الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأويل النص الديني و تكريس الرجعية في الثقافة العربية

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2008 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خلف تأويل النص الديني منذ البدايات الأولى للمرحلة الإسلامية كوارث فكرية و سياسية و اجتماعية في الفكر العربي ؛ فظهرت الطوائف المتناحرة ؛ كل طائفة تعمل على تأويل النص الديني لصاحها ؛ و في نفس الآن تكفر الطائفة الأخرى بتأويل نفس النص ؛ و قد تتجاوز ذلك لتغتال رموزها .
لذلك أول الأمويون النص الديني و مارسوا أبشع الجرائم في حق شيعة علي بن أبي طالب ؛ و أول غيرهم النص الديني و اغتالوا عمر بن الخطاب ؛ و جاء آخرون و اغتالوا عثمان بن عفان باعتماد تأويل نفس النص ؛ بل و أضافوا إلى ذلك أن أهانوه بعد موته باعتماد نفس المنطق .
يذكر الطبري في كتابه (تاريخ الأمم و الملوك ) أن عثمان لبث بعدما قتله ليلتين ؛ لا يستطيعون دفنه ؛ ثم حمله أربعة هم حكيم بن حزام و جبير بن مطعم و نيار بن مكرم و أبو جهم بن حذيفة ؛ فلما وضع ليصلى عليه ؛ جاء نفر من الأنصار يمنعوهم الصلاة عليه ؛ و منعوهم أن يدفن بالبقيع فقال أبو جهم ادفنوه فقد صلى الله عليه و ملائكته؛ فقالوا لا و الله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا ؛ فدفنوه في حش كوكب (مقابر اليهود) ؛ فلما ملكت بني أمية أدخلوا ذلك الحش في البقيع " ( أنظر : الطبري – تاريخ الأمم و الملوك – ج:3- مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت – لبنان )
إن هذا لا يعتبر إلا غيضا من فيض الكوارث التي حدثت عبر تأويل النص الديني في التاريخ الإسلامي القديم ؛ و نحن نركز هنا على الجانب السياسي فقط ؛ أما على المستويات الأخرى ؛ فإن الأمر أعوص بكثير .
وإذا انتقلنا من الماضي إلى التاريخ العربي الحديث ؛ نجد نفس الكوارث تستمر باستمرار نفس القراءة التأويلية للنص الديني ؛ فعلى المستوى السياسي ؛ ظهرت جماعات تؤول النص ؛ لتحتكر الحقيقة السياسية لنفسها ؛ زاعمة أنها المخولة دينيا بقيادة المسلمين ؛ عبر التأسيس للدولة الإسلامية ؛ و إلا فإن المجتمع جاهل و كافر تجب محاربته . كما تم تحريم الديمقراطية كمنظومة سياسية قادرة على ترشيد الاختلاف و التعدد داخل المجتمع ؛ و تم تكريس الاستبداد السياسي تحت شعار المستبد العادل .
و على المستوى الاجتماعي تم توظيف التأويل المغرض للنص الديني لانتهاك حقوق نصف المجتمع ؛ باعتبارهن (ناقصات عقل و دين) ؛ و فرضت على المرأة كل أنواع التمييز ؛ في الزواج و الطلاق و الإرث ... و تم تشريع تعدد الزوجات ؛ الذي يشيع روح الفوضى في المجتمع ؛ بل و تم استحداث أنواع أخرى من (الزواج) ؛ التي تشرعن ممارسة الفساد داخل المجتمع ؛ و تهين المرأة باعتبارها كائنا جنسيا ؛ يشبع شهوات الرجل .
و على المستوى الاقتصادي ؛ تم تأويل النص الديني ؛ لتحريم المنطومة الاقتصادية الحديثة و تم اعتبار التعامل مع المؤسسات المالية الحديثة تعاملا ربويا محرما ؛ و بذلك تم تكريس اقتصاد الريع الغير المنتج ؛ كبديل للاقتصاد الحديث ؛ الذي يقوم على المؤسسات و النظريات الاقتصادية . كما تم استحداث ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي و البنوك الإسلامية ؛ عبر تأويل النص الديني ؛ و ذلك باعتماد الشعارات الدينية كوسيلة في المنافسة الاقتصادية كما استعملت في إطار الصراع السياسي .
و عبر تأويل النص الديني ؛ تحولب القرآن و تحولت السنة إلى نظريات في العلوم الطبيعية ؛ و تم قتل روح الإبداع و الخلق في الثقافة العربية ؛ باعتبار أن النص الديني يشمل كل المعارف ؛ و لذلك خصصت الميزانيات الضخمة لأكاديميات الإعجاز العلمي في القرآن و السنة على حساب المختبرات العلمية المتخصصة ؛ و تم تكريس التبعية لمختبرات الغرب و لمصانعه ؛ في مقابل مواطن عربي مستهلك ؛ يحارب التفكير العلمي و يقبل على التفكير الخرافي .
من التاريخ الإسلامي القديم إلى التاريخ الحديث ؛ و في مختلف المجالات ؛ كان لتأويل النص الديني نتائج كارثية ؛ ساهمت في تكريس وضعية التخلف التي يعاني منها الفكر العربي لقرون طويلة ؛ و تحول النص الديني من وظيفته الروحية ؛ ليصبح أداة للصراع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي .















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نقد
سعيدة عبد الله ( 2012 / 6 / 13 - 19:03 )
السلام عليكم : ما قلته يا أخي لا يقبله عقل فما جاء به القران و السنة النبوية صالح لكل

زمان ومكان

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض