الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكتئبات بدعوى الأمومة

باسنت موسى

2008 / 12 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ أيام كنت في زيارة لإحدى قريباتي وفي كل مرة قبل زيارتي لها أمني ذاتي بوقت ممتع وجميل مع أطفالها الصغار، لذلك أزورها عادة عندما أفقد السيطرة على العوامل التي تدفع بأعصابي للتوتر ومن ثم الشعور بالإحباط وما شابه ذلك من مشاعر سلبية تطاردني من حين لأخر، وحقيقة أن مفعول صغار قريبتي على أعصابي يفوق أقوى مضادات الإكتئاب، فمعهم ومن خلالهم أشعر بعمق جمال الأشياء وأهمية الضحك واللعب وأخذ الحياة بكل بمفرداتها الثقيلة على محمل بعيد عن الجد والمعايير والثواب والعقاب وكل تلك الأمور المحددة.
بالفعل إنتهت الزيارة وقد أصبحت أفضل حالاً نفسياً وأقل توتراً عصبياً لكن ما أثار إنزعاجي هو توتر بل إكتئاب قريبتي رغم أن حياتها بعيدة إلى حد كبير عن كل عوامل بث التوتر حيث أنها لا تعمل ولا تعاني صراعات من أي نوع مع أي شخص، إضافة إلى أنها تحب زوجها إلى حد يشعرني وكأنه خطيبها وليس زوجها وهو كذلك يحبها بشكل يصعب أن نتخيل وجوده بعد مرور سنوات من الزواج وإنجاب أطفال.
لأنني دوماً لا أكتفي بأن أنزعج مما أراه في تقييمي غريباً ظللت أبحث في عقلي ومن خلال حديثي مع قريبتي عن سبب لشعورها الذي أراه غريباً بالإكتئاب كانت في البداية تقول لي ليس هناك أي سبب فقط ربما ملل وروتين الحياة لكن بعد أن باحت لي عما بصدرها كاملاً أدركت هي معي أن سبب إكتئابها أنها تعيش من أجل صناعة مستقبل لآخرين هم زوجها وأطفالها، فهي تستيقظ باكراً لتعد لهم الطعام ليذهب الزوج للعمل والأطفال للتعليم ثم تبدأ دورة تنظيف المنزل اليومية وإعداد طعام الغذاء لتنتهي منه وتبدأ في إستقبال طفلتها العائدة بواجبات مدرسية ترغب في مساعدة الأم لها لإنجازها على نحو جيد... بعد كل هذا المجهود يأتي الليل فتجد تلك المسكينة ذاتها شبة مغيبة عن كل ما حولها لا تفكر سوى في أمر واحد وهو كيف ستبدأ دورتها اليومية في الصباح التالي؟!
داخل عيادة طبيب للعلاج الطبيعي كنت في إنتظار دوري، ولقتل الوقت الصعب في الإنتظار بدأت حديثاً مع سيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها يبدو على وجهها عبوس العالم أجمع، وربما هذا العبوس كان سبب مباشر في ظهور التجاعيد الجلدية على وجهها بما يعطي إنطباع بأنها في الخمسينات من العمر، بعد الحديث والكلام والضحك من حين لأخر أوضحت لي تلك السيدة بأنها تعاني الآم حادة في عمودها الفقري وغير معروف الأسباب فهي طبياً سليمة كما أوضح لها الطبيب لكن مع ذلك الألم يهاجمها بشكل مستمر مما جعلها تفكر بأن هناك سبب نفسي لذلك الألم، وبعد إستطلاع بسيط لمفردات حياتها إكتشفت كحال قريبتي أنها تعيش في الحياة من أجل العمل لصالح زوجها وأبنائها ولم تصنع طوال سنوات زواجها الخمسة عشر أي شيء لنفسها مما جعل زوجها يشعر بأنها إمرأة من كوكب بعيد لا تعرف عن الحاضر أي شيء، لذلك هو دائم السخرية من بساطة تفكيرها وتقييمها للأمور وتلك السخرية تحديداً وسعت من مساحة التلاقي مع هذا الزوج الذي وصف من قبل زوجته بالأنانية وعدم التقدير لمجهودها طوال سنوات في رعاية ثلاث أبناء.
قريبتي وتلك السيدة نماذج واضحة على أن الأمومة منحتهم الشعور بالحب والحنان ومشاعر أخرى جميلة لكنها أخذت منهن ذواتهن لصالح آخرين وأقول آخرين لأن الأبناء والزوج بإعتقادي أخر ولا يمكن أن تتحقق إمرأة -أي امرأة كانت- من خلالهم إلا إذا أرادات أن تخدع ذاتها وتصاب بالإكتئاب والآمه الجسدية والنفسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل عام وأنت بخير يا زهرة النيل
جهاد علاونه ( 2008 / 12 / 22 - 20:13 )
هاي باسنت كيفك ؟
عام سعيد أرجوه لك بعد يومين 25-12-2008.
إبتهجت جدا بقراءتك كما كنت أقرؤك دائما وخصوصا قراءة ما بين السطور أشعر الآن ببهجة جديدة للحوار المتمدن بوجودك على زواياها في مكانك الصحيح .
في معرض الكتاب العربي في القاهرة هنالك دار نشر أردنية إسمها : دار الكندي ..طبعا صاحبها قبطي أردني أو من أصول قبطية هو صديقي .
الموضوع كتابي الذي صدر حديثا موجود في المعرض أرجو أن تأخذيه على حسابي فقط إحكي للأستاذ (فراس الجمل ) وأنا بدوري سأتحمل نفقته عندما يعود للأردن .
الكتاب بعنوان : الفردية والجماعية في ضوء التطور دراسة عن سلامة موسى والعقاد وسيد درويش ..وأنا أسهب به في الحديث عن الأقباط .


2 - Welcome back
abidakhil ( 2008 / 12 / 22 - 21:16 )
WELCOME BACK


3 - اهلا بعودتك الجميلة ارجو ان لا تغيبي عن قراءك ثانية
علي ديوان ( 2008 / 12 / 22 - 21:33 )
شكرا لك ولاطلالتك الجميلة من خلال صفحات الحوار.. . حيث اننا مع مواضيعك ننتقل الى محطة اخرى في الثقافة وعلم الاجتماع, وعالم يخاطب الاحاسيس والمشاعر ويحرك العواطف الطيبة نحو الاخرين ليحفز التفكير بهم بشكل مختلف ولتمكنينا من رؤية الامور من زاوية اخرى لا تقل اهميتها عن كل الهم السياسي الثقيل الذي تزخر به عناوين كتابنا. من خلال وضع الاصبع تماما على مكان الخلل في العلاقات والتعامل الانساني. ليسهل بعدها توصيف الحلول من اجل العلاج.

تقبلي احترامي ومودتي
علي ديوان


4 - ترحيب بعودة ميمونة
أمير ماركوس ( 2008 / 12 / 23 - 10:31 )
مرحبا بعودتك إلى قرائك ، ونرجو أن تكون عودة غير مقطوعة ، مقال جيد كا تعودنا منك

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر