام، وهنا، عرّضت تركيا نفسها لمزيد من المساءلة واللوم على المستويين الاقليمي والدولي، عدا عما تركه الخيار العسكري العبثي من حفر امام تنمية وترشيد النظام الديمقراطي، وكذلك امام صورة الدولة المرشحة لتلعب دورا ذا شان في المنطقة.
وبكلمة، فان هناك، في الجانب الكردي، خسائر وخذلان، وهنا، في الجانب التركي خسائر وخذلان، دوان ان ينسى المحلل الموضوعي، ان في المعسكر الاول فلولا مسلحة، وهنا في المعسكر الآخر دولة، ولا ان ينسى، ايضا، ان دولا كثيرة ذات اوزان ثقيلة دخلت في مفاوضات مع فلول بحثا عن حلول وسط لازمات او صراعات غير قابلة للحل عبر القوة.. هل نحتاج الى التذكير بوقائع الاتصالات بين الولايات المتحدة وزمرة طالبان، وقبلها بين بريطانيا ومليشيا الجيش الجمهوري، ثم بين اسبانيا وعصابة ايتا؟.
من هذه الزاوية.. سقوط اوهام القوة.. بدأنا منذ حين نتلقى تقارير وتصريحات وانباء عن اتصالات وزيارات وكواليس وحلقات بحث ودراسات ميدانية تسلط الضوء على امكانيات انهاء بؤرة الصراع هذه، وتعنى بالبحث عن الخطوة الاولى لجهة بدء مسيرة المفاوضات، مباشرة او بواسطة غرفة اخرى، فيما تشجعت بعض التقارير لتتنبأ بقرب فتح ملف التسوية، لكن ثمة الكثير من الاراء التي يعتمد عليها تذهب الى وجود استعصاء في هذا الطريق يتمثل في ضعف استجابة البي كي كي لفروض التحول من العصيان المسلح الى العمل المدني.. هذا التحول الذي يشجع الجانب التركي على التقدم خطوة باتجاه الحل المنشود، اخذا بالاعتبار احتمال ان يحظى حزب العمال في منهجه المدني المقترح بالكثير من التأييد والتعاطف، وان تتبلور مطالب الملايين الكردية، المسلوبة الحقوق، في تركيا، اكثر فاكثر على دورة صراع سياسي، وخذ وهات، نابذ للعنف وطبول الحرب.

كلام مفيد
ــــــــــــــــــ
" اعلن غاندي، مرة اخرى، انه يعارض استخدام العنف ضد الانكليز.. انه مجنون".
غوبلز- يوميات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | ماذا بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إ


.. تباين ردود الأفعال الدولية حول مطالبة -الجنائية الدولية- باع




.. محاكمة غيابية في فرنسا لـ 3 مسؤولين سوريين بتهمة ارتكاب جرائ


.. الحكم بإعدام مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بالمنصو




.. بايدن يهاجم طلب الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت.. -أ