الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أكتب إذن أنا أعيش

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2009 / 1 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


لم تظهر الشمس طوال اليوم فى مدينة أطلانطا، رغم التنبؤ بإشراقها في عيد ميلاد المسيح، لم تكن أندرونيكا إلى جواري لأجادلها وتجادلني، رغم تعصبها للمسيحية.. تعشق أندرونيكا الجدل، خاصة معي، تعرف أندرونيكا أن الجامعة تدفع لي لأعلم الطلاب الجدل، فهي جامعة متقدمة فكرياً، تجذب الأساتذة من كل أنحاء العالم، من أجل إثارة الجدل، لا تحظى "إثارة الجدل" بسمعة سيئة كما هو الحال فى جامعات أخرى أمريكية أو عربية أو غيرهما.

كانت رئيسة الجامعة الدكتورة بيفيرلي تاتام قد استمعت إلى محاضرتى في 23 أبريل 2007، الساعة الرابعة مساء.. في السادسة مساء دعتني للعشاء في بيتها، أثناء العشاء قالت لي: كم أحب أن تكوني أستاذة هنا في هذه الجامعة، أيمكن أن تأتي إلى أطلانطا؟ أيمكن أن تعيشي هنا في الجنوب؟ ضحكت وقلت: أي جنوب هذا وأنا من أفريقيا من مصر؟

بعد دقائق قليلة، قبل أن تنهى الدكتورة تاتام عشاءها، غادرت غرفة الطعام، ثم عادت وفي يدها ورقة ناولتها لي وقالت: "هذا عقد لمدة عامين لتكوني أستاذة كرسي معنا هنا في الجامعة! اندهشت، واندهش معي ضيوفها حول مائدة العشاء، كيف تركت عشاءها وكيف أمكنها أن تكتب العقد على الكمبيوتر بهذه السرعة؟ ترددت لحظة قبل أن أقرأ العقد، لكن بعد أن قرأته أمسكت القلم ووقعت باسمي، ورفع الجميع كؤوسهم ليشربوا نخب الأستاذة الجديدة التي تدرس الإبداع والتمرد!

سافرت أندرونيكا إلى نيويورك لتحتفل بالكريسماس مع الأسرة العزيزة، رغم أنها لا تشعر بأي انتماء إلى هذه الأسرة التي يترأسها أبوها، يقول أبوها إن الكون لم يخلق في ستة أيام، إن الكتاب المقدس من تأليف البشر، إن المسيح لم يولد من الأم العذراء، ولم يخرج من قبره بعد أن مات أبوها مثل 65٪ من الشعب الأمريكي لا يذهب إلى الكنيسة، ولا يؤمن إلا بالعلم والعقل والبرهان، لكنه يشارك الأغلبية في الاحتفال بالكريسماس، رغبة في الاستمتاع بلقاء الأقارب والأصدقاء، والتهام الطعام اللذيذ مع النبيذ والخمر، وكل المحرمات الممنوعة في الحياة الدنيا المباحة في الجنة فقط.

تقول أندرونيكا باشمئناط إن أباها لا يؤمن بحياة بعد الموت، ويقول لها ولأخوتها إنه لا يملك إلا حياة واحدة فقط فوق الأرض!

أفقت على رنين التليفون، جاءني صوت ابنتي "منى" تقول: "كل سنة وإنتِ طيبة يا ماما"، صوتها يشبه صوت العصافير في الصباح، تصحو ابنتي مبكراً مع العصافير، تقود سيارتها الحمراء الصغيرة إلى النادي، ترتدي المايوه وتسبح ساعة كاملة أو ساعة ونصف الساعة، ثم تعود إلى البيت لتتناول القهوة والفطور، تجلس إلى مكتبها وتكتب مقالها الأسبوعي، أو قصة قصيرة أو قصيدة شعر، أو السيناريو الجديد الذي تعده للتليفزيون أو السينما.

"فتحت الإيميل يا ماما؟ افتحيه واسمعي الموسيقى في رسالتي".. فتحت الكمبيوتر واستمعت معها إلى قطعة موسيقية وأغنية بمناسبة السنة الجديدة 2009، غمرتني السعادة كأنما أجلس مع ابنتي في بيتها في القاهرة، أو كأنما هي تجلس معي في بيتي في أطلانطا.

انكمش حجم الكون، انتصر العلم الحديث على المكان والزمان، في أقل من غمضة عين يحدث الاتصال عبر البحار والمحيطات، الصوت والصورة والحركة وكل شىء، لم يبق إلا الجسد لينتقل أيضاً في لمح البصر، ربما يتحقق هذا أيضاً في المستقبل القريب، حين تصبح مركبات الفضاء ضمن وسائل المواصلات، سرعتها تحسب بحركة الضوء وليست بالدقيقة أو الساعة.

لم أعد أشعر بالبعد عن أي مكان وزمان وإن ابتعدت، لم أعد أشعر بالغربة أو الوحدة، فالشمس هي الشمس، والقمر هو القمر، وصوت العصافير هو صوت العصافير، وصوت ابنتي يأتينى رغم المسافات والبحار والمحيطات، وأهم من كل ذلك أن أكتب كتاباً جديداً، ذكريات حياتي وراء المحيط "أنا أكتب إذن أنا أعيش" أهو ديكارت الذي قال: "أنا أفكر إذن أنا موجود؟ لا يا سيدي لا يكفي أن تفكر لتعيش، لابد لأفكارك أن تخرج إلى الناس عن طريق الكتابة، وإلا فلماذا كتب الآلهة كتبهم وأرسلوها للناس مطبوعة على الورق؟

لولا كتاب الموتى ما عرفنا عن الإله أوزوريس، ولولا كتاب الأناشيد ما عرفنا شيئاً عن الإله إخناتون، ولولا كتاب التوراة ما عرف الناس إله موسى، ولولا كتاب الإنجيل ما عرفنا شيئاً عن إله المسيحية، ولولا كتاب القرآن ما عرف أحد عن إله الإسلام، لولا كتاب الجيتا ما عرف الهنود آلهتهم.

لأني أكتب فأنا لا أعرف الغربة أو الغرابة أو الكآبة أو الفجيعة أو الفضيحة أو غيرها مما يحزن البشر، ومن ماذا يحزن البشر أكثر من هذا؟ امرأة يموت زوجها لماذا تحزن أو امرأة يخونها زوجها مع نساء آخريات لماذا تكتئب؟ أو رجل يدخل السجن أو يرحل إلى المنفى؟ لماذا يشعر بالغربة أو الحزن؟ لماذا لا يبتهج بالتجربة الجديدة، بالحياة المختلفة دون زوج أو أسرة أو وطن؟

الكتابة تجعل الوطن هو كل العالم، تجعل الإنسانية هي الأسرة والوطن، الكتابة هي حياتي وراء الشمس، وأمام الشمس، هي حروفي بقلمي المطبوعة على الورق، تربطني بالناس وتربط الناس بي في كل البلاد بكل اللغات، لهذا أستقبل الصبح الجديد بحب جديد، بأفكار جديدة تنتظر القلم والورق، أحب رائحة أوراقي أكثر من أي عطر.

قال لي زوجي الثاني ذات يوم: أنت تكرهين الجنس! أنت تكرهين الرجال!، قلت له: غير صحيح أنا مثل البشر بكل غرائزهم، ولكني أحب الكتابة أكثر من الجنس والرجال، اندهش الزوج الذي لم يعرف لذة الكتابة وقال: يعني إيه تحبي أكوام الورق ده أكتر من زوجك؟

تصور الرجل أن العيب فيه أو في فحولته لكني شرحت له الأمر دون جدوى، لم يكن خياله قادراً على إدراك حقيقة: أن المرأة لها عقل يفكر، وأن التفكير وحده لا يكفي ليكون الإنسان إنساناً، بل لابد من التعبير، لابد من توصيل الأفكار للناس، وأضفت قائلة: إن ديكارت قال نصف الحقيقة فقط، لا يكفى أن تفكر لتعيش، وانفجر الزوج غاضباً ولعن أبو ديكارت وأبو الشخص المجنون الذي أباح التعليم للنساء!

بعد الطلاق أقسم الرجل ألا يقترب من امرأة تقرأ، فما بال أن تقرأ وتكتب، ثم زوّجته أمة لفتاة من العائلة لا تفك الخط.

ربما تكون هذه مشكلة الكاتبات في العالم أجمع، هنا في أطلانطا لم أتعرف على كاتبة أمريكية سوداء أو بيضاء، إلا وعرفت أنها لم تتزوج أبداً، أو تزوجت عدة مرات وطلقت زوجها بعد فترة، أو أن زوجها ذهب إلى الحرب ولم يعد، أو عاد دون أن تعود إليه، أو أن زوجها مات في حادث ما أو بإرادة إلهية، وأقسمت من بعده ألا تقرب الرجال، لا حباً في زوجها الميت بل كراهية في الأزواج الأحياء.

زميلتي شارلوت، أستاذة الأدب الإنجليزي، تخصصت في أدب فرجينيا وولف، تربطها بها علاقة إعجاب كبيرة، أشبه بالحب، تقول عنها تناسخ الأرواح، أقدمت شارلوت على الانتحار مثل فرجينيا وولف، وفي يوم جاءني زوجها يشكو، أنها لا تحبه وتريد الانفصال عنه، وسألته: هل تظن أنها تحب أحداً غيرك؟ فقال الرجل: يا ريت تحب رجلا آخر، إنها تكره كل الرجال، تكره الجنس كله!

صوته رن في أذني يشبه صوت زوجي السابق، رغم أنه يتكلم الإنجليزية، حاولت أن أشرح له الأمر دون جدوى، كان عاجزاً عن الفهم، كان يتصور مثل أغلب الرجال أن ليس في حياة النساء من شاغل إلا الرجل والسرير، قالت لي شارلوت فيما بعد: مشكلة الرجال واحدة منذ نشوء النظام الأبوي العبودي، يتمركز فكر الرجل في الفالاس، البينيس، إنه الفاليك كالتشر "يعنى الثقافة النابعة من الفالاس، العضو الذكورى الجنسي وليس العقل" يتصور الرجل أن المرأة لا تفكر إلا في الفالاس، تضحى بكل شىء من أجل الفالاس.. يعجز الرجل عن إدارك الحقيقة التاريخية: أن المرأة سبقت الرجل في التطور الإنساني.

شعرت بالجوع ورأيت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء، تذكرت أنني لم آكل منذ الصباح، جلست إلى الكمبيوتر أكتب دون أن أشعر بمرور تسع ساعات، الصبح والظهر والمغرب، مرت وجبات الطعام الثلاث دون أن أتحرك من مكاني، دون أن يقرصني الجوع، إذا تغلبت الكتابة على غريزة الجوع أقوى الغرائز ألا تتغلب على غيرها الأقل إلحاحاً؟

ألهذا حرمت الكنيسة الكتابة على النساء كما قالت شارلوت؟ وقلت لها: أهي الكنيسة وحدها؟ قالت: الكنيسة بدأت وتبعها الآخرون وقلت: أهي الكتابة فقط التي تم تحريمها؟ وقالت شارلوت: حرمت الكنيسة الضحك على النساء، لأن الضحك يعني السعادة، وإن عرفت المرأة السعادة مدت يدها وأكلت من شجرة المعرفة، تذوقت اللذة المحرمة، وبدأت الكتابة، فالمعرفة تقود إلى الكتابة والكتابة تقود إلى المعرفة، أي أن بدل الخطيئة الواحدة خطيئتان.

أعددت لنفسي وجبة خفيفة: شوربة دجاج مع الأرز البني وجبن بني، لم أعد آكل الجبن الأبيض أو الأرز الأبيض، أشترى الفاكهة والخضروات واللحوم والخبز من المحل الأورجانيك، يعني العضوى، يعني الذي يبيع المنتجات الطبيعية العضوية من الحقل وليس المنتجات المصنعة المخلوطة بالكيماويات الضارة، أدفع الثمن مضاعفاً في المحال الأورجانيك لأكتشف بعد مرور الزمن أن الفرق ليس كبيراً بين ما يسمونه أورجانيك وبين غير الأورجانيك، وضحكت شارلوت وقالت: برافوا عليكي أنا اكتشفت الأمر أيضاً لكني لم أتصور أن جشع الرأسمالية وخداعها يصل إلى هذا الحد وإذا كان كبار رجال السياسة يكذبون كل يوم فما بال تجار السوبر ماركت؟

تعودت أن أفتح التليفزيون بينما أتناول الطعام، أتابع الأخبار في أمريكا والعالم، وأتناول وجبتي على مهل مستمتعة بالأكل الذي أعددته بنفسى، ومعه الشاى الإير جراى في الصباح، أو البيرة المثلجة مع الغداء في الصيف، أو كأس من النبيذ الأحمر المعتق مع العشاء في الشتاء، تعلمت كيف أستمتع بالطعام والشراب وكنت لا أعرف لذتهما حين كان الزحام من حولي.. إنها بعض النعم التي تغدقها الوحدة على الإنسان، أن يأكل على مهل يستشعر اللذة، أن يتأمل أخبار العالم بعين لا تتعجل الحكم على الأشياء، ألهذا ارتبط الإبداع بالوحدة والصمت والتأمل العميق غير المتاح في الزحام والضجيج؟

على شاشة التليفزيون، كانت مجموعة من الأطفال يجلسون على شكل الدائرة حول رجل له لحية بيضاء كبيرة يسمونه بابا نويل أوسانتا كلوس أو اسما آخر، وجهه سمين أبيض، عيناه ضيقتان تبربشان مليئتان بالمكر والخديعة والمراوغة، يرمقه الأطفال بقدسية تحجب القدسية عيونهم فلا يرون الكذب في عينيه في مثل عمرهم، لم أكن أرى الكذب في عيون الكبار المقدسين، وإن أحسسته بجسدي على شكل وجع في الصدر وجع غامض في المثلث الأعلى تحت الضلوع، يشبه الغثيان أو الرغبة في البكاء، كأنما دموع متراكمة منذ ولدت في صدرى، داخل الرئة أو في القلب أو في ثنايا المعدة كنت أبتلع الدموع قبل أن يراها أحد من الكبار، رغم الابتسامة على وجهي كنت أشعر بالحزن، دون أن أعرف السبب، أشعر بالخديعة دون أن أدركها بعقلي.


لقد تم تغييب عقلي منذ الطفولة الأولى، لأومن باللامعقول، بأن الشيطان يهمس في أذني بالليل، الملائكة تحوطني وأنا ساجدة فوق الأرض بين يدى الله، لم يكن هناك باب نويل أو سانتا كلوس، ولا هدايا ولا رقص أو غناء.

فوق الشاشة أرى الأطفال يرقصون ويغنون بنات وأولاد، تحظى البنت بهدايا مثل الولد ترقص وتحرك ذراعيها وساقيها في الهواء، منذ التاسعة من عمرى بعد أن أصابني الحيض تجمد جسدي مثل عقلى، أصبحت أمشي بساقين ملتصقتين خوفاً من عيون الرجال، وحماية لأعز ما أملك بين الفخذين، تصورت أن الله لم يخلق الرجال إلا لسبب واحد، أن يتلصصوا في البصبصة إلى أعز ما أملك، رغبة منهم في امتلاكه، ألهذا السبب كنت أضغط بكل قوتب على أعز ما أملك حتى لا يسرقه أحد، حتى وأنا غائبة فب النوم، تصورت أن عيون الرجال يمكن أن تنفذ من تحت عقب الباب.

تتوالى الصور فوق الشاشة، داخل الكنيسة يرتل الرجال والنساء من الكتاب المقدس، صبب صغير يرتدب ملابس القس يحمل مبخرة تتصاعد الأبخرة لتعمي العيون عما يحدث هناك..

دائماً أبخرة في المعابد التي يسمونها بيوت الله، يتخفى الله دائماً وراء عمود من الدخان. في عيني الصبي الصغير حزن عميق صامت عاجز عن التعبير، يرمقه القس العجوز ذو اللحية البيضاء الكثيفة بعيني الذئب، تتلصص العينان الغائرتان تبصبصان نحو الصبي تنتهزان الفرصة لاغتصاب أعز ما يملك لم أعرف في طفولتي أن الولد مثل البنت يملك أعز ما يملك، بين ساقيه حتى كبرت قليلاً وعرفت أن الرجال الكبار يمكن أن ينتهكوا عذرية الولد الصغير مثل البنت الصغيرة، لا تكف الصحف هنا عن كشف أسرار القسسيين في الكنائس، لا يتم الحجر على نشر الفضائح الجنسية بأنواعها المتعددة، المقدس والمدنس سواء بسواء، تربح أجهزة الإعلام من الفضائح أكثر من أي شىء في السوق الحرة.

بدأت الأخبار تتوالى في العالم وفي أمريكا، رجل تنكر في ملابس بابا نويل وأطلق النار على أسرة كاملة كانت تحتفل بالكريسماس، نساء في نيويورك يبعن بويضاتهن في السوق الحرة، البيضة ثمنها عشرة آلاف دولار، عاملة في مطعم فقدت عملها مع الأزمة الاقتصادية، أغلق المطعم أبوابه بسبب قلة الزبائن، لم يعد يذهب إلى المطاعم إلا الأثرياء، تضاعفت أعداد العاطلين والعاطلات لم تجد عاملة المطعم إلا أن تبيع بويضاتها في السوق، يأخذها تجار بنوك أطفال الأنابيب، يبيع الفقراء من الرجال سائلهم المنوي.

كل شىء قابل للبيع في السوق، من الدم إلى الكبد والقلب والكلية والحيوان المنوى، أيضاً يرتفع الثمن وينخفض حسب العرض والطلب، زادت أعداد الفقراء والعاطلين وزادت كميات الأعضاء البشرية والبويضات والحيوانات المنوية في البنوك والمعامل الطبية وانخفض ثمنها، رغم التزايد في ارتفاع كل الأسعار انخفض سعر الإنسان بكل أجزائه خاصة بويضات النساء، قد ينخفض سعر بويضات النساء في المستقبل القريب عن بيض الدجاج.

رأيت على الشاشة صور حرائق وأشلاء بشر تتطاير والأطفال تجرى هنا وهناك والنساء تولول، يقول المذيع الأمريكي إن إسرائيل ترد على اعتداءات حماس، تضرب إسرائيل.. مواقع حماس العسكرية في غزة، وحماس تضرب إسرائيل، يعني أنها الحرب اشتعلت بين حماس وإسرائيل، لكني لا أرى حربًا بين جيشين عسكريين، بل جيش عسكري واحد يضرب الناس في البيوت والشوارع، دبابات تسحق أطفالا ونساء، قنابل تسقط على البيوت فتشتعل النيران في كل مكان، لا أرى جيش حماس، أين قوة حماس العسكرية؟ أين صواريخها النارية؟ لا أرى إلا الأشلاء والدم المراق، امرأة تصرخ: آه يا ولدي.. آه يا كبدي ثم تنطلق في وجهها النيران.

قال المذيع: الرئيس بوش يتابع ما يحدث في غزة، والرئيس المنتخب أوباما يقول للصحافة: مادامت حماس قد اعتدت على إسرائيل فمن حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها!

أغلقت التليفزيون وفتحت الإنترنت، أبحث عن الأخبار في الصحف والإعلام غير الأمريكي، ألم تصل أخبار المعركة في غزة إلى بلادنا؟ المانشيتات تتكلم عن الأزمة الاقتصادية، عن تزايد الفقر والبطالة، عن زيارة أوباما خلال المائة يوم الأولى من حكمه لإحدى البلاد الإسلامية، تتبارى الحكومات العربية والإسلامية في جذب أوباما إلى عاصمتها، يتنافس أصحاب الأقلام في تجميل بلدهم في عين أوباما: تعالى إلى مكة المكرمة يا أوباما فهي أرض الإسلام المقدسة، يحج الملايين من المسلمين إليها كل عام، لا يا أوباما لا تذهب إلى بلد غير ديمقراطي يقهر النساء، تعال إلى القاهرة حيث الديمقراطية وتعدد الأحزاب وحيث الأزهر الشريف أقدم جامعة إسلامية، لا يا أوباما لا تذهب إلى أي بلد عربى، جميع الحكام العرب يتحكمون في شعوبهم بالحديد والنار، بالديكتاتورية الشرسة تحت اسم الديمقراطية، تعال إلى جاكرتا عاصمة أكبر دولة إسلامية تسودها الديمقراطية والتعددية والسوق الحرة وكل شىء تجده في جاكرتا حتى آثار تسونامى التاريخية.


تنشب المعركة بين حملة الأقلام فى البلاد الإسلامية والعربية، تسيل أنهر الحبر بدل الدم المراق في المعارك الحقيقية، تجف الحناجر في الفضائيات العربية، أصبحت زيارة أوباما شرفًا ما بعده شرف، يتحرر البلد من العبودية والفقر ما إن تطأه قدم أوباما، قدمه المقدسة بحذائه الجلدي الثمين ذي البوز المدبب في عين الحاسدين.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن نقرا لك, اذن نحن سعداء
علي ديوان ( 2009 / 1 / 2 - 20:01 )
شكرا لك ولاطلالتك الرائعة من خلال صفحات الحوار المتمدن. وارجو ان لا تحسبي عنوان تعليقي مجاملة سطحية, فربما تجرات واضفت شيئا على ما اتيت به من ضرورات الوجود من خلال التفكير والكتابة, فالقراءة لنوال السعداوي هي من تلك الضرورات, اذ انك تفتحين لنا ابوابا اخرى نطل على العالم من خلالها بعينيك الحاذقتين, ونسترسل التفكير فيها بهدى من فكرك الذي تشحذه السنين توقدا وابداع. ارجو ان لاتبتعدي عنا كثيرا في اطلالاتك, فتحرميننا الكثير من سعادة المعرفة, من لذة القراءة لك. وكل عام وانت بالف الف خير

على ديوان


2 - رائعة
فضيلة يوسف ( 2009 / 1 / 2 - 20:19 )
انت وكتاباتك رائعة دوما خسارة ان تبتعدي عن مصر


3 - اينكي يا نوال
zahira ( 2009 / 1 / 2 - 20:26 )
اشنقت الى كتابتك وتحليلك الجيد الدي يناقش كل شئ بعلمية لا تغيبي نحن بحاجة الى كاتبات متلك وخصوصا في تحليلك لناقشات مواضيع النساء


4 - مرحبا
سعد الخير ( 2009 / 1 / 2 - 20:43 )
القيت عصاك اذن في اطلانطا .يافرحة اطلانطا بك وياخيبة مصر وامة البدو بقدانك يافضية التاج....كل عام وانت متألقه كما انت دائما


5 - الجنس
علاء الهويجل ( 2009 / 1 / 2 - 21:19 )
لا يخفى عليك سيدتي الرائعة ان الجنس غريزة خفية ، ولا يمكن لاحدنا ان يعرف مدى قوة تلك الغريزة عند الاخر الا بطريقتين ,اولاهما ان تمارس الجنس مع ذاك الاخر وحينها تعرف مدى ولعه بالجنس من عدمه ، وثانيهما ان تقرا لذلك الاخر ( خصوصا ان كان كاتبا مميزا ومرموقا مثلك سيدتي ) فحين تجد انه لا يلقي للجنس بالا تعرف انه من الصنف المحسن الذي يعشق الكتابة والابداع اكثر من اي شيء اخر، اما اذا وجدت في مقالة واحدة له (قال لي زوجي الثاني ذات يوم: أنت تكرهين الجنس.. إنها تكره كل الرجال، تكره الجنس كله.. يتمركز فكر الرجل في الفالاس، البينيس.. إذا تغلبت الكتابة على غريزة الجوع أقوى الغرائز ألا تتغلب على غيرها الأقل إلحاحاً؟...منذ التاسعة من عمرى بعد أن أصابني الحيض تجمد جسدي مثل عقلى، أصبحت أمشي بساقين ملتصقتين خوفاً من عيون الرجال، وحماية لأعز ما أملك بين الفخذين،...تتلصص العينان الغائرتان تبصبصان نحو الصبي تنتهزان الفرصة لاغتصاب أعز ما يملك لم أعرف في طفولتي أن الولد مثل البنت يملك أعز ما يملك، بين ساقيه... كل شىء قابل للبيع في السوق، من الدم إلى الكبد والقلب والكلية والحيوان المنوى) اقول حينها فقط تعرف ان الاخر ............
سيدتي انحني لك وارفع قبعتي واقدر عاليا خروجك عن المالوف البغيض في مجتمعاتنا ا


6 - Welcome Home
Red W ( 2009 / 1 / 2 - 22:52 )
I am certian that many of Modern Discussion readers will join me in welcoming Dr Nawal El Saadawi -home- here in Modern Discussion, and may you, Dr El Saadawi, continue to enrich our lives with your contribution in this great Forum


7 - ام ا لوجبات
مازن ( 2009 / 1 / 2 - 22:58 )
ان هذا السرد الجميل وهذه الوجبه اللذيذه العامره بكل شى والتى تحتوى على اصناف الافطار والغداء والعشاء لابد لها الى ان تمتمع وتشبع كل من يعانى من جوع فكرى


8 - فعلا العزلة ضرورية
عاشور الناجى ( 2009 / 1 / 2 - 23:14 )
د. نوال السعداوى تاريخ حافل من التحدى والتمرد والتساؤل والبحث عن الذات والتطلع للأفضل - يشبهها فى عالم الكتاب من الرجال الراحل سلامة موسى .. كان له نفس النكهة - ومن هذا المقال بالذات استخلصت نتيجة تهمنى شخصيا وهى أن العزلة عامل مهم من عوامل الإبداع .. وبالفعل فتاريخ الابداع يؤيد تلك الحقيقة .. فقلما يتعايش المبدع مع جو الأسرة المشحون بالصخب والمسئوليات (ولو ان محمد عبد الوهاب ورياض السنباطى كانوا متجوزين وعندهم عيال كتير وسلامة موسى كان مخلف مدرسة !!) - أما عامل المكان فله أيضا تأثير عميق - فشتان بين من يكتب فى زحام البشر وبين من يعيش فى بيت تحوطه الطبيعة الخلابة والتحضر والنقاء النفسى والذهنى كأغلب الأماكن فى الولايات الأمريكية .. وأخيرا - هذه هى الدنيا يا نوال .. وكانت تلك رحلتك فيها منذ ثلاثينيات القرن الماضى وحتى الآن - فهل أنت راضية عما صنعتيه فيها ؟ ولو أتيحت لك فرصة العيش من جديد فهل تكررين نفس السيناريو ؟
عاشور الناجى


9 - طال عمرك
أبو ريزان ( 2009 / 1 / 2 - 23:39 )
أنا أقولها بالعراقى
عاش فكرك النير و قلمك شوكة فى عيون الرجعية


10 - لماذا...يا...شاكر الناصري!!!!؟؟؟؟
سلام العماري ( 2009 / 1 / 3 - 04:10 )
كتبت تعليق ولم تنشره.لماذا هذه الازدواجيه اليساريه جدا..لم اسئ بل همس في إذن نوال.
ارجوا تحرير التعليق من الاعتقال.


11 - تعلیق
معتصم ( 2009 / 1 / 3 - 05:33 )
احیکی من کول اعماقی ،یا اروعه‌ کاتبه‌ فی عصرنا الحدیث،واتمنا ان یطوله‌ عمرک لتکتبی للعالم اکثر،،معتصم


12 - أنا مفتون بآراء نوال السعداوى ... إذا أنا مهزوز!!
محمد الشهابى ( 2009 / 1 / 3 - 06:12 )
أنا لن أعلق على هذه الخواطر , فهى لاتحمل أى فكر جديد فأفكارك قديمة بالية مثلها مثل أفكار وفاء سلطان أفكارا تصدر كفرمانات تعتقد صاحبتها بأنها توصلت للمعنى الحقيقى للسعادة وتطالب الجميع بأن يحذو حذوها ولما لا وهى الأستاذ الدكتور العلامة ال... هذه النرجسية التى تفوح من خلال كلماتك لا تنطلى إلا على الإنسان الخاوى المهتز الذى يتأرجح بين الأفكار والمعتقدات فيوما نجده يسارى وآخر يمينى ويوما رأسمالى وآخر إشتراكى ويوما يذهب إلى الكنيسة وغدا ملحدا .. وهكذا هذه النوعية من القراء هم من ينبهرون بأرائك لأنهم يجدوا فيها الغوص فى أعماق الرمال فلا يستطيعون رؤية الحقيقة الظاهرة والواضحة أمامهم , فهنيئا لك بعقلك وهنيئا لك بمعجبيك المهتزين...


13 - يا خسارة يا مصر
وائل إلياس ( 2009 / 1 / 3 - 06:42 )
أمريكا ترحب بك يا ملكة مثقفات العرب


14 - نحن سعداء
طالب العراقي ( 2009 / 1 / 3 - 08:05 )
سعدت جدا بمرورك الكربم في هذا المقال...وزاد من سعدي انك كما انت نفس الفكر الحر المتقد الناقد الناصح...مهما كبرت في عيوني انت انت...بنت الثمانبنات وان زحف الثلج على خصلات شعرك حتى غطاها عن اخرها....احتفظ بالكثيرمن مؤلفاتك وبين الفينة والفينة تراني اقلب هذا او ذلك..واستعيد بذاكرتي مشوارك الطويل والصعب والقاسي......تحياتي لك واهديك اغنية فيروز...
يسعد صباحك ياحلو.....سلامي


15 - نحتاجك جدا
عبد العالي الحراكa ( 2009 / 1 / 3 - 10:39 )
نحتاجك جدا نحن الرجال المتخلفين واحيل مقالتك هذه الى الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف كي يراجع مقالته ليوم امس وليهجر كآبته وشعوره بفقدان الوطن وفقدان المنفى ان الانسان الكبير مثل نوال السعداوي وسعدي يوسف لا وطن لهم ولا هم منفيون هم موجودون بين البشر لا تحجزهم حواجز ولا تبعدهم مسافات ولكن لا تزعلوا علينا نحن المتخلفون امنوا علينا بكتاباتكم وافتحوا لنا ابواب الامل وادعوك يا سعدي يوسف ان تكون كنوال وان تعود الينا ولا تقول( لم يعد العراق وطني) وشكرا للاستاذة الكبيرة نوال السعداوي وبؤسا لمن ابعدها عن مصر وهي ليست بعيدة عنا.


16 - افتقدت كتاباتك الشيقة
IMAN ( 2009 / 1 / 3 - 11:19 )
كل ما استطيع قوله انك اجمل شي في حياتي ومنذ اول يوم قرات لك وانا عرفت الطربق الى ذاتي


17 - الفكر الجميل يصل دائما الى القلب
khawla alnashie ( 2009 / 1 / 3 - 11:54 )
لاتغيبي عنا فكلماتك تصل من الفكر الى القلب.... من كاتبة عراقية تحب الكتابة مثلك الدكتورة خولة الرومي الناشيء


18 - طال عمرك
أبو ريزان ( 2009 / 1 / 3 - 12:01 )
انا أقولها بالعراقى
عاش فكرك النير و عاش قلمك شوكة فى عيون الرجعيين


19 - ايتها العالية كنخلة عراقية !!
سندس سالم النجار ( 2009 / 1 / 3 - 18:19 )
ايتها العالية كنخلة عراقية !!
وانا اقرا مقالك ِ سيدتي ، فوجئت بانني امام ملحمة عظيمة وهي تختزل تاريخ البشرية وبحر الحياة اللّجي بامواجه المتلاطمة ..
وانا اتابع افكارك البليغة الرشيقة مولاتي ، فاحس بالفعل انني اتابع افكار انسانة تحرك التاريخ باناملها الاسطورية يمينا ويسارا ، شرقا وغربا ، وبحركات جريئة نورانية لا يجيدها الا ذي العقول النيرة ..
عندما اشاهدك من على شاشة التلفاز ، وانت تتحدثين وتصرخين وتصارعين وتعاندين بكل شموخ وكبرياء وثقة لا متناهية كمحيط من العلوم لا ينضب ولا يخف ، قسما ًُ تستبق الدموع الى عيني بصورة لا ارادية وليس بما اقول محاباة او مبالغة ، حيث انني اشعر بانني استمد منك قوتي وارادتي للاصرار على العزم الصادق باسلحة كبريائك وعزمك وعظمتك الى خوض معركة المصير على الهمم الخامدة والعقول المتبلدة الجامدة ..
ايتها المراةالمثالية !
عندما عرفتك تغيرت حياتي ،
يا صاحبة الامتياز !
يا رمز الانسان وسلاح المراة !
ايتها المناضلة المنتجة المبدعة !
احييك منحنية بقامتي امام عظمتك
يا ايتها العالية كنخلة عراقية...
سندس سالم النجار


20 - تعليق
ممم ( 2009 / 1 / 3 - 19:11 )
كل ما اود قوله يا عزيزتي انه لا ترمى بالحجارة الا الشجرة المثمرة . قدرك انك خلقت في بلد لايقدر الكفاءات ولا الادمغة الجبارة التي لو اتيح لها لغيرت الكثير من القيم البالية التي لا نزال نعيش عليها في الدول الاسلامية المتخلفة . خسارة كبيرة ان تكوني خارج مصر و ان لاتهتم الفضائيات بنشر افكارك و ارائك في الوقت الذي يحتل شيوخ التخلف معظم الفضائيات بكلام
يجترونه منذ قرون طويلة .فنحن في غياب امثالك اصبحنا امة ضحكت من جهلها الامم. اتمنى لك التوفيق و اتوق للقراءة لك دائما على الحوار المتمدن الرائع

اخر الافلام

.. من لاجئات إلى نازحات في الشوارع النساء السوريات تحت وطأة


.. أمل حبيب توثق يوميات الإبادة عبر مقاطع مرئية




.. ناشطة مغربية هناك أصوات لا تؤيد تغيير القوانين


.. ذكرى المؤامرة الدولية... المطالبات بالإفراج عن القائد أوجلان




.. -القائد أوجلان يُعتبر رمزاً للحرية والمقاومة-