الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثالث الثلاثة

سعدون محسن ضمد

2008 / 12 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أول نموذج واجهته للحكواتي، أثار مخاوفي الطفولية.. فأخي الكبير كان يقرأ علينا بعضاً من قصص ألف ليلة وليلة، ولأن تلك القصص مخيفة بالنسبة لطفل.. ولأنه سردها في فصل شتاء بارد جداً فقد ارتجفت مرتين، مرة من الخوف ومرة من البرد. ثاني نموذج واجهته للحكواتي أثار (عزيزتي الجنسية) فشهرزاد مثيرة جداً، خاصَّة وأنني تعرفت عليها بعد أن كبرت قليلاً واقتنيت كتاب ألف ليلية وليلة، وفيما كنت أقرأ كنت أتخيل جمال تلك الملكة الشابة بملابسها الليلية الشفافة ومفاتنها البارزة وغنجها الذي تتصنعه وهي تسرد على ملكها تفاصيل الأحداث.
في الحكاية تكون الأحداث مكتوبة سلفاً لذلك فهي مقررة ومحتومة. والراوي، وسواء كان مختلق بحت للأحداث وخالق تام لأبطالها، أو ناقل متحكم ببعض تفاصيل مشاهداته. فإنه مسؤول مباشر عن كل الأحزان التي يتعرض لها (المحكيّون). ومن هنا فإذا كان التاريخ البشري عبارة عن حكاية مكتوبة سلفاً فإن لدينا من يجب أن يتحمل مسؤولية كوارث هذا التاريخ. خاصَّة وأنني لم أجد أي فرصة اختيار (حقيقية) يتمتع بها الإنسان.
أريد أن أقول؛ بأننا نعيش داخل حكاية يتولى سردها حكواتي من نوع مختلف، ويأتي الاختلاف من أن نظام الكتابة على الواقع يختلف عن نظام الكتابة على الورق.. أو لنقل أن عملية الروي تتم بطريقة أخرى. فمثلاً الجينات التي تتحكم بشكل الإنسان ومظهره وما ستكون عليه ملامحه الجسدية والنفسية ومن ثم الشخصية، تشبه كلمات الحكاية التي تُجبر الشخصيات على خيارات محددة في إطار نص لا يمكن الخروج عليه. أليس المسؤول عن وضع الخريطة الجينية عبارة عن كاتب سيناريو من نوع مختلف؟
ثم إذا جاز لنا القول بوجود (جينوم) اجتماعي، فإننا نكون قد سمَّينا مجموعة المتحكمات التي تضبط دور ومنزلة الفرد داخل الجماعة ونكون بالتالي قد كشفنا نقاباً آخراً كان يحجب حقيقة أننا حكاية مملة وربما عابرة. أليست عائلة الفرد التي يجبر على الولادة داخلها خيار يفرضه الحكواتي؟ مستوى التربية والتعليم أيضاً. الطبقة الاجتماعية التي لا يمكن اختيارها. أليس الدين الذي (يُفرض) من خلال التربية هو الآخر خيار السارد؟ أليست كل هذه مورِّثات تعطينا أدواراً محددة وهي بالتالي نوع من أنواع التحكُّم؟
لست بمعرض اجترار فكرة الجبر. المستهلكة. أبداً.. خاصَّة وأن العمود الصحافي مساحة للكتابة عن الواقع لا الخيال. لكن ماذا أفعل إذا كان واقع بلدي أقرب للخيال؟ ماذا أفعل إذا كانت نساؤنا أرامل ورجالنا مخيرين بين الموت أو الموت وأطفالنا شحاذين وشوارعنا متربة وكفائاتنا مهدورة وعوائلنا مهددة بالمنافي ووووالخ.
ماذا أفعل إذا كانت حكايتي غريبة لهذه الدرجة، ألا يجدر بي أن أتساءل عمن كتبها بهذا الشكل الكريه؟ ألا يجدر بي أن اسمي المسؤول الحقيقي عن الدمار؟ لقد بدأت أكره مصير بلد ليس فيه ما يبشر بالحياة، لست متشائماً لهذه الدرجة لكنني مضطر للاعتراف بأنني أكره مصيري، المصير الذي أُجبرت من خلاله على أن أكون عراقياً. وبالذات في أحلك أزمنة هذا العراق. لماذا هنا تحديداً وبهذا الوقت بالذات؟ أريد حقاً أن أقول: إذا كان جيناتي (الجسدية والاجتماعية) وصلتني بشكل عشوائي، فألف لعنة على مصيري الذي صنعته، لأنه عشوائي بالتأكيد وبائس ولا يتحرك باتجاه هدف محترم. أما إذا كانت هذه الجينات محكومة بسرد يتولاه كاتب من نوع ما، فأنا أكره هذا السرد وأكره السارد أيضاً، ذلك الذي يصر على جعل حكايتي كريهة لأبعد الحدود، بل أنا أتمنى أن يكف عن الثرثرة بأقرب وقت ويعفيني بالتالي من الاشتراك بهذه المهزلة البائسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنه التعب يا سعدون، إنه التعب، والخوف المتراكم ايضاً...
صائب خليل ( 2008 / 12 / 23 - 19:45 )
لولا صداقتنا ما خاطرت بالكتابة، التي ليس لها أمل كبير بالوصول إلى حساسية مشاعرك هذه وقدسيتها التي تفرض الصمت والإنحناء...لكن كيف ستعرف أني صامت أمام مشاعرك إن لم اتكلم؟
رغم الجلافة اقول لك: اليس بعض يأسنا من العالم اصله تعب؟ إرهاق وخوف متراكم؟ ...ليس التشاؤم كله تحليل ونتائج علمية لاتدحض ......لحسن الحظ!..أ..


2 - خطا التوازي زمان ومكان
OMAR AL KHIAM ( 2008 / 12 / 23 - 20:14 )
هذا نتاج وعيك الجميل مع حزن يفتقده الكثيرون ولكنه محصور بوجودك بهذا المكان العراق وهذا الزمان وانت نتاج الاثنين مع الاعتذار لاقتباسي من اوثان القديسين


3 - كره صريح ومريح
من العراق العظيم !! ( 2008 / 12 / 24 - 01:36 )
اذا كانت -حكايتك - وانت الرجل في هذا العراق بهذا الوصف فما هي صفة حكاية المرأة مع كل بشاعاتها المقررة مسبقا ؟؟اختلف معك في كون الاعتراف بهذا الكره اضطرار لانه قرارنا الخارج عن اراده السارد , واتفق معك في كرهي للمصير الذي اجبرنا ان نكون عراقيين


4 - وعي الانسان
Salah ( 2008 / 12 / 24 - 19:20 )
الطبيعة بلا شك قوانين عمياء غير مشخصة وبلاغائية والوعي البشري فقط اضفى الاخلاقية والجمالية وعندما اصطدم بالعبث استحدث فكرة الحياة الاخرى ليبرر لا عقلانية التخلي عن المصلحين مثل صراخ المسيح لماذا تركتني ورفع الحسين دم الرضيع قائلا لو كان يرضيك والى الحلاج وجيفارا والطبيعة تتعامل بحيادية خرساء وفق قوانين عمياء لاغائية واضحة اوجدناها نحن لنبرر يكفي ان ترى اجمل الاسماك الوانا هي التي تعيش فى اعماق الظلام المطبق مشكلة وعي ليس الا لا وحي ويكفي ان نفقد هذا الوعي او نزيحه لنرى الطبيعة مابين آكل ومأكول ولا جمال ولااخلاق ولا كل ما احدثه وعي الانسان

اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة