الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيديولوجيا الإعجاز العلمي في القرآن و السنة : نشر الخرافات لقتل الروح العلمية في الفكر العربي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أصبح من بين الأمور البديهية خلال السنوات الأخيرة في الفكر العربي ؛ الحديث في موضوع يسمى (الإعجاز العلمي في القرآن و السنة ) ؛ بل و قد ظهر متخصصون في هذا المجال ؛ ينشرون مؤلفاتهم؛ و يقيمون محاضرات و ندوات ؛ تنشر أعمالها مجلات و صحف و قنوات تلفزيونية ؛ و الويل كل الويل لمن انتقد هؤلاء (العلماء )؛ أو شكك في ما ينشرون ؛ فهو كافر؛ زنديق ؛ مباح دمه ... إلى غير ذلك من الترهات التي لا تليق بإنسان متحضر بله العالم المنظر .
لكن دعنا نعرض لهذا المفهوم من منظور منهجي ؛ لا يتحامل و لا يحابي ؛ بل يحلل الظاهرة عبر تناول مكوناتها ؛ و كذلكك تكونها ضمن مجال فكري ؛ اجتماعي ؛ سياسي ... عام .
إنه من بين الأمور المعروفة في مجال البحث العلمي ؛ هو أنه يقوم على أسس و مقومات واضحة ؛ لا يمكن للباحث دون اعتمادها أن يخلص إلى نتائج علمية ؛ و لعل أبرزها ما يسمى بخطوات المنهج العلمي ؛ التي تشتمل : الملاحظة ؛ الفرضية ؛ التجربة ؛ الاستنتاج .
أي إن الباحث العلمي ؛ يلاحظ ظاهرة ما (ترتبط بمجال الفيزياء أو البيولوجيا أو الطب ...) و يفترض مجموعة من الفرضيات اعتمادا على تخصصه العلمي ؛ لكن هذه الفرضيات لا ترقى إلى مجال النظرية العلمية ؛ إلا بعد اختبارها ؛ و الاختبار هنا يتخذ طبيعة مختبرية ؛ تقوم على الأسس العلمية التي ينتمي إليها الموضوع المبحوث فيه ؛ و بعد الاختبار يستخلص الباحث العلمي النتائج (الاستنتاج) ؛ التي تصبح ملكا مشاعا ؛ تستفيد منه البشرية في الأخير.
و كما نلاحظ فالممارسة العلمية ؛ هي ممارسة تجريبية تقوم على المنهج العلمي ؛ و النتائج التي تخلص إليها في أي مجال معرفي ؛ تخضع لخطوات منهجية واضحة ؛ ترتبط بالبحث المختبري .
لكن دعنا ننتقل إلى موضوع الدين ؛ الذي يرتبط بالإيمان في مقابل التجريب الخاضع للأسس العلمية ؛ ففي مجال الدين نجد رجل الدين ( الفقيه ؛ المفسر ؛ المحدث...) ؛ و كل هؤلاء ينطلقون من نصوص واضحة سواء في مجال العقيدة أو في مجال الشريعة ؛ أما في مجال البحث العلمي ؛ فإننا نجد الباحث العلمي ؛ الذي لا يمتلك نصوصا و لا قضايا يجزم بأنها صحيحة ؛ بقدر ما يمتلك أدوات منهجية ؛ يخضع من خلالها مجموعة من الظواهر الطبيعية للافتراض و التجريب ؛ و هو لا يمتلك حقائق مسبقة بقدر ما أنه يبني هذه الحقائق بناء علميا.
اعتمادا على هذه المقدمات المنطقية الواضحة ؛ يمكن أن نتساءل مع قرائنا الكرام : هل يمكن للدين الذي ينبني على الإيمان والحقائق المطلقة ؛ أن يندمج مع العلم ؛ الذي يخضع للمنهج العلمي ؛ و يتميز بالنسبية ؛ أي بالتطور؛ اعتمادا على مجموعة من القطائع الابستمولوجية – بتعبير كاستون باشلار- ؟
هل يمكن أن نعرض مجموعة من القضايا الدينية – و العقدية خصوصا- للمنهج العلمي ؛ من قبيل وجود الله و الملائكة و الجن ؟ و في نفس الآن هل يمكن أن نبني نظريات علمية اعتمادا على الإيمان في غياب البحث المختبري ؟
هل يقبل المسلمون ربط مجموعة من القضايا الدينية ؛ بنظريات علمية تخضع للسيرورة و التطور ؟
كلها أسئلة ؛ و غيرها كثير ؛ لا نتوخى من طرحها إلا عرض هذه القضية التي أصبحت من المسلمات على طاولة النقاش ؛ من دون إصدار أحكام قيمة ؛ سواء لـتاييدها أو لدحضها ؛ لأن ثقتنا كبيرة في المتلقي على الوصول إلى الحكم المناسب .
و في هذا الإطار لا بأس أن ننتقل بقارئنا الكريم إلى مجال أوسع ؛ حتى نتمكن من بناء خلاصاتنا ؛ و هو مجال خصب ؛ يرتبط بالفكر العربي الإسلامي في عهود ازدهاره ؛ على مستوى العلوم الطبيعية ؛ و كذلك على مستوى العلوم الدينية . بحيث لا يمكننا أن نعثر على أي ربط بين العلم و الدين ؛ من منطلق الآية ( و ما فرطنا في الكتاب من شيء) ؛ لأن علماءنا الأجلاء كانوا على معرفة تامة بأن القرآن كتاب دين و ليس كتاب علم ؛ و أن الله لم يفرط في الكتاب من شيء مرتبط بمجال االدين ؛ و ليس بمجال العلم أو السياسة.
و لعل المطلع على كتابات ابن رشد و ابن سينا و ابن زهر في الطب ؛ و الخوارزمي في الرياضيات ؛ و غير هؤلاء في ميادين علمية أخرى ؛ لا يقف على مفهوم الإعجاز العلمي في القرآن و السنة ؛ بل يقف على منهج علمي ؛ و على مصطلحات علمية ؛ ترتبط بمجال الطب أو الرياضيات ... و هذا لا يعني أن هؤلاء لم يكونوا على معرفة بالدين ؛ بل كانوا علماء دين كبار ؛ تركوا لنا كتب رائدة في هذا المجال ؛ و نمثل بابن رشد ؛ الذي كان – بالإضافة إلى كونه طبيب- فقيها و قاضيا و فيلسوفا .
لكن تفسير ذلك ؛ هو أن هؤلاء كانوا ينتمون إلى مرحلة ؛ عرف خلالها الفكر العربي ازدهارا على جميع المستويات ؛ بحيث كانت اللغة العربية هي لغة العلم ؛ في كل جامعات العالم ؛ و بالتالي كان لهؤلاء العلماء القدرة المعرفية و المنهجية ؛ كي يبحثوا في مواضيع كثيرة ؛ من دون الوقوع في الخلط ؛ بالإضافة إلى أنهم كانوا قبلة العالم على المستوى العلمي ؛ و لذلك فإنهم لم يسعوا إلى تغطية ضعفهم في هذا المجال .
و خلاف ذلك تماما ؛ نجد العرب المسلمين اليوم يعيشون أسوا مراحلهم التاريخية ؛ فجميع التقارير الدولية تصنفهم في المراتب الأخيرة ؛ و خصوصا على مستوى البحث العلمي ؛ الذي لا يأخذ من ميزانيات الدول العربية مجتمعة ؛ ما يأخذه من ميزانية دولة صغيرة ؛ و حديثة التأسيس مثل إسرائيل .
لكن هل يمكن أن نغطي هذا الضعف بالعودة إلى الكتاب و السنة ؛ لاستخراج النظريات العلمية ؛ و تأسيس أكاديميات كبيرة ؛ كي نثبت أن النظريات التي يستخلصها الغرب في مختبراته موجودة في القرآن و السنة ؟
و ما هي المنفعة التي يجنيها المواطن العربي ؛ من هذه المجهودات المبذولة ؛ و هو يستورد كل المنتجات من الغرب ؛ و يدرس نظريات الغرب العلمية ؟
و هل يمكن المساهمة في بناء الصرح العلمي الحديث عبر تأصيل نظريات الغرب ؛ من خلال ربطها بآيات قرآنية و أحاديث نبوية ؛ في العقيدة أو التشريع ؟
إن حاجة المواطن العربي اليوم ماسة إلى جامعات و معاهد علمية ؛ تساهم في البحث العلمي من منظور المنهج العلمي ؛ للمساهمة في تنمية مجتمعاتنا من جهة ؛ و تكريس دور العرب في العالم ؛ كأصحاب نظريات علمية ؛ تنتجها معاهد و جامعات معترف بها. أما أن نستغل أموال البترول في تكريس الجهل السائد بالعلم و الدين على السواء؛ و ممارسة التجهيل الممنهج على المواطن العربي ؛ و قتل طاقاته في الإبداع العلمي ؛ و الاجتهاد الديني ؛ فهذا ما لن تغفره لنا الأجيال القادمة .















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لقد أصبت
شامل عبد العزيز ( 2009 / 1 / 9 - 20:26 )
تحياتي سيدي الفاضل. يقول الشاطبي في كتابه الموافقات بما معناه ان كل من يحاول جعل القران يغوص في العلم والطب والكيمياء والفيزياء فهو قد شذ عن الصواب انما جاءت تعاليم القران في مجالها الديني فقط لاغير ولكن ماذا تقول لهولاء المفلسين الذين قد خسروا كل شي ويحاولون من فشلهم ادعاء الاعجاز العلمي
شكراً جزيلا اتمنى لك المزيد


2 - make a living
gabrial ( 2009 / 1 / 10 - 03:49 )
The problem with those people, Mr Jandari is that if they don;t bring up those issues in qoran they will lose their jobs what do you think Dr zaglool albahlool will do if he quits he has been paid million of dollars from saodi arabia to spread this belief to illiterate people.


3 - اختراعات
التلسكوب ( 2009 / 1 / 10 - 10:28 )
يدعي مروجو الاعجاز العلمي في القران والسنة من امثال زغلول البهلول ان كافة النظريات العلمية موجودة فيهما .فاذا كان ذلك صحيحا فمن الاجدر ان يكون المسلمون اوائل من يخترع ويكتشف ولا يدع ذلك لمن يسمونهم بالكفار .


4 - أسئلة صريحة
سوري 2 ( 2009 / 1 / 10 - 12:21 )
نعم يا أستاذ ادريس ، إن كل تساؤلاتك في مكانها الصحيح ، لكن للأسف طالما يوجد لدى رعاع المسلمين أغبياء مثل زغلول النجار، فإنك كمن ينفخ في قربة (مبخوشة )، وعذراً للكلمة العامية.

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض