الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق دولة المحاصصة الطائفية

طلال احمد سعيد

2009 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما كانت المعارضة العراقية تمارس نشاطها ضد نظام صدام حسين قبل عام 2003 , لم تكن تلك المعارضة تتصف بأي طابع طائفي اوديني او قومي وقد تجلى ذلك عبر مؤتمراتها التي عقدت في صلاح الدين وفيينا ولندن , وكل تلك النشاطات طبعا جرت خارج الرقعه التي يسيطر عليها النظام السابق ولم يكن التجاوب الوطني العراقي في الداخل مع تلك المعارضة مستندا الى اي شكل من اشكال التعصب و الانحياز , انما كان يعبر عن رغبه حقيقية لتغيير النظام الاستبدادي القائم انذاك وتخليص العراق من الحالة المزرية التي وصل اليها , والتي كانت بالتاكيد حصيلة لاخفاقات النظام واندفاعه عبرمغامرات وحروب غير محسوبة .
بعد السقوط كان من الطبيعي ان يواجه الشعب العراقي فراغا سياسيا كبيرا والذي هو نتيجة محتمه للوضع الذي عاناه طيلة عقود , وبناءا عليه فقد اندفع الناس للبحث عن تحصينات قديمه عفا عنها الزمن , مثل الانتماء الى القبيلة او العشيرة او الدين او الطائفة او غيرها , مقابل ذلك فان قوى المعارضة التي دخلت مع القوات الامريكية لم تملك القدرة على مليء الفراغ لانها لم تكن احزابا ديمقراطية وعلمانيه ذات برامج واجندات واضحة ومعلنه , ولم تكن ذات جذور متينه تربطها بارض الوطن وظهرت بمستوى غير مؤهل لقيادة هذا الشعب وغير قادر على امتصاص هوس الشارع والفوضى التي انتشرت في طول البلاد وعرضها . اثناء ذلك بدأت الولايات المتحدة مبكرا بتطبيق مشروعها الديمقراطي بطريقة الوصفة الجاهزة , وكانت الخطيئة الكبرى الاولى هي بتشكيل مجلس الحكم وذلك في شهر تموز 2003 وعلى اسس طائفية ومذهبيه وقومية , وهذه السرعه في تشكيل مجلس الحكم بالطريقه التي جرت لم تساعد القوى السياسية للوسط الديمقراطي و القوى العلمانيه لان تمارس نشاطها وتحتل مركزها الطبيعي في قيادة المسيرة السياسية في البلاد . وكانت نتيجة المشروع الاميركي ان سيطرت التيارات الدينيه وعلى اسس طائفية وقومية وكانت الحصيلة النهائية محاصصة طائفية وقومية سادت البلاد واصبحت شكلا مميزا لنظام الحكم فيه .
العملية السياسية الان ترتكزكليا على هذا النظام (نظام المحاصصة ) الذي لم يشهد له العراق مثيلا وهو يقف وراء التعثر الكبير في المسيرة السياسية , وكذلك يقف وراء انتشار الفساد المالي و الاداري على المستوى العام .
القيادات الثلاث التي تمثل السلطة في العراق تمثل قمة المحاصصة الطائفية , فمجلس الرئاسة مشكل من مثلث كردي وعربي شيعي وعربي سني , ومجلس الوزاء برئاسة عربي شيعي ونائبين احدهما عربي سني والاخر كردي , واعضاء مجلس الوزراء موزعون وفق نفس المباديء ولاعلاقة للتشكيلة الوزراية بمسألة التكنوقراط او ذوي الكفاءات الخاصة , ومجلس النواب يرأسه عربي سني سلفي يعاونه عربي شيعي وكردي , وسبق ان اعلن ان هذه المناصب تقررت وفق حزمة واحدة وصفقه واحدة متوازنه بين ممثلي الطوائف .
رئيس مجلس النواب الدكتور محمود المشهداني قدم استقالته من رئاسة المجلس قبل اسبوعين , والمشهداني لايملك مؤهلات واضحة ليشغل مثل هذا المنصب الخطير , المؤهل الوحيد الذي يحمله الدكتور المشهداني هو انه يمثل جبهه التوافق وهو عربي سني ومن الواضح انه احتل هذا الموقع تنفيذا لمبدا المحاصصة , والغريب في الامر ان جبهه التوافق الذي يمثلها الدكتور المشهداني كانت على رأس المطالبين بأبعادة عن ذلك المنصب , وقد اتهم المشهداني الحزب الاسلامي الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي بالتآمر عليه لاقالته من منصة لانه تمرد على الطائفية ؟؟ ويؤكد المشهداني انه تمرد على الطائفية لخدمه العراق واكد انه فرض على رئاسة البرلمان بسبب المحاصصة وقد عمل ( والكلام للمشهداني ) من اليوم الاول على الخروج من تحت عباءة الطائفية وكسر ذلك الطوق الا ان مواقفه لم تنسجم مع التركيبة المقررة لادارة شؤون البلاد .
على اثر استقالة رئيس مجلس النواب من منصبة اعلنت جهات برلمانيه ان هذه الرئاسة من حصة جبهه التوافق حصرا , وهذا الاعلان يثبت بما لايقبل الشك ان نظام المحاصصة اصبح امرا مفروغا منه ويجري العمل به على قدم وساق وان العراق ماض في هذا الطريق , ومما تجدر الاشارة اليه انه لايوجد اي سند قانوني او دستوري لفرض مرشح معين لرئاسة مجلس النواب من ايه كتله سياسية او دينيه او طائفية او قوميه , وكل ما في الامر هو ان المرشح يجب ان يحصل على (178) صوتا بموجب القانون وهذه الاصوات يمكن ان ينالها اي نائب استنادا الى توافقات سياسية وطنيه وليس توافقات طائفية او قوميه .
الحقيقة التي يجب ان نشير اليها هنا ان جبهه التوافق التي كان يمثلها رئيس المجلس المستقيل , هذه الجبهه تعرضت الى انشقاق كبير اثر انسحاب مجلس الحوار وكتله المستقلين من تلك الجبهه ولم يتبقى فيها سوى مؤتمر اهل العراق والحزب الاسلامي برئاسة السيد نائب رئيس الجمهورية , ومع ذلك فأن المتبقين في هذه الجبهه يصرون على ان رئاسة المجلس هي من حصتهم وهذا المشهد يؤكد ان العملية السياسية في العراق انما هي واجهه لديمقراطية مشوهه وليست حقيقية , فالديمقراطية هي مجموعه افكار ومباديء عن الحرية , والحرية هنا تتكون عبر ممارسات واجراءات تؤطر العملية السياسية باعتبارها القالب المؤسساتي لها.
عندما نترجم هذا المفهوم هنا وفيما يخص انتخاب رئيس مجلس النواب او ايه رئاسة اخرى يجب ان نقر ان تلك الانتخابات ينبغي ان تجري وفق ممارسات في اطار الحرية المطلقة , وليس عن طريق حصة مقررة لهذه الجهه او تلك , والملاحظ ان هذا الموضوع اثار مسألة في غاية الاهمية حيث يطالب البعض بأعادة النظر في كل الرئاسات من خلال العملية السياسية العراقية المبنيه على اسس المحاصصة وهذا بحد ذاته تحرك في الاتجاه الصحيح غير ان الاخذ به في هذه المرحلة امر في غاية الصعوبة وان هذه الاهداف يمكن ان تتحقق في ضوء نتائج العملية الانتخابية التي ستجري نهاية العام الحالي .
في الولايات المتحدة الامريكية فاز بأنتخابات الرئاسة شخص اسود من اصول افريقية وهذا لم يكن ليحصل قبل 50 او 20 سنه الا انه حصل الان وقام الشعب الاميركي بانتخاب السيد اوباما بالاكثرية , وجاءت هذه النتيجة بسبب عمق الممارسة الديمقراطية الاميركية التي تقولبت عبر سنين من خلال استيعاب الافكار الاساسية لحقوق الانسان والمساواة امام القانون , وان اي شخص يمكن ان يتقدم الصفوف اذا كان يملك المؤهلات التي ترشحه لخدمة الشعب والوطن , ويتوضح يوما بعد يوم بأن عمق وعي المواطن وادراكة لاهمية العملية الانتخابيه لما تلعبه في مسيرة البلاد المستقبلية , هذا الادراك يمكن ان يدفع الناخب العراقي لاختيار الممثلين الحقيقين القادرين على قيادة العراق بعيدا عن التيارات السائدة في الوقت الحاظر والمسيطرة على المشهد السياسي برمته .
[email protected]










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah