الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مزيد من العشش

باسنت موسى

2008 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما أنظر للمنازل من حولي لا أراها إلا "عشش" ملونة بكل ما هو مؤذي العين ودليل على ذوق متدني لا يعرف أبسط قواعد الذوق السليم أو الفن، وعندما أسأل لماذا المباني في المنطقة التي أسكن بها هكذا متلاصقة ومتلاحمة بشكل سيء ومتعب في ذات الوقت؟ يقولون لي أن منطقة سكني غير مخططة من قِبل أي جهة تخطيط رسمية كانت أو خاصة لذلك الأهالي هم مَن يرسمون معالمها فتبدو بهذا الشكل الصعب، حيث يستغل كل أب منزله ليبني أدوار -غالباً بدون ترخيص- ليتزوج أبنائه ويحصل كل منهم على شقة أو "عشه" كما أفضل أن تسمى، وبالطبع تلك "العشش" تستخدم ليقوم ساكنيها من المتزوجين بالفقس داخلها فقط –احتراماً للخصوصية- ثم ممارسة باقي السلوكيات الحياتية داخل "العشة الأصلية الأولى" التي قام الأب بتأسيسها منذ سنوات طويلة.
لي العديد من زملاء وزميلات الطفولة الذين يقطنون "العشش الزوجية" تلك ومنذ أيام تقابلت مع واحدة منهن ووجدتها تغيرت كثيراً حيث أصبحت بدينة –بدرجة مزعجة- تحمل طفلاً على يديها يقترب عمره من العامين وتحمل الآخر في أحشائها وتنتظر إطلاقه للحياة بعد ثلاثة أشهر، تلك الزميلة تزوجت حتى لا تصاب بالإكتئاب كما تقول أو تندفع لعلاقات غير محسوبة العواقب وزوجها لا يمتلك من حطام الحياة غير راتبه الذي لا يتعدى السبعمائة جنية شهرياً، لذلك فمنذ زواجهما وهي تعيش تقريباً عند والد زوجها ولا تذهب لبيتها سوى مرتين في الأسبوع وحتى في المرتين تذهب للبيت مساءاً بعد انتهاء اليوم عند والد زوجها توفيراً لمصروفات وبالطبع ليس من الصعب تصور أسباب ذهابها للبيت مرتين أسبوعياً -مواعيد ضرورية لحدوث الفقس- وها هي الآن زوجة وأم لكنها لم تمارس يوماً الاستقلال في الحياة بل انتقلت من العيش والخدمة في منزل أهلها للعيش والخدمة والفقس أيضاً في منزل والد زوجها.
تكاليف الزواج الآن أصبحت كبيرة مقارنة بالماضي وهذا الأمر ليس بمستغرب فمتطلبات حياة اليوم أصبحت أكثر، وحاجات الفرد ليعيش بكيفية أفضل أصبحت أكثر إلحاحاً مما كان منذ سنوات.
لكن ما يثير دهشتي وتعجبي أن كثيرين يقدمون على "الزواج" حماية للنفس من الوقوع في الخطأ أو إكمالاً للدين وما إلى ذلك من أسباب تختزل "الزواج" كقرار كبير وخطير في جملة دوافع بسيطة لا تصلح لأن تكون أسس لبناء مؤسسة زوجية سليمة تضيف لمؤسسيها أولاً ومن ثم المجتمع.
متى ندرك خطورة "عشش الفقس" التي نزرع بها أبنائنا ونعتقد أننا بذلك نحميهم من الرذيلة؟ الرذيلة الحقيقة يا سادة هي أن نجعل أفراد غير قادرين على تحمل مسئولية حياتهم مادياً ونفسياً واجتماعياً في موضع المسئولية عن آخرين أتوا بهم للحياة من خلال "عشش الفقس الشرعي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفقس واقع لا محالة
عاشور الناجى ( 2008 / 12 / 30 - 21:14 )
الكاتبة الفاضلة - ليس للمجتمعات الفقيرة من حل آخر .. إذ أن الفقس لابد له من أن يتم شئنا أم أبينا .. والفقس فى المجتمعات المتدينة ليس له من متنفس إلا من خلال تلك العشش وإلا فالفاقس والمفقوس فى النار
علينا أن ندرك أن حلول مشاكلنا لا تتجزأ - وأنا أرى أن على المثقفين دور أساسى ومصيرى فى انتشال شعوبنا المريضة من هامش الحياة الذى يحيونه كحلم بغيض ثقيل ..وأنت تقومين بدور محمود فاستمرى
أحييك على كتاباتك وتساؤلاتك ودماء الحرية التى تجرى فى كلماتك
عاشور الناجى


2 - تعليق
neil ( 2008 / 12 / 31 - 00:04 )
ألاستاذة باسنت - هى العشوائيات التى نشأت أثناء أغماض الحكومة لعينيها - والتى تفرخ البلطجة والارهاب والسرقة وغيرها وغيرها

اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل