الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كابوس

مصباح الحق

2009 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تصببت عرقاً عندما انتهى الكابوس الذي انتابني، وكلي أمل ألا تتعرضوا لهذه الثواني الحرجة في حياتكم. رأيت نفسي متقمصاً شخصية ما يدعى الإله، جالساً على كرسي عرضه السموات والأرض، تحمله ملائكة مخلصة بملل. بدأ الكابوس عندما صرفت النظر عن الكون الفسيح، وألقيت نظرة شاردة من عليائي إلى الأرض، فتلطخت عيناي بدم حار جداً نفر من جسد أحد عبادي.

لم أستطع التمييز، كعادتي، إن كان مصدر التلطيخ والتلوث ذكراً أم أنثى من شدة ما أصابني من حرقة، لدرجة أني لم أقف طويلاً للتمحص عما إذا كان المغدور أو المغدورة يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً حسب الخطوط العريضة لجبهاتي السماوية، فأنا لا أفرق بين جنودي إلا بالتقوى حسبما جاء في الكتب.

التزمت صمت القبور وعضضت على أسناني لأكبح غضبي المعروف عني، محاولةً مني للتكهن بسبب عدم توخي الفاعل الحذر وارتكابه لهذا العمل الطائش، فعلى ما يبدو أن البشر عقلاء ولديهم ما يوحي بأنني انتظرهم في سدرة المنتهى ولن يفلتوا من عقابي. استغربت هذا العمل واستنكرته وقررت- للمرة الأولى- أن أنظر في الأسباب التي حملت هذا المصدر أن ينفر دمه في وجهي الذي لا يشبه المندوزا.

هل يا ترى لأنه صدق ما افتروه عن حبي للدم، وقد مكر بي ودلقه في عيني بدلاً من ساحة الوغى الدينية التي ما فتأت تشرب وتتخضب من دمائهم؟! لابد أنه قرأ التوراة الأسطورية التي تفوح منها رائحة القتل والتصفية الجماعية بلا رحمة ولا هوادة ليعيش الشعب المختار؟! إلا أنني أتذكر أنهم استدركوا ذلك وفبركوا إرسالي أبناً لي ليراق دمه تطهيراً للبشرية وغفراناً للعقاب الجماعي الذي عشش في أذهانهم. تعاليت عن هذا الإفلاس في إيجاد الذريعة والأسلوب الدموي وفكرة الصلب، آملاً بأن يكون كبش الفداء الموهوم كفيلاً لنشر فكرة التضحية من أجل استمرار الحياة باعتدال ومحبة وسلام.

لم يجد ذلك نفعاً، فقد أصر أحدهم ادعاء إرسالي له كآخر الأنبياء، وجاء لهم بكتاب ململم، وطعمه بأفكار تخدم مصالحه وأمثاله، وجزم بأنني أدعو الناس للجهاد في سبيلي وبأني أحب رؤية الدم مراقاً فيما بينهم لغبطتي ونشوتي ونصري. قال لهم أني خير الماكرين، وبأني داعر واسمح لهم بممارسة الجنس في سمواتي؟! استأصل الكثير من القيم البشرية التي أوجدوها وافتخروا بها، مثل التبني، وزاد من إفراغ جعبتي من أية رحمة، إلا للذين استشهدوا في سبيلي بالقتل والنهب والترهيب، وتركهم في حيرة من أمرهم في ذلك الشأن. كيف لهم أن يوفقوا بين جبهاتي السماوية الآن، بعد كل هذا الموروث الخرافي عني؟! أنا لا أعرف كيف سيتقاسموا المقابر بمحبة بعد كل هذا التصور الدموي عني. أوليس من الإباحية أن يشوى الكفار عراةً والمؤمنون بي ينظرون إليهم بحبور؟ كيف لهم أن يملاؤا الدنيا بفكرة أن العبادة مصدرها الخوف؟ وما دام الحال كذلك، فلماذا يسرعون بفناء الحياة برمتها ولديهم الموت قادم لا محالة؟ لعمري أنه كابوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - افق سريعا
سلام السوسنة ( 2009 / 1 / 13 - 04:58 )
سيدي
ارجو ان تكون قد افقت من هذا الكابوس المرعب سريعا.
ان الله اليوم ( وبالامس ايضا ) في موقع لا يحسده احد الكل يقتل باسمه من تورابورا الى الصومال والى الجرائر كما الى العراق والكل يقاتل باسمه وهو صامت صمت القبور!!
اشكر لك هذه القطعة الادبية العميقة التي تمتعت بقراءتها كثيرا.
ورددت بعدها سبحانك ربك العزة عما يصفون
تحية احترام وتقدير


2 - خيال رائع ودراما متميزة
أمير ماركوس ( 2009 / 1 / 13 - 08:39 )
كاتبنا المرموق يبدو أنه متأثر بالأساطير الإغريقية التي تحدثت عن علاقة الإنسان بالآلهة إلا أن الفكرة التي عرضها بأسلوب شيق وخيال عميق قد وصلت إلينا بالتأكيدن


3 - عندما يتفوق المخلوق على خالقه
نور العقل ( 2009 / 1 / 13 - 10:23 )
مقال حقاً رائع يعري صمت الإله المتفرج على دماء عبادة وهي تراق.
الا يشعر هذا الإله بذرة من الخجل عندما يتفوق مخلوقه عليه، ويتنصل
بالنيابة عنه من كل هذه المخجلات...
إنه قطعاً إله الإسلام...
إلهي:
إن لم تستحي فأفعل بعبادك ماشئت...
تحياتي الحارة لكاتب المقال...


4 - الهنا المسكين
المتابع ( 2009 / 1 / 13 - 17:05 )
سيدي العزيز حقا انه كابوس مرير لا تحسد عليه كم تمنيت لو لم يصبك الا اني ولا اخفيك سرا شعرت وللمرة الاولى بعظيم عطفي على هذا الاله المسكين ولاول مرة اراه مسلوب الارادة بهذا الشكل اه يالهي كم انت متهما دونما ذنب ارتكبته كم قولوك ما لم تقل وكم شرعوا عنك ما لم تشرع وكم تحدثوا عنك بما لا تعرفه حتى انت عن نفسك اه كم مسكين انت يا الاهناالذي في السماء فليس بيدك امام كذب وجبروت هؤلاء الكذبة حول ولا قوة الا بالله


5 - ممتاز
سوري ( 2009 / 1 / 14 - 06:58 )
ممتاز ونرجو المزيد

اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟