الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية القيمة والذات في الفكر الإسلامي

عبدالحكيم الفيتوري

2009 / 1 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد بدأت إشكالية الخلط بين القيمة والذات، والنص وحامله،والفهم وتطبيقه، منذ أمد بعيد؛ وعهد طويل؛ فمنذ أفول عهد النبوة ونهاية الخلافة الراشدة حين وقعت الفتنة بين علي ومعاوية، وتعالت الأصوات، وسلت السيوف، فمال أهل ذلك الزمان إلى عدم قراءة الأحداث، وفرز القيم عن الذات، والنص من الاجتهاد، والاستفادة من الخطأ والصواب في الفهم والتطبيق بما يعيد الأمور إلى نصابها، ويضع الأجيال القادمة أمام حقيقة منهجية مفادها أن المحافظة على القيمة مقدم على مراعاة الذات. مما حدا بهم لأسدال الستار عليها تحت شعار (نحفظ ألستنا عن أعراضهم كما حفظ الله سيوفنا من دماءهم! فكانت تلك بداية الإلتباس بين القيمة والذات، والصواب والخطأ، والمبدأ وتاريخ المسلمين، حتى صار هذا الشعار ومدلولاته وأبعاده هو الميزان الأصيل الذي توزن به الأقوال والأفعال والأشخاص ومدى قربها من الصوابية والأحقية، ثم تم تأصيل هذا المفهوم المغلوط، وتكريسه في ذاكرة المسلم بطرق متنوعة ووسائل مختلفة؛ ككتب، ومناهج، وإتفاقات، وإجماعات، وفتاوى!!

ثم تفرع عن هذا الشعار عبر الزمان وتقلب الأوضاع ، شعارات شتى تدور في فلك ذات المعاني من عدم التفريق بين القيمة والذات،وأن المساس بالذات هو في حقيقته مساس بالقيمة،فكان شعار(لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)و(وما ترك الأول للآخر شيئا)و(ولا يكن لك قول ليس لديك فيه سلف)و(وعليك بالعتيق )و(واقتدي بالذين ماتوا)و(الإتباع خير من الإبتداع )وأخيرا(لحوم العلماء مسمومة) !!

فقد نتج عن هذا الإشكال وهذا الإلتباس أن صار لكل مذهب فقهي ، أو حركي،رموز (ذوات)تمثل خيارات وقيم ذلك المذهب أو تلك الحركة ،فأي مراجعة لها، أو تقويم ناهيك عن التقييم يعتبر بالضرورة التربوية المغلوطة والحركية العرجاء قدح في القيمة ذاتها ، وطعن في صلاحيتها ،واستمرارها !! مما أتاح لتلك الذوات(مشائخ،رموز،جماعات،وجامعات) التترس بالقيم، وإيقاد الحروب الطاحنة ،وشن المعارك الضارية ضد المفكرين والمجددين ومن لهم عقول يفرقون بها بين القيمة والذات ،والنص والاجتهاد ، والفهم والتطبيق !!

وعبر هذه المفاهيم المغلوطة ، والأفكار المشوهة تربى الناس من خلال أحداث ووقائع من تاريخ المسلمين على أساس أنها الإسلام،وقدمت تجارب الأسلاف(الذات)بأنها القيمة،ودونت اجتهادات الأسلاف بأنها من القطعي ،الذي لا ينبغي إعادة النظر فيها ،ناهيك عن نقده أو نقضه أو تجديده،فإنها لحوم مسمومة ،فمن يا ترى بعد هذه الديباجة له الشجاعة والإقدام على آكل لحم مسموم فيه نهايته ؟!!

ولا ريب أن هذه الإلتباس ،والخلط ،بين الذات والقيمة عبر الأجيال،كان من أكبر عوامل إيقاف عمليات التفكير والتفكر،والنقد والتطوير،والمراجعة والتقويم،والنقض والتجديد،أن جعل العقل هو مناط التكليف الشرعي-إن وجد- محكوم عليه بالتعطيل والإتلاف،والتشويه ، والتخلف !! مما زاد الطين بله ،فكانت الخسائرعلى كافة مستويات الأمة ،من تأخر الفكر الإسلامي في كل مجالاته،وتوسع دائرة سطوة الذات(مشائخ ،رموز،جماعات،جامعات)على ممارسة طبائع الاستبداد،وفقه الإقصاء والإلغاء والتعطيل والتهميش على ما تبقى من عقول الأمة،وأتباع المذاهب الفقهية ، والمناهج الحركية ،فكانت الطامة الكبرى .

بل أدى هذا الإلتباس الخطير وعدم التمايز بين القيمة والذات ،وتآخر عقلاء الأمة من أصحاب الدين والأمانة من القيام بواجبهم نحو هذا الإشكال المنهجي ،إلى مجازفة كثيرة من المنتسبين إلى الإسلام إسما إلى نقد القيم والنصوص المعصومة والتمرد عليها ، بحسب ما يرون من صور التدين المغلوط ، والتفكير المخلوط ،والسلوك المتخلف ،والخلط بين القيمة والذات ،ظنا منهم بأنها هي حقيقة الدين المعصوم !!

بيد أننا لو رجعنا إلى منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في عملية التفريق بين القيمة والذات،لرأينا أن الأمر مغاير تماما لما استقر في أذهان الناس خلال عهود التخلف والملك الجبري والعاض .فقد علم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام المنهج القويم في عملية الفرز بين القيمة والذات ،والوحي والبشري ، حتى أنهم لم يجدوا حرجا في تطبيق ذلك على ما صدر منه صلى الله عليه وسلم ،فخذ على ذلك نموذجا واحدا يبين تلك الحقيقة المنهجية، وذلك في حوارالحباب بن المنذر يوم بدر مع سيد الأولين والآخرين عندما قال:( يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولانتأخر عنه؟أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ .قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة).ونهاية المحاورة قال له صلى الله عليه وسلم:( لقد أشرت بالرأي).

وعلى هذه الأرضية العلمية كتب من كتب من عقلاء الأمة من السلف ،محاولة فرز وفك الاشباك بين القيمة والذات من خلال ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم ومراتب ذلك ،فكانت السنة التشريعة،والسنة القيادية،والسنة الجبلية(*)،كل ذلك منهم تقرير لحقيقة هامة مفادها :ضرورة التفريق بين القيمة والذات ،والوحي والاجتهاد،والدين وأشكال التدين.
علما بأن هذا الإشكال المنهجي في الفكر الإسلامي إن لم نقم بمراجعته ومناقشته مناقشة صريحة وجادة من خلال فرز النص من الاجتهاد ،والقيمة من الذات،وممارسة نقد الذات بما كسبت في الحاضر وعبر التاريخ بأخلاق رفيعة تنزل الناس منازلهم ، فليس لنا أي حصانة من عدم الاصابة بعلل وأمراض الأمم السابقة التي اختلطت عليها القيمة بالذات،والدين بأشكال التدين،وحرمت المراجعة والمناقشة والنقد ،تحت دعاوي لحوم الأحبار والرهبان مسمومة حتى اتخذوهم أربابا من دون الله !!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)للمزيد من التفصيل يمكنك مراجعة موقعي http://www.a-znaqd.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط