الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البقية.. في المجزرة القادمة

سعد الشديدي

2009 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خمسة أيام بلياليها وغزة ترقد تحت ظلال الطائرات الحربية وتتلقى أطنان القنابل التي تهدمُ البيوت على ساكنيها وتحرقُ البشرَ وجدران الجفصين وتترك نُدباً غائرةً في أسفلتِ الشوارع. عدد القتلى سيدخل في دائرة الـ 400 قتيل، والجرحى أكثر من ألفين بعضهم سيكون خلال الأيام القادمة في عداد القتلى لخطورة جراحهم. المستشفيات لم تعد تكفي لتلّقي الجرحى، وثلاجات حفظ الجثث تحولت الى قبور مؤقته. صور النساء والأطفال المتراكضين بين الشوارع والأزقة، وملامح الرعب المرتسمة على وجوهم المدماة في أكثر الأحيانً تُعرض تباعاً على شاشات التلفزيون والصفحات الأولى للصحف والمجلات ليس في عالمنا العربي فحسب بل في كل مكان. نعم.. في كل مكان.
تلك الصور تذكرنا بصور العراقيين خلال حرب الكويت في بداية 1991. وتعيدنا الى المنازل التي إنهارت على رؤوس ساكنيها، والمدارس التي أحترقت والجثث التي تفحمّت في ملجأ العامرية. وأيضاً بالقيادات "التاريخية" التي أختفت تحت الأرض وأكتفت بإرسال أشرطة فيديو تعرضها محطة التلفزيون الحكومية - أو ما تبقى منها على أية حال - لتُطمئنَ الجماهير بأن القيادة مازالت صامدة "في مخابئها".
هذا الحال شبيهٌ بذاك. والفرق هو فقط في كمية القنابل التي تلقيها الطائرات وعدد القتلى وبعدم بث أية أشرطة فيديو لقيادات حماس التي لم تبرح مخابئها حتى لحظة كتابة هذه السطور.
ولا ندري أين ذهبت القيادات الحمساوية تاركةً ورائها المدنيين ليدفعوا فاتورة القرارات التي أخذتها القيادة. لامجال هنا لنناقش خطأ تلك القرارات من صوابها. ولاوقتَ لنعيد الأسطوانة المشروخة عن شرعية حكومة حماس أو عدمه. فالشعب الفلسطيني أنتخب حماس فعلاً في إنتخابات حرة ونزيهة ولكن ليس هنا مربط الفرس.
السؤال الذي يدور في أذهاننا هذه اللحظة هو إن كانت قرارات إطلاق صواريخ القسام ،التي لم تسبب حتى الآن سوى جرح مشاعر الأسرائيليين وكبريائهم أكثر مما سببت لهم من خسائر بشرية ومادية، هي قرارات تمّ إتخاذها عن وعي وإن كان جرى التحضير بشكل واقعي وممنهج لعواقب تلك "الغزوات" الصاروخية ؟
هناك من يقول "بأن حماس تريد إستكمال المسلسل الذي بدأه حزب الله اللبناني في حرب تموز 2006. وتحقيق نصر يكون حلقةً جديدةً من حلقات انتصارات المقاومة الإسلامية لفرض الأمر الواقع على العدو الصهيوني وحلفائه من الفلسطينين والعرب". ولكن الواقع يقول شيئاً آخرا. فغزة ليست لبنان المحاطة بسوريا المتحالفة مع أيران والقادرة، دوماً ومهما كانت الظروف، على فتح خطوط إمداد لتعويض خسائر المقاومة اللبنانية. إذ أن غزة محاصرة من جميع الجهات سوى جهة البحر، وبعض الأنفاق الممتدة من الأراضي المصرية والتي لم تكن كافية حتى لتهريب القليل من الأدوية والسلع الأستهلاكية لتخفيف آثار الحصار الأقتصادي المفروض منذ أشهر على مواطني غزة الجياع. فلا يمكن لحماس أنتظار فتح خطوط إمداد ولا وصول مساعدات لوجستية ولامتطوعين من العرب والأجانب.
أما ترسانة حماس من الأسلحة فلايمكن مقارنتها على الإطلاق بتلك التي يحتفظ بها حزب الله اللبناني في مخازنه والتي أتضح خلال أيام الحرب بأنها كانت تحتوي على أسلحة أوجعت أسرائيل وسببت خللاً ملحوظاً في الجبهة الداخلية الأسرائيلية. الأمر الذي كان سبباً في تحقيق توازن ما في ساحة الحرب بين الطرفين، ربما للمرة الأولى في تاريخ الحروب العربية الأسرائيلية، وجعل حزب الله وأنصاره يعلنون بعد ذلك أنتصارهم الإلاهي الذي أحتفلوا به أيّما إحتفال في مناطق بيروت التي كانت هدفاً سهلاً لصواريخ الطائرات الأسرائيلية إيام الحرب.
فهل ستستطيع حماس بصواريخ القسام – التي نعرف جميعاً وبعيداً عن لغة المشاعر والهتاف غير المجدي- بأنها صواريخ بدائية أن تحقق ذلك التوازن الذي نجح حزب الله اللبناني بتحقيقه في حرب تموز 2006؟
الأجابة على هذا السؤال مهمة للغاية. فإذا كانت حماس لا تمتلك القدرة على تحقيق هذا الهدف بمفردها فذلك يعني خسارةً ليس لحماس وحدها بل لجميع حلفائها وأولهم حزب الله اللبناني. ذلك أن بعض الأصوات بدأت تتعالى في اليومين الأخيرين بأن الشارع العربي ينتظر دخول حزب الله وبقوة لمد يدّ العون لحماس ولمواطني غزة، بأن يبدأ حرباً على طول خط المواجهة بين لبنان وأسرائيل. الأمر الذي يعني مأزقاً حقيقياً لحزب الله اللبناني الذي أصبح الآن مرتبطاً بمعادلة سياسية داخلية صعبة قد لاتؤهله للقيام بدور كهذا. فهل سيدخل حزب الله الحرب الى جانب حماس ويعرض مكاسبه السياسية والعسكرية على الأرض اللبنانية للخطر أم أنه سيمارس دور المتفرج الجالس على التل ويخسر مكانته التي حاز عليها في قلوب الجماهير العربية كمخّلص ومنقذ للأمة؟
في الحالتين فإن القنابل تتساقط كالمطر في إنشودة جنائزية على رؤوس المدنيين في المنازل والشوارع والجامعات والمقاهي في غزة كما كانت تفعل في لبنان عام 2006 وقبل ذلك بسنوات في بغداد وبقية المدن العراقية عام 1991. فالدخول في حرب.. أية حرب، مسألة سهلة. أما ما يجري بعد ذلك فهو مانراه الآن على شاشات التلفزيون وكل مجزرة وأنتم بخير.


[email protected]
المدونة الشخصية
http://alshadidi.blogspot.com









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني