الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة المستبد العادل

كاظم الحسن

2009 / 1 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا جديد تحت شمس الشرق في السياسة!
يقول علي عبدالرزاق في كتابه الشهير (الاسلام واصول الحكم ص26) من الملاحظ البين في تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين ان حظ العلوم السياسية فيها كان بالنسبة لغيرها من العلوم الاخرى اسوأ حظا وان وجودها بينهم كان اضعف وجود فلسنا نعرف لهم مؤلفا في السياسة ولا نعرف لهم بحثا في شيء من انظمة الحكم ولا اصول السياسة اللهم الا قليلا لا يقام له وزن ازاء حركتهم العلمية في غير السياسة من فنون.

وطالما ان العلوم السياسة كانت غائبة في حياة المسلمين فلابد ان تزداد سطوة ونفوذ الاستبداد في التاريخ، وقد تكون مقولة (التاريخ يعيد نفسه) مرتبطة بحالة الجمود التي اوقفت معالم التطور في شؤون الحكم، والا كيف يمكن ان تكون شخصية دموية مثل الحجاج ابن يوسف الثقفي محل جدل ونقاش على ما يسمى (من حقه البطش بخصومه) الى يومنا هذا!
يقول عبدالله الغزامي، ان الاشكالية او المأزق اللغوي الخطير تقع من الصيغة التي رسمها جمال الدين الافغاني لفكرة المستبد العادل، انه مفهوم احدث تخريبا عميقا في افكار المثقفين الذين قبلوه حتى دون جدال حوله، فكرة المستبد العادل ظلت سائدة ولا تزال ووجد كل زعيم نفسه مجسدا لها سواء كان من زعامات ما قبل الانقلاب او بعده.
وهذه الفكرة لا معنى لها، لأن العدالة لا تجمع مع الاستبداد تحت سقف واحد، فاحدهما يلغي الثاني ولا سبيل للتعايش بين الاثنين، فالاستبداد يؤدي بطبيعة الحال الى الحكم المطلق، وهذا يؤدي الى الفساد، وقرينه ينسف اية عدالة او حرية او نزاهة، وحتى لو افترضنا جدلا صحة مقولة (المستبد العادل) فكيف نضمن سير العدالة في خلفه وبالطبع لابد ان يكون من نسله، انها اشكالية شخصنة السلطة التي ترفع من مقام الفرد الزائل وتلبسه ثيابا فضفاضة لا تنسجم مع مقاسه، ولكن الحاشية تحاول ان تزوق وتجمل ما هو قبيح وضار خدمة لمصالحها.
ان روح القانون والمؤسسات لن تكون يوما ما من صنع الحاكم المستبد، لانها تنهي احتكاره للسلطة واستحواذه عليها عن طريق الغلبة.
ويرى ارسطو في كتابه (السياسة) ان الطغيات حكم اقلية وحكم تضليل ومنافع ذاتية لا يرمي الى مصلحة من مصالح العامة.
وفي العصر الحديث كان الكواكبي من ابرز من تناولوا الظاهرة التي يصفها بانها (صفة مطلقة العنان للتحكم في شؤون الرعية كما يشاء بلا خشية من حساب او عقاب).
وكان مونتسكيو قد وصف المستبد بانه (من يحكم حسب تزواته بلا قوانين او بلا قواعد من مبدأ خوف).
والحقيقة ان ثمة اختلافاً ما بين الاستبداد والشمولية اذ ان الاستبداد يتحكم بشؤون الافراد ولم يصل به الامر الى مصادرة افكارهم والسيطرة على عقولهم والادعاء بان ثمة رسالة سامية يريد من خلالها تغيير طبائع النفوس وفق صورة مثالية نعيش في مخيلته يحاول من خلالها قسر الناس على قبولها حتى لو كانت طوباوية وغير واقعية وتلك كانت الشرارة الاولى لسفك الدماء والحروب.
والحياة بطبيعتها تميل الى التنوع والاختلاف والتلون ونقيضها الموت والاحادية والرأي الواحد والحزب الواحد.
والطغاة من امثال مسوليني، بول بوت، هتلر، لا تجد من يدافع عنهم في العالم، مع ان هتلر كان محط اعجاب ومثلا اعلى لبعض الحركات السياسية في المنطقة، وكأن نظريته حول تفضيل الجنس الآري او الخراب الذي جلبه لالمانيا واوروبا تستحق الفخر والاجلال!!
ولقد دافع احد رموز دولة الحزب الواحد عن قانون الطوارىء في بلاده والذي مضى عليه اكثر من ثلاثة عقود قائلا: انه اصبح جزءا من نسيج المجتمع وما عاد احد ينظر اليه على انه مصدر تهديد للحريات او الحقوق الشخصية بسبب تقادم الزمن عليه.
فاذا كانت هذه الفترة الزمنية القصيرة في حياة الشعوب قد تطبعت فيها على ما يزيد من اغلالها وقيودها فكيف الحال بالتعايش مع الاستبداد لفترات طويلة غائرة في اعماق التاريخ، لابد ان المشروعية للسلطات سوف تكون اكبر واكثر رسوخا مما يجعلها تمتد الى البنية الثقافية والسياسية والاجتماعية، ويصبح الناس اكثر دفاعا عن قضبان سجونهم التي اقامها لهم الاستبداد وهم يحتفلون به وينحرون كل يوم من خلاله!
ان منطقة الشرق بحاجة اليوم اكثر من ذي قبل لثقافة حقوق الانسان، لكي تعيد الحياة في عروقها، وتنظر الى العالم من خلال الارض والحياة والمصالح المتبادلة وتندمج في هذا العالم الكبير بلا عقد او ترسبات او احقاد.
نعم انها لحظة مفارقة للتاريخ الذي عشناه وتعلمناه في حياتنا، ان نرى الطاغية، الذي ارتكب من الجرائم والمذابح بحق الشعب العراقي ما يعجز الخيال عن وصفه او حصره بارقام، امام القضاء لينال جزاءه العادل وفق القانون ونظام المؤسسات المدني، وهي حالة مؤلمة ومثيرة لمشاعر الضحايا والمتضررين من حكم الطاغية في الوقت الحاضر ولكنها سوف تؤسس لحياة سياسية واجتماعية وثقافية بعيدة عن التعصب والانتقام والثأر وتدفن الاحقاد والامراض والنزوات المتقلبة والكثير من العقد ومخلفات ثقافة الكراهية واحتقار الاخر.
علينا ان ننظر الى ما وراء مشهد المحاكمة، لنجد الديمقراطية، تبحث عن الانسان في دخيلة الطاغية الذي قتله ايضا مع خصومه ومعارضيه لان محاولة احيائه او على الاقل التذكير بمقتل هذا الانسان لعله يؤدي الى ايقاظ مشاعر الانسانية عند الاخرين وان كان لا حياة لمن تنادي اليوم فلتكن الحياة غدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 121- Ali-Imran


.. 122- Ali-Imran




.. 123- Ali-Imran


.. 125- Ali-Imran




.. 128- Ali-Imran