الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك امكانية لسعادة الانسان من دون الدين؟

أحمد جميل حمودي

2008 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا حاولت الإجابة على هذا التساؤل بشكل نمطي, فان أنصار العلمانية سوف تكون الإجابة لديهم نعم, أما أنصار الدين فستكون الإجابة لديهم بالطبع لا. وبما أن الإجابة على هذا السؤال الرئيسي لا يمكن اختباره بطريقة ميدانية empirical,فانه يمكن محاولة الإجابة عليه من خلال التأمل المعرفي الذاتي, أو من خلال التجارب الإنسانية, وأخيرا وليس آخرا من خلال رؤية الفلاسفة والمفكرين وتجاربهم المختلفة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي ماهية السعادة؟

في الواقع إن الإجابة عن هذا التساؤل تبدو بعيدة المنال, فمع اتفاق الإنسانية جمعاء على أن أقصى ما يتمناه الإنسان هو امتلاك السعادة, إلا انه لا يمكن الاتفاق على كينونة السعادة " ما هو أرقى خير يمكن أن يبلغه المرء بجهده؟ يتفق عامة الناس وصفوتهم على أنها السعادة. ولكنهم يختلفون في تحديد كنهها- ارسطو".

من هنا فان إشكالية تحديد مدى إمكانية السعادة دون الارتباط بالدين تبدأ عند هذه النقطة, ما هي السعادة؟

يعرّفها البعض, مركّزا على الجانب الانفعالي لها, بأنها شعور باعتدال المزاج, وهناك من يركّز على الجانب المعرفي التأملي, أو التعبير عن الرضا عن الحياة. فالناس قد يصنفون السعادة إما على أنها شعور بالرضا, والإشباع, وطمأنينة النفس, وتحقيق الذات. أو أنها شعور بالبهجة, والاستمتاع, واللذة. وقد توصلت عدد من الدراسات الأوسع نطاقا إلى وجود ما يسمى وجود عامل عام واضح هو عامل "الرضا الشامل".

ورغم أن هناك محاولات عديدة ,تتسم بالصعوبة, لوضع مقاييس سيكولوجية لتحديد مدى السعادة التي يطويها الإنسان بين جنباته- وغالبا ما وجه لهذه المقاييس الانتقادات, وهو أن هذه المقاييس كثيرا ما تعتمد على المقابلات والتي يميل أصحابها إلى المبالغة في التعبير عن درجة السعادة. فمعظم المتزوجين يدعون أنهم سعداء جدا في زواجهم رغم أن كثيرا منهم سينفصل بالطلاق- فان التحقق من واقعية سعادة الإنسان عن طريق الدين أو دونه تبدو عملية أكثر صعوبة. وهذا يجعلني اميل, وبطريقة الدور والتسلسل, الى طرح التساؤل التالي:

ما هي كينونة الدين؟

الجواب المبسط الذي يمكن به تعريف الدين, بأنه طريقة معينة تحكم علاقة الإنسان باله ما ورائي. طبعا هذا التعريف على طريقة فهم أرباب الأديان السماوية. لكن هناك شعوب كثيرة أخرى ترتبط باله الحكمة: كونفيوشيوس, بوذا, وحتى ارسطو…

انه لدي شعور قوي أنني لو طرحت هذا السؤال, الذي عنونت به مقالي, على أي متدين سوف يجيبني لا يمكن انني سعيد وسعيد جدا, لكن هل هذه السعادة وهمية أم حقيقية؟ بمعنى آخر هل الإله الذي يتبعه هذا المتدين هو الذي يجلب له السعادة أم أن ركون الإنسان إلى علاقة ما بكائن غيبي وإلقاء تبعة المستقبل ومخاطره عليه هي التي تشعره بالسعادة؟. إن هناك قراءات ميثولوجية معاصرة (قراءات فراس السواح مثلا) ترى أن علاقة الإنسان بالإله بدأت منذ صراع الإنسان هذا الإنسان مع القوى الطبيعية الجبارة….

إن محاولتي التفريق بين حقيقة السعادة أو وهمها الناتجة عن الدين, ألهمتها منذ كنت صغيرا اذ كان يتردد على السنة الشيوخ " لو اعتقد الإنسان بحجر لنفعه"! إذن مكمن السعادة في الاعتقاد ذاته دون ضرورة أن يكون هذا المعتقد فيه إلها ميتافيزيقيا او ماديا, وهذه السعادة قد تمارس عن طريق الاعتقاد بقوى غيبية تحكم الطبيعة او عن طريق الاعتقاد بعظمة الكون نفسه بتراسيمه وابداعاته. من هنا نجد وعند هذا الافتراق اتجهت الحضارات, الثقافات, الفلاسفة, العلماء, كل هؤلاء كينونات واناسا, نحو طريقين لا ثالث لهما الإيمان او الإلحاد, هذا إذا اعتبرنا أن من يعيش حالة الشك هو ما يزال في طور الإيمان.

لكن قد يسأل سائل, وكثيرا ما استدل به على ضرورة الإيمان, ما بالنا نجد كثيرا من الفلاسفة عبّر عن تعاسته أو حيرته وتلاشي ذاته جرّاء عدم ركونه إلى جوهر السعادة وهو الدين؟

إنني اعتقد أن ما عاشه هؤلاء ليس ناتجا عن الإلحاد ذاته, أي ليس مصدرها الإله الميتافيزيقي, وإنما ناتجة عن أسئلة الوجود (الانطولوجيا) التي تفرض نفسها على الإنسان المفكر: من أنا ومن أين ولمَ والى أين؟ وقد كان ايليا ابو ماضي خير معبّر عن هذه الحيرة الناتجة عن عدم القدرة على امتلاك او اقتناص الحقيقة المطلقة من مصدرها الوثوقي:

جئت لا اعلم من أين ولكنى أتيت

ولقد أبصرت قدامى طريقا فمشيت

وسابقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت كيف أبصرت طريقى

لست أدرى

أجديد ام قديم انا في هذا الوجود

هل أنا حر طليق ام أسير في قيود

هل انا قائد نفسي في حياتي أم مقود

واذا كان ايليا ابو ماضي وغيره لم يحسم أمره, فان هناك فلاسفة ومفكرين آخرين حسموا أمرهم وأعلنوا موت الميتافيويقا, فينتشه صاغ فكرة إرادة القوة ومنها خرجت فكرة السوبرمان, حيث أراد نيتشه تجاوز مرحلة الإنسان بإعلان موت الإله ومنه نهاية وصايته "لقد مات الإله و نحن الذين قتلناه". ولعل الحيرة التي عاشها نيتشه هي التي ردّته الى فكرته المتطرفة, وهي فكرة الإنسان الخارق. وقد تردد ما يشبه بأنه فعلا عاش أزمة نفسية بالغة ناتجة عن اسئلة الوجود.

ومن هنا نجد ان كثيرا من الفلاسفة استسهل الامر دون الدخول بصراعات فكرية او نفسية, منهم باسكال Blasé Pascal عالم الرياضيات والفيلسوف الفرنسي الشهير إذ يقول: "هناك احتمالين لا ثالث لهما، إمّا الله موجود وإما غير موجود. إذا آمنت به وكان موجودا ستنال جنته، وإن لم يكن موجودا لن يضرّك الأمر، ولذلك من الأفضل أن تؤمن به".

ويمكن قول ما قاله الفيلسوف والمفكر الأمريكي داوكينس Richard Dawkins في رده على عبارة "ولذلك من الأفضل أن تؤمن به" بقوله: "الإيمان بالله ليس قرارا تستطيع أن تتخذه، وإنما حاجة ملّحة يشعر بعض الناس أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدونها، والبعض الآخر يشعرون أنهم لا يحتاجونها".

إنها تساؤلات وتأملات اطرحها على القارئ العربي مؤمنا او ملحدا, لعلي أجد إجابات اُخر لأسئلة الوجود لمحاولة كشف حقيقة الإله الذي استعصى كشف لغزه في الحياة وما بعد الموت.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الايمان والالحاد
جلال ايليا ( 2008 / 12 / 23 - 21:13 )
الدين موروث ثقافي للبشر ظل في ادمغتهم منذ ان صار الانسان وباشكال معينة تختلف باختلاف الزمان وهذا الموروث يرمز الى خوف البشر من المجهول وربما صار هذا الخوف بطريقة ما احدى الجينات المكونة للطبيعة الانسانية وبرأي اذا ما تقدمت العلوم في المستقبل وعرف الجوهر المسبب للخوف فالدين زائل لا محالة وبالطريقة التي اصبح مكونا في طبيعة البشر فان الطبيعة العلمية ستسقط الدين على مر الزمن ويمسي البشر يتذكر فوائده القليلة وماسيه الكثيرة.


2 - نعم ولكن
أحمد جميل حمودي ( 2008 / 12 / 24 - 00:59 )
رغم اني اوافقك ان الموروث كبناء اجتماعي جبري, والخوف كبناء سيكولوجي , وراء تغلغل الدين في تشكيلة الانسان, لكن الا توافق معي ياصديقي ان العلم مهما بلغت افق اختراقاته للمجهول سيظل كمكون ميثولوجي هو المسيطر والى الابد. والا فماذا تفسر لي هذا التيه الانساني امام ثورات الاتصال والمعلومات وعلم الفضاء....


3 - يسوع المسيح هو الأله المعلوم ونور العالم
جورج أوغنـــا ( 2008 / 12 / 24 - 07:21 )
ان كان ايليا ابو ماضى , وغيره كثيرون مع الأسف لم يحسموا بعد امرهم , فان هناك المؤمنون بيسوع المسيح قد حسموا امرهم , ولهذا فهم سعداء فى هذا العالم وسيكونون كذلك فى العالم الأخر السماوى , لأنه القائل ـ انا هو الطريق والحق والحياة , من امن بى وان مات سيحيا ـ ان هذا الأله المتجسد عرفنا بمجيئه عن الأله المجهول المعلوم الأن . ارجو مخلصا من القراء الكرام قراءة الأنجيل المقدس بامعان وباخلاص وسيروا ان يسوع المسيح هو حقا الأله الذى انار الظلمة لأنه وكما قال هو نور العالم , وهو القائل ـ من رأنى فقد رأى الأب السماوى ـ أنا والأب واحد ـ واثبت ذلك بالعجائب العديدة التى قام بها , من شفاء الأمراض المستعصية , واقامة الموتى , من يستطيع اقامة ميت كلعازر بعد اربعة ايام من وفاته , ان لم يكن الله نفسه المتجسد لخلآصنا , ولقد اثبت الوهيته ايضا عندما نهر العواصف الثائرة فسكنت فى الحال . وللأعتراف بالوهيته وحبه فقد كرس مئات الألاف ونذروا انفسهم لخدمته والتبشير بأسمه , وأستشهد مئات اللألوف اثباتا للألوهيته , ولا يزالون الى يومنا هذا , ولينالوا السعادة الحقيقية التى يفتش عنها كل كائن بشرى


4 - وهم السعاده
احمد الشمري ( 2008 / 12 / 24 - 14:36 )
انا أذهب الى أن السعاده وهم نفسي يحصل للانسان نتيجة تحقيق الرضا في اي مجال يمارسه , لذلك يعج التاريخ الديني الاسلامي على سبيل المثال بأقوال زهاد وعباد مارسوا ارقى درجات السعاده , وهم في حقيقة الأمر في مرحله وهميه نتيجة توفر الظروف المناسبه التي تربطهم بهذا الاله او ذاك , وعلى نفس هذا المنوال يكون الملحد او العلماني سعيدا كلما دافع واقتنع عن مبادئه , لكن واقعيا اعتقد ان وهم السعاده لدى المتدينين بدأ يتذبذب بسبب المد الالحادي او العلماني , فلاغرابة اذن ان يكون العلماني سببا لشقاء المتدين بينما يكون المتدين سببا لسعادة الملحد او العلماني .ودرجة تقييم السعاده الوهميه للمتدين اكبر من غيره . الصراع العلماني الاسلامي اشبه بصراع سعاده وهميه . شكرا للاستاذ احمد جميل حمودي على هذه المقاله

اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي


.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية




.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا