الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الشورى إلى المستبد العادل : الفكر الديني و تكريس دولة الاستبداد الشرقي .

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تأسست التجربة السياسية الإسلامية في فضاء شرقي ؛ يقوم على الفردانية و الاستبداد ؛ كأدوات في الحكم ؛ و من هنا ارتبطت جميع الأدبيات السياسية الإسلامية بفضائها زمانيا و مكانيا ؛ و نسجت على منواله دون أن تخترق النموذج السائد .
و لعل محاولة بسيطة للنفاذ إلى جوهر هذه التجربة ؛ لتبين عن الكثير من بذور الاستبداد السياسي ؛ الذي أسس له النص الديني كتابا و سنة ؛ و كرسه الفقهاء إجماعا و قياسا .
إن الحكم في الإسلام – كما أكد فقهاؤه - لا يستقيم بالشركاء ؛ و أنه لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا ؛ و التاريخ الإسلامي من ألفه إلى يائه هو تاريخ استبداد خلفائه و ملوكه و سلاطينه – يؤكد الأستاذ عز الدين العلام- (1) .
إن النظام السياسي الإسلامي من هذا المنظور هو كغيره من الأنظمة السياسية الأخرى التي تنتمي إلى مرحلة تكونه؛ يرتبط بالفكر السياسي السائد في المرحلة ؛ و يضيف إلى ذلك أنه يؤول النص الديني لتكريس قيم الاستبداد التي ظهر في أوج ازدهارها (عهد الإمبراطوريات الكبرى) . و بناء على هذا فإن ما نسميه بالدولة الإسلامية هو مزيج يجمع بين ثلاثة عناصر أساسية هي :
1- العنصر القبلي ؛ و قد كان متجسدا في التنظيمات القبلية التي كانت موجودة قبل الدعوة الإسلامية ؛ و استمرت بعدها .
2- العنصر الفارسي الساساني : و يتمثل في كافة الأنظمة الإدارية و السياسية التي ورثها العرب ؛ و بواسطتها بنوا أجهزة دولتهم الوليدة .
3- العنصر الإسلامي : و تمثل في كافة المنظومات الأخلاقية و الثقافية المولودة مع مجيء الدين الجديد . (2) .
و إذا توقفنا عند هذه العناصر المختلفة ؛ و التي اندمجت ضمن نسق سياسي ؛ يغري ظاهريا بالأصالة و الفرادة ؛ لكنه يخفي جوهريا ارتباطه بالفكر السياسي المؤسس للمرحلة ؛ و الذي يتداخل فيه النظام القبلي العربي ؛ بالنظام السياسي و الإداري الفارسي ؛ بالإضافة إلى الأدبيات السياسية الإسلامية التي لم تؤسس لشيء جديد مخالف للمكونين السابقين ؛ بل على العكس من ذلك نسجت على منوالهما ؛ و عملت على تكريسهما ؛ عبر إضفاء المشروعية الدينية عليهما .
و سواء تعلق الأمر بالنظام القبلي القائم على زعيم القبيلة ؛ بما يجسده من عصبية قبلية ؛ تمكنه من السيطرة على الرأسمال المادي و الرمزي معا و توريثه لخلفه ؛ أو سواء تعلق الأمر بالنظام السياسي الفارسي ؛ الذي يجسد دولة الاستبداد الشرقي ؛ المتمركزة حول الزعيم ذو البعد الإمبراطوري ؛ أو سواء تعلق الأمر بالأدبيات الأخلاقية و الثقافية الإسلامية ؛ التي تقوم على الأحادية و تحرم كل تعددية ؛ بل تعتبرها خرقا للنظام السائد و تأسيسا للخلافات و الفوضى .
في كل هذه المرجعيات التي نهلت منها –ما يسمى بالدولة الإسلامية- نجد تكريسا واضحا لثقافة الاستبداد ؛ بمفهومها الشرقي القديم ؛ الشيء الذي يجعل (الدولة الإسلامية) تجربة سياسية شرقية ؛ تنظر للاستبداد و تمارسه باعتباره نظاما سياسيا ؛ لكن هذه التجربة تختلف في كونها أسست لمشروعية الاستبداد من منظور ديني .
فلذلك لا نتفاجأ إذا وجدنا جميع التنظيرات السياسية الإسلامية –في أرقى تجسيداتها- لا تخرج عن صياغة مفهوم الاستبداد ؛ و إن حاولت أن تضفي عليه نوعا من المشروعية ؛ حينما ربطته بالعدل ؛ و نحن نتساءل : هل يمكن للاستبداد و العدل أن يجتمعا معا تحت سقف واحد ؟؟؟
إن مفهوم المستبد العادل الذي تربطه هذه الأدبيات بالخليفة عمر بن الخطاب ؛ ظهر في فترة كانت تسعى خلالها الجماعة الإسلامية إلى الحفاظ على تماسكها ؛ حتى لا تتشتت بعد موت الرسول ؛ خصوصا و قد تولدت صراعات خطيرة حول من يمتلك مشروعية خلافة الرسول ؛ لذلك تقلد عمر بن الخطاب الخلافة بعد موت أبي بكر الصديق باعتباره عمر الذي كان يصيح في قريش بعد إسلامه :" من أراد أن تفقده أمه فليتبعني خلف هذا الجبل " و لذلك فقد كان يمتلك رأسمالا رمزيا ؛ باعتباره الزعيم القوي و الشجاع الذي تحدى قريش و الذي نصر الرسول ؛ و الذي انتفض في صلح الحديبية عندما حذفت صفة رسول الله من الاتفاقية ؛ و أبقي فقط على الاسم (محمد بن عبد الله) .
كل هذا الإرث الرمزي هو الذي مكن عمر بن الخطاب من التأسيس لمفهوم المستبد العادل في الثقافة الإسلامية ؛ بل و ممارسته طيلة سنوات حكمه ؛ باعتباره الزعيم السياسي (الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم) أي –بلغة سياسية حديثة- إن أوامره لا تناقش و لا يتداول بشأنها ؛ بل يجب أن تطبق بحرفية تامة .
و في علاقة مباشرة بمفهوم المستبد العادل ذو الأصول السياسية الشرقية القائمة على الاستبداد ؛ راج في الأدبيات السياسية الإسلامية مفهوم الشورى ؛ الذي ارتبط في البدايات الأولى للدعوة بمشاورة الرسول لصحابته في شؤون الدين الجديد (و أمرهم شورى بينهم) ؛ لكن هذا المفهوم سيرتبط بتأسيس نظام الخلافة في الإسلام ؛ و الخليفة كما أسلفنا من قبل هو المستبد العادل ؛ الذي يعرف كل شيء في أمور الدنيا و الدين ؛ فهو يؤم الناس في الصلاة (الإمام : احتكارالمعرفة الدينية ) ؛ و في نفس الآن يؤمهم في شؤون الدولة (الإمام :الذي يحتكر شؤون الدولة لنفسه ) .
و كما يختار هذا الإمام الديني فقهاء يستشيرهم في شؤون الدين ؛ فهو يختار كذلك فقهاء آخرين (فقهاء البلاط) يستشيرهم في أمور الدولة ؛ و هو في كلا الحالتين يمتلك حرية اختيار من يشاء ؛ و التخلي عن مشوروة من يشاء ؛ من دون نظام أو قانون يحكمه في اختياراته هذه . و لذلك فالخليفة باعتباره ذلك المستبد العادل لا يختار من رجال الدين (المستشارين) إلا من يزكي قراراته في الدين و الدولة ؛ و هكذا يصبح هؤلاء المستشارون ؛ كما تصبح الشورى ؛ ليست البتة (أمرهم شورى بينهم) و لكن على العكس من ذلك تصبح أداة لتكريس الاستبداد ؛ عبر تزكية سلطة الخليفة /المستبد العادل .
بعد هذا العرض الموجز يمكن أن نتساءل :
هل يمكن بناء دولة عربية حديثة تقوم على الدستور و المؤسسات و المواطنة في ظل هذا المتخيل السياسي الذي يقوم على الاستبداد المدعم بالنص الديني ؟
هل بناء الديمقراطية في الثقافة العربية يقتصر على استعارة المؤسسات السياسية الغربية من أحزاب و حكومة و برلمان ؛ أم إن الأمر يتجاوز ذلك بكثير؛ بحيث يجب أن يرتبط بتفكيك البنية الفكرية التقليدية القائمة على الأحادية و تقديس (ولاة الأمور) و محاربة التعددية و الاختلاف ؟
هل يمكن أن ننجح في بناء دولة مدنية حديثة في ظل عودة المكبوت الديني في أبشع صوره ؛ مرتبطا بعصور الانحطاط و الاستبداد ؟
هل يمكن للمحاولات التي تقوم بها أمريكا و أوربا أن تنجح في نشرالديمقراطية في العالم العربي ؛ مع تكريس الثقافة الرسمية السائدة ؛ لمتخيل الاستبداد الشرقي/ الإسلامي ؟
هل تقبل الأنظمة العربية القيام بثورة ثقافية حقيقية ؛ تدعم من خلالها قراءة التراث السياسي الإسلامي قراءة نقدية ؛ مع علمها المسبق بأن نتيجتها ستهدد مصالها ؟
ما هي وظيفة المثقف العربي التنويري في ظل هذه الآفاق الثقافية و السياسية الحالكة في ثقافتنا العربية ؟ هل يقبل بوظيفة فقهاء البلاط ؛ عبر تدعيم ثقافة الاستبداد ؟ أم يجب عليه أن يحمل المشعل ؛ من منظور نقدي يقوم بتفكيك المنظومة الثقافية التقليدية ؛ و في نفس الآن الدفاع بشراسة عن قيم الحداثة ؛ من ديمقراطية سياسية ؛ و ليبرالية فكرية ؛ و علمانية دينية ؛ و اقتصاد السوق المنفتح ؟
الهوامش :
1- عز الدين العلام – تحرير الكلام في تجربة الإسلام – منشورات دفاتر سياسية –
ط: 1 – 2008 . ص: 42 .
2- نفسه – ص: 56 .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وضعت يدك على الجرح
شامل عبد العزيز ( 2008 / 12 / 31 - 19:31 )
الاسئلة التي طرحتها كانت في محلها وهي في صلب ثقافتنا ولابد من ايجاد حلول لها اتمنى لك المزيد شكرا وتحياتي


2 - ليست الدولة بمفردها
محمد خليل عبد اللطيف ( 2008 / 12 / 31 - 23:59 )
اتفق معك تماما ولكنك حسب اعتقادي اغفلت جانبا مهما هو التكوين الاسري الذي يتكون المجتمع على اساسه وهو تكوين دكتاتوري قبلي ذكوري مبني على الاستبداد .
شكرا لك


3 - صحيح
هاوزين الخياط ( 2009 / 1 / 1 - 07:34 )
لايزال مفهوم عبادة الفرد سائدا ورايك صحيح اضافة لذلك يجب نقد الذات

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض