الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية بناء ثقافي و ليست فقط صناديق اقتراع .

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2008 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من بين الأمور التي أصبحت تتداول في الثقافة العربية كبديهيات ؛ اعتبار الديمقراطية آلية انتخابية ؛ ترتبط بصناديق الاقتراع ؛ و من هذا المنطلق قبلت الحركات الإسلاموية بالمنهجية الديمقراطية ؛ كآلية انتخابية ؛ تمكنها من تحقيق أهدافها عبر الوصول إلى السلطة ؛ لكنها ترفضها كبنية ثقافية ؛ تقوم على الاختلاف و التعددية السياسية ؛ و كذلك –وهذا هو الأساس- المذهبية و اللغوية و الدينية .
و لعل هذا هو ما يوقعها في التناقض ؛ الناتج عن شمولية مفهوم الديمقراطية ؛ و عدم اقتصاره على الممارسة السياسية ؛ الشيء الذي يجعل – مثلا في مصر- الإخوان المسلمين يقبلون الديمقراطية كآلية سياسية تمكنهم من منافسة الحزب الحاكم ؛ لكنهم غير واضحين تماما بخصوص التعددية الدينية ؛ كمقوم أساسي في المجتمع المصري ؛ الذي يضم الأقباط المسيحيين إلى جانب المسلمين ؛ و نفس هذه الحالة تتكرر في جميع البلدان العربية تقريبا .
إن ما نسعى أن نؤكده من خلال هذه المقالة ؛ هو أن الديمقراطية بناء ثقافي ؛ يرتبط باحترام التعددية و الاختلاف ثقافيا قبل قبولهما سياسيا ؛ و المجتعات الغير قادرة على بناء الثقافة الديمقراطية ؛ لا يمكنها أبدا أن تؤسس للديمقراطية السياسية .
من هذا المنظور يمكن أن نتساءل :
هل تتوفر الثقافة العربية الإسلامية على قيم التعددية و الاختلاف ؟
هل يمكن أن نعثر في مختلف الأدبيات التي تتوفر عليها الثقافة العربية الإسلامية ؛ على ما يرتبط بالممارسة الديمقراطية ؛ فكريا ؛ دينيا و سياسيا ؟
إن أية قراءة نقدية للتراث الثقافي العربي الإسلامي ؛ لا يمكن إلا أن تخلص إلى نتيجة واحدة هي أن المرجعية المتحكمة فيه؛ ترتبط بثنائية الشيخ و المريد (بتعبير الأستاذ عبد الله حمودي) ؛ أي حضور قوي لثقافة التبعية ؛ و الطاعة العمياء ؛ و التقديس ؛ و التزلف ؛ كمنظومة من القيم ؛ التي يمثلها (المريد) ؛ في مقابل حضور قوي كذلك ؛ لكن لقيم معارضة ؛ تنبني على التسلط و الاستبداد و الاستعباد والإخضاع ؛ كمنظومة من القيم التي يمثلها (الشيخ) ؛ و لعل هذه المرجعية الثقافية هي التي تعتبر الابستمي – بتعبير مشيل فوكو- المتحكم في مختلف التجليات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ؛ لهذا التصور الثقافي .
و بالعودة إلى الفكرالديني ؛ نجده يزكي هذه الثنائية ؛ عبر تكريس الطاعة العمياء لأولياء الأمر؛ التي يربطها بطاعة الله و رسوله ؛ و يذهب الغزالي بعيدا ؛ حينما يحكم على الذي مات ؛ و ليس في عنقه بيعة تربطه بولي أمره ؛ بأنه مات ميتة جاهلية .
و بعودتنا إلى مساءلة الأدبيات السياسية العربية الإسلامية ؛ نجدها تنظر للاستبداد ؛ تحت شعارات مختلفة ؛ من بينها ربط الاستبداد بالعدل ؛ تحت اسم (المستبد العادل) ؛ و المفهومين معا (المستبد – العادل) متناقضين ؛ لا يمكن أن يجتمعا معا جنبا إلى جنب ؛ لأن المستبد لا يمكن أن يكون عادلا ؛ كما لا يمكن أن تتحقق العدالة تحت الاستبداد .
إن الأمر الواضح من خلال هذا الجرد التاريخي و الفكري ؛ هو أن الثقافة العربية ليست تربة خصبة لزراعة منظومة الديمقراطية ؛ لأنها على العكس من ذلك تشتمل على الكثير من المعيقات التي تعرقل الثقافة الديمقراطية ؛ و في نفس الوقت تعرقل نشر الديمقراطية ؛ كممارسة سياسية .
إن الحاجة ماسة اليوم ؛ ليس إلى استعارة مجموعة من المؤسسات عن الغرب فقط ؛ و لكن كذلك –و هذا هو الأهم- إلى تحقيق ثورة ثقافية على كل الموروث الثقافي و السياسي ؛ الذي يدعم ثقافة الاستبداد ؛ و يرسخ في المقابل ثقافة الطاعة العمياء للسياسيين كيفما كانت وظيفتهم ؛ أي الثورة على ثقافة الراعي و الرعية ؛ الشيخ و المريد ؛ سياسيا ؛ مع ترسيخ ثقافة التعددية و الاختلاف فكريا . و هذا ما لا يمكن أن يتحقق ؛ سوى عبر النهل من منظومة الحداثة ؛ سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر بين روسيا وإسرائيل يتصاعد.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتي


.. إيران تؤكد أنها ستدعم حزب الله في حال تعرضه لهجوم إسرائيلي




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لسوق بحي الزيتون


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف خلية في مخيم نور شمس بطولكرم أ




.. الدفاع الروسية تعلن استهداف 5 مقاتلات أوكرانية بصواريخ إسكند