الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة النسب المقدس

حاتم عبد الواحد

2008 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يوم تناقلت العدسات التلفزيونية عبر العالم مشاهد السطو الذي تعرضت له المتاحف العراقية والمكتبات الكبرى والمراكز الجامعية وبنايات الإذاعة والتلفزيون بعد ساعات قليلة أو متزامنة مع دخول دبابات الاحتلال إلى بغداد ، كان المعلقون الإخباريون والمحررون الصحفيون يقرنون تلك المشاهد بروح الثأر والكراهية التي يكنها المظلومون للسلطة التي ظلمتهم .
وإذا كان شطر ضيق من هذا الكلام يتلاءم مع الحاجات المادية والاجتماعية لشريحة الفقراء والمهمشين ويفسر توقهم للاكتفاء ، فان الشطر الأوسع من ذلك التفسير يبقى غامضا ومطلسما ، فما حاجة من لا يجد في بيته خبزا ليأكله الى تمثال اورنمو أو ختم من أختام سنحاريب ؟
ومن لا يجيد القراءة والكتابة ما حاجته للوح طيني تعلوه كتابة مسمارية ؟.
ربما سيقول قائل من اجل أن يبيعوها ويقتاتوا بثمنها ، ولكن الجوع والعوز المزمن لا ينتظران إتمام الصفقات .
ولو أمعنا النظر في الفترة التي أعقبت موجة السطو تلك لرأينا تجار الخمور وأصحاب الشركات التكنولوجية والخبازين والحلاقين والصحفيين والفنانين وأساتذة الجامعات وآخرين غيرهم يذبحون على قارعة الطريق بعد اختطافهم ، أو يغربل الرصاص أجسادهم وهم في أماكن عملهم .
فهل من تفسير معقول لما حدث ؟
لقد كانت الكعبة بانثيون بدو الجزيرة قبل الإسلام ، فيها آلهتهم التي يتقربون بها إلى الله زلفى ، واستجابة لظروف حياتهم فان البدو لم يكونوا في أي ركن من أركان العالم أهل شواهد وآثار، لان الشواهد والآثار تفرض على البدو الإقامة في مكان تواجدها ، وهذا منافٍ لشرط بقائهم المعتمد كليا على الترحال ، ويفسر هذا الشرط عدم وجود مقابر للبدو أيضا ، لقد كان أهل القبائل يحجون مرة في كل عام إلى الكعبة ، وكان عكاظ فرصة مناسبة لكي يتنابزوا بقصائدهم ، ويتبادلوا نساءهم ، ويتفاخروا بشدة فتكهم ولصوصيتهم .
لقد نشأ الإسلام في الحاضن الجغرافي الموبوء بعناصر الندرة والشح ، فالأمطار لا تكاد تسقط ، ورمال الصحراء وسمومها الحارقة تلفح كل شيء ، والأيادي القابضة على سيوفها إن لم تجد عابر سبيل تذبحه وتستولي على ما لدية من ماء وطعام وأموال فإنها تنبش جحور الرمال بحثا عن ضب سمين أو فحل جراد تخلف عن سربه .
يركز علماء الأديان والعقائد في دراساتهم على الحوافز المادية والاجتماعية التي تقدمها هذه الأديان والمعتقدات لمتبعيها أكثر من تركيزهم على متانة خطابها الفلسفي ، ولعل الوعود القرآنية المقطوعة لبدو الصحراء المؤمنين قد شكلت أعظم الحوافز لأبناء مجتمع الندرة والقحط كي يديموا الفعل الالهي من اجل المحافظة على أسباب الرخاء والتنعم ، وليس غريبا في هذه الظروف عندما نقرأ أن ألافا مؤلفة من البشر المختلفين عقائديا مع دعوة الإسلام قد ذبحوا وشردوا من ديارهم ، ومسخت معتقداتهم ودمرت ثقافتهم ولغتهم وأساطيرهم التي تدلل على بنائهم التاريخي وأسسهم المعرفية التي استخلصوها من تجاربهم في الحياة .
إن نظام القبيلة البدوية التي اعتمد الإسلام على سواعد أبنائها وسيوفهم ، يتبع أسلوبا قسريا ودكتاتوريا في إدارة شؤون الناس المنتمين لهذه القبيلة ، فالشدة ومسايرة القطيع أهم المميزات التي يجب التمسك بها للحفاظ على ديمومة البقاء ، ولذا نرى النظام القبلي حتى الآن لا يتوانى عن التضحية بأبنائه إن هم اختلفوا مع العرف السائد والكلمة العليا التي يمتلك مفاتيحها رئيس القبيلة ، فمن زمن النبوة وحتى الآن نجد أن كلمة رئيس القبيلة هي التي تجعل من أفراد قبيلته مع أو ضد مبدأ معين ، سواء أكان هذا المبدأ هو دخول الإسلام أم الانضمام لمجالس الصحوة .
إن غياب الرأي الشخصي لدى أبناء القبائل توجبه تلك الضوابط الصارمة التي تتحكم بقانون البقاء البدوي ، وعليه نجد مقاتلي الإسلام في زمن الغزو الأول لم يتوانوا عن هدم معابد وكنائس الأقوام التي احتلوها ، ولم يرف لهم جفن في حرق كتبهم وعلومهم وطمس معالم ثقافتهم القومية والدينية لان هذه الشواهد لا تعدو أن تكون بعين البدوي سوى أصنام ناهيك عن أميته التي تجعل كل علم مجرد لغو لا طائل منه أمام ما لدى المسلمين من كتاب منير.
يسرد لنا التاريخ بان الرسول طلب من أسرى واقعة بدر أن يعلم كل منهم عشرة من المسلمين مقابل حريته ، وأمام هذا الرقم يمكننا تخيل الأمية المتفشية في صفوف المسلمين بعد أن كان أهل الجزيرة أهل تجارة يجيدون الحساب والقراءة ولم تزل أبجدية خط " المسند " الذي استعمله الحميريون والسبأيون شاهدا انثروبولوجيا يدلل على حضارة طمستها سيوف ورماح التبشير الديني وحمى الغنائم .
جلس عقيل بن أبي طالب ، في مجلس معاوية بن أبي سفيان في الشام وهو خليفة ، فقال معاوية يا قوم أتعرفون قول ألقرآن :" تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب "
قالوا نعم ، قال فذاك ألرجل هو عم هذا وأشار إلى عقيل بن أبي طالب ...,, فقال عقيل وهو غاضب : يا قوم أو تعرفون تتمتها ؟
" وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد "
قالوا : نعم
قال : فتلك هي عمة معاوية .
إن الدين الذي ينص على تكفير اثنين من الذين انحدر من أصلابهم المتقاتلون على ملك الدنيا وجاه سلطانها لا يمكن أن يقدس أحدا من الفانين الزائلين ، وإذا كانت الآية تنص بشكل مباشر لا لبس فيه على ذم وتكفير أم جميل عمة الأمويين وزوجها أبي لهب عم علي بن أبي طالب فلماذا يدفع العراقيون ثمن هذا الصراع البدوي الملعون ؟؟
وما علاقة العراقيين بهذا الصراع الذي ينظر إلى كل الناس على أنهم موالي " للنسب المقدس " أو السلالة الطاهرة " ؟
لقد شبعنا زعيقا وفتاوى خلال السنوات الماضية ، حتى وجدنا أن البعض يطالب بالكف عن إضاءة المنطقة المظلمة التي ادخل فيها العراق بدون خياره لان أي كتابة حسب نصيحة هذا البعض إنما تذهب إلى مذهب الفتنة الطائفية ، ولم ينظر هؤلاء الكتبة إلى أن ما يعانيه العراقيون من قتل وتهجير وتجهيل وطمس للعيون يتخذ شكل وجه من وجوه الجزية التي يتوجب على الموالي دفعها للفاتحين المقدسين ، فالعراق وأهله لم يزل بنظر أحفاد السلالة المقدسة دار كفر.
إن الذين يأكلون عقول الناس بالكلام السخيف والخرافة المتسلسلة ليسوا غريبين عن تاريخنا الأسود ، يريدون ترويج بضاعتهم تحت أي ذريعة ، ولكن العقل يأبى الخضوع لما لا يفهمه من أساطيرهم ، فالمروجون للسلالة الطاهرة والنسب المقدس الذي ينحدر منه الحسين وابوه لم يخبرونا بمآل النطف التي سالت بين الأفخاذ البدوية في جزيرة العرب قبل الإسلام ، فهل الإسلام مسخ نطف كل تلك الزيجات التي كانت عرفا من أعراف مجتمع الجزيرة إلى نطف مقدسة لا تنتج إلا ذرية مقدسة ونسلا طاهرالحسب والنسب ؟؟
لقد كانت عرب الجاهلية على ثمانية أنواع من الزيجات وهي باختصار كما يلي :

نكاح الاستبضاع
وهو نكاح انتقائي مؤقت كان الرجل يدفع زوجته اليه ، بعد ان يكون قد حسم اختياره للرجل -العيّنة الذي ستتصل به زوجته جنسياً ، بعد انقطاع دورتها الشهرية مباشرة .وغالباً ما يكون هذا النموذج شاعراً او فارساً رغبة منه في تحسين النسل او انجاب الولد.
نكاح المخادنة
المخادنة : الصداقة ، والخدين : الصاحب او الصديق . وفي القرآن الكريم (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) فقد كانت المرأة قبل الإسلام ، تمتلك حق الصداقة مع رجل آخر ، غير زوجها ، يكون لها بمثابة العشيق او الصديق بالمفهوم الاجتماعي المعاصر ، لا يمتلك الزوج حق الاعتراض او منعها عنه.واغلب الظن ان هذا العرف استمر حتى بعد الاسلام .

نكاح المضامدة

وهو ان تتخذ المرأة زوجاً اضافياً ، زيادة على زوجها ، لأسباب اغلبها اقتصادية فعن الفرّاء : " الضماد أن تصادق المرأة اثنين او ثلاثة في القحط لتأكل عند هذا وهذا لتشبع"
والضمد في اللغة: ان يُخالّ الرجل المرأة ومعها زوج .او ان يخالّها خليلان ، وقد قال ابو ذؤيب الهذلي في امرأة خانته مع ابن عمه خالد بن زهير :

تريدين كيما تضمديني وخالداً
وهل يُجمع السيفان ،ويحك في غمدِ؟

نكاح الرهط

وهو من انماط تعدد الازواج الذي مارسته المرأة قبل الاسلام، حيث يجتمع ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد ان تضع حملها ارسلت اليهم فلم يستطع رجل منهم ان يمتنع حتى يجتمعوا ، عندها تقول لهم :"قد عرفتم الذي كان من امركم ، وقد ولدتُ ، فهو ابنك يا فلان " تسمّي من احبت بإسمه ، فيلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل.

نكاح السر
وهو اقتران سري يعقده احد من الاشراف عادة مع من هي دونه في المنزلة الطبقية او الاجتماعية "فاذا حبلت منه أظهر ذلك وألحقها به" وقد نهى القرآن صراحة عنه في سورة البقرة (ولكن لا تواعدوهن سرا) .

نكاح الشغار
هو استنكاح تبادلي كانت تلجأ اليه العرب في الجاهلية بأن تتزاوج من خلال تبادل امرأتين من بنات الرجلين العازمين على الزواج او اختيهما على ان تكون المرأة المعطاة بمثابة المهر المقدم للمرأة التي سيتزوج منها..ولفظة الشغار جاءت من الشغر أي الرفع ..وهو هنا بمعنى الزنا

نكاح المساهاة

وهو نكاح ملحق بنكاح الشغار تفرد بذكره ابو حيان التوحيدي في (الامتاع والمؤانسة) بأن للعرب نكاحا يسمى :المساهاة بمعنى المسامحة وترك الاستقصاء في المعاشرة وهو ان يفك الرجل اسر الشخص ويجعل فك ذلك الأسير صداقا لأخت صاحب الأسر او ابنته او قريبته منه فيتزوج المعتق من غير صداق.

نكاح الضيزن (المقت)

او وراثة النكاح الذي ينص في وراثة المرأة ..زوجة الاب..او الابن..بعد موت بعلها..لتصير ضمن نساء الموروث..والعرب تقول انها عادة فارسية نص القرآن بوضوح لا لبس فيه على تحريمها :"ولا تنحكوا ما نكح اباؤكم من النساء ،الا ما قد سلف،انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا".

أفتونا مأجورين بقداسة أو نجاسة النسب الذي انحدر من هذه الزيجات حسب الفهم الديني التجاري الذي يتشبث به معممونا اجمعون؟ وما مآل البشر الذي نتج عنها ومن هم ؟ وكم نحمل في دمائنا من جيناتهم ؟
×× أنواع الزيجات مستلة من مجلة الناقد












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا لو
جحا القبطي ( 2008 / 12 / 26 - 21:10 )
ماذا لو تمتعنا بمنتجاتهم العلمانية من ديمقراطية كما قبلنا التمتع بمخترعات حضارتهم التكنولوجية


2 - شكرا على المقال الطيب يا أستاذ حاتم عبد الواحد
سناء ناجي ( 2008 / 12 / 27 - 05:08 )
شكرا على مقالك الطيب يا أستاذ والذي فيه من المعنى الباطن أكثر مما فيه من المعنى الظاهر
للحقيقة والتاريخ أحب أن أضيف , أن كل من صاهروا النبي كانوا ممن إعتبروا أحقيتهم في خلافته واجبه . فقد أصبح أبو بكر خليفة بعائشة , وتبعه عمر بحفصة , وتبعهما عثمان برقية وأم كلثوم . ثم تبعهم علي بفاطمة , وأخيرا تبعهم معاوية بأخته أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبو سفيان . هل أن محمد حين تزوج أم حبيبة ما كان يعلم أن عمها هو أبو لهب وزوجة عمها هي أم جميل ؟ حتى عقيل بن عبد المطلب كان عليه أن يستحي قبل نطقه بهذا الكلام الذي يزايد به على النبي محمدا نفسه .. ولكن لمن تناقش رأيك ؟؟
يا أخي الكل تعاملوا بزواج المباضعة , ولا تدري لماذا ( الربع ) اليوم يريدون تفضيل ( بضاعة ) على ( بضاعة ) ؟ ربما ... والله أعلم لأن بضاعتهم أعجبتهم بشدة ... ولو تشابهت الأذواق لبارت السلع كما يقول المثل العربي القديم . لن تتحرر العقول والشعوب الى أن نوقف صفراوية الخطاب الديني المسيس
شكرا ولك تحياتي

اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب