الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمي منتقبة

أيمن رمزي نخلة

2009 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شعر بكياني وشخصيتي حين أجد نفسي بين بقية خلق الله في التجمعات العامة. ركبت بالأمس مواصلة عامة من التي تقل البشر على اختلاف نوعياتهم. يشعر الجميع بقلة قيمته وانعدام انسانيته وسط الزحام. حين لا تجد متنفس للهواء وسط كم من الروائح الأدمية التي تشبه معسكرات الاعتقال، وقتها تعرف مشاعر الأسماك المجففة في المعلبات المحفوظة. حين يختلط الحابل بالنابل، وتشتبك الحامل بالعجوز، ويتدحرج الصغير على الكبير، وقتها تعرف مشاعر مكونات طبق "الكشري" في فمك وتحت ضروسك بين فكي المطحنة.

مشاعر متضاربة ومتشابكة وأحاسيس مختلفة بين البرودة والحرارة تعج بها وسائل المواصلات العامة. وفي خضم فوران عقلي بالاستمتاع بحركات "كشري" البشر الأسماك، وملاحظة تقلباتهم في مطحنة المواصلة، شاهدت هذا المنظر البديع الذي تعجز الأقلام عن تصويره، ولا يمكن حتى لكاميرات التصوير المتحركة أن تنقله كواقع متحرك في وسط جبال الرمال البني أدمية المتحركة!!!

وفي وسط هذا الطوفان من المشاعر وتقلبات الأمزجة واختلاف وتباين العقول ومجاري الأفكار، شاهدت أم منتقبة لا يظهر من كيانها البشري أي ملامح من ملامح البشر الطبيعيين. كانت هذه الأم المنتقبة تحمل طفل لا يتعدي عمره العامين. كانت الأم المنتقبة تتحدث لطفلها من خلف النقاب القماشي السميك، بحروف هامسة، لأن معتقدها أن صوت المرأة عورة، كانت كلماتها غير واضحة المعالم لأن النقاب القماشي يحجب اتجاه الصوت الطبيعي. لم يكن هناك تواصل بين الأم المنتقبة وابنها الرضيع الذي تحمله، غير تلك القطعة من القماش التي تشبه الأسلاك الضيقة الحاجزة بين السجين وأسرته حين ياتوا لزيارته، وقتها لا يعرف السجين ولا أسرته ماذا يريد كل منهما من الآخر. مجرد كائن حي خلف القضبان والأسلاك الحاجزة يتحدث مع بقية عائلته.

هذه بعض مشاعر الطفل الرضيع الذي كان يتحدث ويناغي أمه من خلف النقاب. وفجأة ظهرت في صورة تقلبات وسيلة المواصلات سيدة أخرى لم تكن منتقبة ولكنها طبيعية، شعرها الحريري ينسدل على رأسها مثل شعر الطفل تماما، وجهها له ملامح محددة ظاهرة للطفل الرضيع ابن السيدة المنتقبة، فم السيدة ذات الشعر واضح فيه اسنان بيضاء، لها ابتسامة معبرة يستطيع أن يراها هذا الطفل الرضيع الخارج للحياة يريد الإنطلاق متحرراً من قطعة القماش السوداء العديمة الملامح.

انطلق الطفل مبتهجاً أمام طبيعية السيدة الطبيعية ذات الشعر والإبتسامة الحرة الصافية بعيداً عن الصورة القاتمة لقطعة القماش التي ليست لها معالم.
ابتهج الطفل لمجرد الإبتسامة الظاهرة من السيدة ذات الشعر بعيداً عن الصورة ذات اللون الأسود الواحد الذي لا ينم عن أي مشاعر أو أحاسيس.

كان لسان حال الطفل الرضيع: آه يا أمي المنتقبة. خلقنا الخالق على أحسن تصوير. الإنسان الطبيعي متعدد الألوان والأشكال. الإنسان الطبيعي يمتلك أحاسيس ومشاعر، يجب أن يعبر عنها، فالميت فقط هو الذي لا يملك حرية التعبير عن مشاعر الغضب أو الفرح أو الألم أو الإعجاب.
آه يا أمي المنتقبة، أين وجهكِ الجميل؟ أين ابتسامتكِ؟ أين مشاعركِ وأحاسيسكِ الإنسانية؟ أين إنسانيتكِ يا أمي المنتقبة؟

آه يا أمي المنتقبة،
ألم يخلق الخالق الإنسان عارياً بدون ملابس؟
لقد كان الإنسان، وهو عارياً تماماً، على أحسن تصوير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب