الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض كتاب اليسار الفلسطيني مصابون بالحول السياسي والفكري

ابراهيم علاء الدين

2009 / 1 / 28
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


يعتقد الكثير من الكتاب الذين يحسبون انفسهم على اليسار الفلسطيني سواء كانوا ينتمون فعليا الى منظمات يسارية ،او انصارها، او مستقلون، او ممن يحملون فكرا يساريا، ان توجيه انتقادهم "بدرجاته المختلفة" لحركتي فتح وحماس، ووقوفهم على مسافة واحدة من التنظيمين ان ذلك يمنحهم صفة الحكمة والموضوعية، وصوابية الموقف، بل والصفة الثورية.
ويجتهد هؤلاء في التميز عن التنظيمين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية، ويتبني بعضهم ما يسمى بالطريق الثالث، او التجمع السياسي الثالث، الذي سيخلص الشعب الفلسطيني من هوس التيار الديني وهيمنته على الدين، وايضا من هيمنة التيار الذي يصفوه بالأسلوي والمنبطح والمستسلم، الى اخر العبارات المستخدمة في التشهير بحركة فتح والسلطة الفلسطينية.
وهؤلاء الكتاب الذين يظنون انهم بموقفهم هذا منحازون الى الشعب الفلسطيني واهدافه الوطنية هم في الحقيقة احد معيقات تحقيق الوحدة الوطنية، ويلعبون دورا مركزيا في دعم ومساندة حركة حماس التي ترفض الوحدة الوطنية الا اذا كانت تحت هيمنتها ووفق برنامجها، وذلك لانهم يقفون في موقف وسطي مائع لا لون ولا طعم له، ولا يوجد فيه أي نوع من الانحياز للمصلحة الوطنية.
وغني عن القول ان اليسار عموما في اي مكان في الدنيا عليه ان يحدد مواقف واضحة منحازة بوضوح الى المصلحة الوطنية، ولم تكن مواقف اليسار الحقيقي يوما تتسم بالوسطية، ودعواته تتسم بالاصلاحية، لان من اهم صفات اليسار ان يحدد اهدافا واضحة للشعب ويجنده للنضال تحت رايتها، وان يخوض غمار المعارك بكل درجاتها حتى الاكثر حدة، بما فيها المسلحة للدفاع عن اهداف الشعب ومصلحته الوطنية.
واليسار الحقيقي يخوض معاركه ضد كل الاطراف سواء الطبقية منها، او القومية بضراوة ودون هوادة، دفاعا عن مصالح الشعب، واليسار الحقيقي هو ابعد ما يكون عن النفاق، ولا يبرم تحالفات تكتيكية على حساب مصلحة الشعب.
واليسار الحقيقي لا يجامل احدا على حساب المباديء السياسية، ولا يتنازل ابدا عن انحيازه للاهداف الوطنية في حالة تعرض بلاده لعدوان خارجي، كما لا يتنازل مطلقا عن انحيازه للطبقات الشعبية في معاركة ضد الطبقات المستغلة.
ومما يميز اليسار عن كافة القوى السياسية الاخرى وضوح برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
واليسار الحقيقي لا يلغي او يجمد برامجه وكفاحه ضد العدو الطبقي خلال مرحلة التحرر الوطني، لان مرحلة التحرر الوطني تحمل في طياتها اهدافا طبقية ايضا، والحرب ضد العدو الخارجي سوف تسفر عن نتيجة ان اجلا او عاجلا مما يتطلب منه ان يواصل الكفاح على الدوام وبشكل يومي وفي كل الاوقات ضد برامج القوى الطبقية المعادية لتطلعات واهداف ومصالح الجماهير.
واليسار الحقيقي تتسم مواقفه بالوضوح والصراحة في كافة المنعطفات، ويعلنها امام الجماهير، ويكشف الاعيب القوى الطبقية المناهضة، مع مراعاة المصالح الوطنية عندما تحتدم المعارك مع الاطراف غير الوطنية، او مع العدو الخارجي ، كما يكشف خطط العدو الخارجي، ويعمل بشكل دائم على صياغة البرامج الكفاحية اليومية الجماهيرية.
واليسار الحقيقي يضع في سلم اولوياته تثقيف الجماهير وتنويرها وتعميم الثقافة اليسارية والفكر اليساري والسلوكيات اليسارية، والاخلاق اليسارية.
واليسار الحقيقي يعتبر الفكر اليميني القائم على استغلال الدين في العمل السياسي، عدو رئيسي وأساسي لا يقل خطورة عن العدو الخارجي نظرا لما يؤدي اليه شيوع وانتشار هذا الفكر الموغل في البدائية والتخلف والرجعية من مخاطر هائلة على البرنامج الطبقي، وبالتالي فانه يعتبر معركته ضد التنظيمات التي تدعو الى هذا الفكر معركة رئيسية وليست ثانوية، لا يجب باي حال من الاحوال الكف عن تسخير اقصى الطاقات للنجاح فيها والحد من نفوذ التيارات الدينية وتوسعه وانتشاره بين الجماهير.
وخبرة قادة اليسار العالمي من لينين الى ماوتسي تونغ الى هوشي منه الى كافة القوى اليسارية في العالم تؤكد ان لا تحالف مع هذه القوى الرجعية، في مرحلة التحرر الوطني الا اذا قبلت ان تنضوي في جبهة وطنية عريضة بقيادة اليسار. وفي الساحة الفلسطينية وبسبب ضعف قوى اليسار يجب الا تقبل هذه القوى الدينية في جبهة وطنية الا بقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية.
وبالتالي فان من ابرز علامات الحول السياسي لدى الكثير من الكتاب اليساريين الفلسطينيين والعرب ذاك المفهوم الخاطيء حول الجبهة الوطنية، وكأن الجبهة الوطنية هي جمعية خيرية وعملية تجميع لمؤسسات وهيئات، مما هب ودب ودون ضوابط وأسس وقواعد، وليست انتظام على أساس برنامج وطني واضح ومحدد في مرحلة التحرر الوطني ، وعلى أساس برنامج طبقي في مرحلة الصراع الطبقي.

ولكن الذي نراه امامنا مما ينشر بوسائل الاعلام المختلفة، للكثير من الكتاب الفلسطينيين هو ذاك الخطاب اليساري الملتبس ، الخائف، المرتجف، الذي لا يجروء على الدعوة الى ما يجب بصراحة ووضوح وثقة، وهو في الغالب خطاب لا ينسجم مع الانحياز الى الوطن او الشعب بجرأة وصراحة ووضوح، فتراهم يوزعون الاتهامامات على القوتين السياسيتين في الساحة الفلسطينية، فتح، وحماس، ويحملانهما ب "العدل والقسطاس" مسؤولية العبث والانحدار وحتى الانتحار في الساحة الفلسطينية.
هل يجب الاكتفاء بما ذكرنا دون تقديم برهنة على صحة رؤيتنا..؟ قطعا لا ..لاننا سنكون في هذه الحالة نسخة طبق الاصل عن كتابات بعض المثقفين اليساريين الذين يكتفون بالقاء الاتهامات دون براهين.
وللبرهنة على ما ندعي نجد من الضروري الاارة الى بعض البديهيات ومنها:
ان قضايا الصراع الانساني في المجتمعات تنقسم الى قسمين
اما صراع وطني ضد عدو خارجي.
واما صراع طبقي ضد عدو داخلي.
وعلى الاغلب تسبق مرحلة الصراع الوطني مرحلة انجاز اليسار انتصاره الطبقي، وهذا يفرض على اليسار ان يخوض المعركتين بنفس الوقت، وعليه حينها ان يضع التكتيكات والبرامج والسياسات المناسبة، بحيث تبقى معركته مستمرة ضد العدوين، القومي والطبقي، ومن الخطأ الفادح ان يجمد اليسار كفاحه ضد عدوه الطبقي في مرحلة الصراع الوطني، وثبت التجربة ان جميع القوى اليسارية التي سقطت هذه السقطة، لم تقم لها قائمة بعد ان انتهت مرحلة الصراع الوطني.
وفي فلسطين يفترض ان اليسار يخوض المعركتين معا منذ عشرات السنين، ولكنه للاسف يقع فريسة افكار تهمش الصراع الطبقي لصالح الصراع القومي، ويعبرعن ذلك بمنطق تأجيل الصراع الطبقي (الداخلي) وتوحيد الجهود ضد العدو الخارجي.
ولذا تجد الكثير جدا من المثقفين اليساريين يعتقدوا ان رفع شعار الوحدة الوطنية هو الشعار الوحيد الذي يجب ان تتكاتف جهود الشعب وقواه السياسية لتحقيقه للخروج من المرحلة الراهنة ، وكأن هذا الشعار هو تعويذة سحرية توفر الشروط الذاتية لتحقيق الاهداف الوطنية. دون أي اعتبار جدي للبرنامج الذي يفترض ان تقوم عليه الوحدة الوطنية الحقيقية، ودون تحديد دقيق للقوى التي تنطبق عليها شروط الوحدة، ودون تحديد المسافات والتشابكات بين الصراع مع العدو الصهيوني والصراع مع العدو الطبقي.
ومن الواضح ان لا احد في الساحة الفلسطينية يدعي انه يمثل اليسار الماركسي اللينيني، لان من يدعي ذلك عليه ان يعلن ايديولجيته وقناعاته الفكرية بوضوح تام ودون لبس، وهذه الايديوليجية الجدلية المادية تقوم على التفسير المادي الجدلي للتاريخ والحاضر، وبناء عليها تحدد استراتيجيتها وتكتيكاتها المناسبة. وترفض رفضا قاطعا التفسير الديني اللاهوتي للتاريخ، كما ترفض رفضا قاطعا الاهداف السياسية الرامية الى سطوة الدين في المجتمع ومؤسساته الفوقية (السلطة).
وبمعنى اكثر وضوحا يسخر اليسار الماركسي اللينيني جزءا اساسيا من قوته للكفاح ضد البرنامج اللاهوتي الديني واهدافه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يخفف من قوة كفاحها خوضها لصراع قومي في نفس الوقت.
والدليل على ذلك ان الثورة البلشفية بقيادة لينين تمت في ظل احتدام الصراع العسكري ضد الفاشية على كل الجبهات.
وكما يبدو ان الساحة الفلسطينية بل والعربية عموما تفتقد الى هذا النوع من الفصائل اليسارية، بل ان معظم الفصائل تنتمي الى مدرسة اليسار الاشتراكي ، بعد ان دجنت في معظمها وغيرت من ملامحها التي اعلنتها في زمن انطلاقاتها الاولى، وغرقت في تحالفات مع البرجوازية الوطنية وتحت قيادة البرجوازية، بحجة "حشد القوى لمواجهة العدو القومي" "ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة" وفرغت برنامجها الكفاحي من كل ما يثير او يستفز البرجوازية الوطنية، مما حولها بحكم حجمها ووزنها السياسي والجماهيري الى قوى وسطية اصلاحية، اقتصر دورها على تسجيل موقف للتاريخ ، فهي تسجل موقفا برفضها اتفاقية اوسلو ولكنها تنضوي في تحالف سياسي برنامجه الرئيسي اتفاقيات اوسلو، وللمصادفة فاليوم قال ماهر الطاهر المسؤول بالجبهة الشعبية في رده على سؤال لراديو "بي بي سي" بالقول اننا كنا ضد اتفاق الهدنة القديم، وضد الطريقة التي انهي فيها اتفاق الهدنة، وضد اتفاق هدنة جديد، وعندما يسأله المذيع وماذا سيكون موقفكم اذا وافقت حماس على الهدنة..؟ يقول الطاهر سنلتزم بالمصلحة الوطنية ولن نعارضها مع احتفاظنا بموقفنا الرافض لها.
أي هرطقة هذه .. واي يسار هذا الذي يقتصر دوره على تسجيل موقف للتاريخ..؟
وهكذا هو موقف معظم كتاب اليسار انهم يسجلون مواقف للتاريخ (ولا اعرف أي تاريخ) فتجد مواقفهم في اقصى درجات التطرف وفي نفس الوقت يستجدون المؤسسات الرسمية الفلسطينية والعربية لايجاد وظيفة ومصدر للرزق او امتيازات اضافية (تاريخ معظمهم معروف لدينا).
ولكن جوهر الحول الاساسي يبدو ظاهرا جليا في الموقف السياسي اكثر منه في الجانب النظري الفكري.
فالذي يحدد ان كان هذا الشخص يساريا او يمينيا ليس فقط موقفه الفكري، بل وما يترتب على هذا الموقف الفكري من مواقف سياسية، ويفترض باليسار انه الاكثر قدرة على اكتشاف الموقف السياسي الصائب.
فاذا كان من الناحية الفكرية هو منحاز تماما لمصلحة الطبقات الشعبية ويسعى لاقامة نظام ديكتاورية البروليتاريا وفق المنهج الماركسي اللينيني، فعليه ان يلتقط القضية القضية السياسية المحورية في صراعه القومي، واليسار الفلسطيني للاسف خطابه ملتبس في الحالتين، طبقيا لا يوجد له رؤية واضحة، وقوميا ليس لديه برنامج محدد وصريح. فلا نعرف بالضبط هل هو يريد تحرير فلسطين من النهر الى البحر، والقضاء على دولة العدو الصهيوني نهائيا، او انه يريد دولة في حدود عام 1967، او انه لا يريد دولة مستقلة بل يريد الاندماج في دولة اسرائيل..؟
وهذه الرؤى السياسية الثلاث موجودة في الساحة الفلسطينية، مع تفاوت كبيربحجم قواها ، واوسعها حضورا في الشارع الفلسطيني ذاك الطرف المؤمن بدولة في حدود عام 1967.
ومن البديهي القول ان الهدف الرئيسي للعدو الصهيوني يتمثل ب " نفي وجود الشعب الفلسطيني كشعب مستقل"، فهو والى فترة قريبة يدعي ان الفلسطينين هم عبارة عن بدو اعراب جاؤوا من الصحاري العربية واحتلوا ارض اسرائيل، وبالتالي يجب طردهم واعادتهم الى صحاريهم .
ومن هنا يعتبر من اعظم الانجازات التي حققها الشعب الفلسطيني هو اعتراف العالم اجمع بما فيه قطاعات واسعة من مجتمع العدو الصهيوني نفسه (باستثناء اليمين المتطرف) بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولته الوطنية المستقلة، بما يعني اعترافا بالشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة، وبما يعني هزيمة جوهر المشروع الصهيوني القائم على نفي الهوية الوطنية المستقلة للفلسطينيين.
وعندما يدرك اليسار قيمة هذا الانجاز، وان موافقة العالم على اقامة دولتان على الارض الفلسطينية، يعتبر اعظم انجاز في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ الاف السنين، حيث لم يكن له شخصيته القومية المستقلة، بل كان جزء من الشخصية الدينية الاسلامية، وهو الوحيد من بين شعوب العرب والعالم الذي لم يتمكن حتى الان من ترسيخ استقلاله القومي ، وان هناك من ما زال يسعى الى تدميرهذا الانجاز والحيلولة دون تطبيقه على ارض الواقع ..... اذن اين يجب ان يقف اليسار...؟
بناء على ما تقدم الا يجب ان تنطلق دعوات اليسار الى الوحدة الوطنية من ارضية هذا الانجاز، أي بمعنى ان الوحدة الوطنية لن تضم سوى من يؤمن بهذا الانجاز، ويعمل على تحقيقه على ارض الواقع، (من المؤكد ان اساليب التحقيق مختلف عليها).
فكيف يقف اليسار على مسافة واحدة من حركتي فتح وحماس، فيما تترفض حماس الاعتراف بان هناك أي انجاز قد تحقق اصلا، والادهى والامر انها تعتبره خيانة وتفريطا وبيعا لفلسطين، وان من حققه عملاء وخونة، وانها بالاساس ضد مشروع الدولة الوطنية المستقلة على الاراضي المحتلة في عام 1967، لان دولتها هي دولة الخلافة الاسلامية، وان فلسطين ما هي الا مجرد وقف اسلامي يجب ان تعاد الى املاك الخليفة. فيما فتح ترفع نفس الشعار الذي يرفعه اليسار وهو شعار وطني ديمقراطي مضمونه اقامة الدولة الوطنية الديمقراطية، مع وجود خلاف حول اساليب تحقيقه.
فكيف اذن يوجه كتاب اليسار نيرانهم بالعدل والقسطاس للطرفين..؟ الا يستدعي الموقف المبدأي لليسار ان يحدد موقفه بدقة متناهية ويقول ان برنامج حماس برنامجا عدميا لا يمكن تحقيقه في الشروط الموضوعية والذاتية الراهنة، وان الخطاب الموجه لها لا يهدف الى استقطابها لتكون طرفا في جبهة وطنية عريضة، بل يجب دعوتها للتخلي عن برنامجها العدمي، والعمل باقصى طاقة لتحريض الشعب ضدها وتوعيته بضلال برنامجها والاوهام التي يستند عليها.
ويظهر الحول السياسي لبعض الكتاب اليساريين ايضا في عدم رؤيه ان الفكر الديني اللاهوتي لحماس يرفض من حيث الجوهر اقامة دولة مستقلة وطنية ديمقراطية..؟ وانها تقف في صف العدو الصهيوني في محاولاته الدؤوبة للقضاء على ما انجره الشعب الفلسطيني في نضاله المرير طيلة مائة عام لتثبيت هويته الوطنية المستقلة والقومية المستقلة، فالنزاع ليس على نوع الدين الذي يجب ان يؤمن به الفلسطينيون ولا احد ينازعه في اسلامه .
اذا فعندما يجهد الكاتب اليساري نفسه بتحميل مسؤولية ما يجري في الساحة الفلسطينية بالتساوي لحركتي فتح وحماس يكون مصابا بالحول السياسي، وهو بذلك يساهم في تضليل الجماهير، و يقدم في نفس الوقت اسنادا غير مباشر لحركة حماس وبرنامجها السياسي، في مواجهة البرنامج الوطني الديمقراطي الذي تتبناه فتح وباقي فصائل العمل الوطني .
كما ان هذا الخطاب الملتبس والمصاب بحول سياسي بل وعمى سياسي في بعض الاحيان يلعب دورا مباشرا في تأجيل تحقيق شعبنا لهدفه الرئيسي وهو تثبيت حقه بهوية قومية مستقلة، لأنه في الواقع يضعف القوى التي تسعى لتحقيق هذا الهدف، ويدعم القوى التي تحاول تقويضه سواء كان العدو الصهيوني او حماس، (مع الادراك التام بالمسافة بين الطرفين).
كما ان اليسار سواء في دعوته للوحدة الوطنية او في تحميل فتح وحماس بالتساوي مسؤولية الانهيار الذي تواجهه الساحة الفلسطينية يكون مصابا بحول فكري عقائدي ايضا.
فهناك فرق جوهري كبير بين حركة وطنية ديمقراطية مثل حركة فتح، وبين حركة دينية رجعية، فالاولى يلتقي اليسار معها في معظم نقاط برنامج الصراع القومي ، فيما يتناقض اليسار تناقضا حادا مع معظم نقاط برنامج الصراع القومي لحركة حماس.
وبالتالي فان الوقوف بالمنطقة الرمادية، ولعب دور الوسيط الاطفائي بين الفريقين (الوطني والديني)، يصبح موقفا عدميا ليس له علاقة بالفكر اليساري والعقيدة اليسارية من جهة، كما انه ليس له علاقة بالبرنامج الوطني الذي يسعى اليسار الى تحقيقه.
وعلى هذا الاساس فان الموقف السليم الوحيد تقريبا الذي يجب ان يقفه اليسار الفلسطيني في اللحظة الراهنة هو اعلان الانحياز الى الفريق الوطني، يعني ان يقوم على الفور بعقد تحالف جبهوي مع حركة فتح، والكفاح سويا ضمن جبهة وطنية عريضة لاجبار حركة حماس على الخضوع للبرنامج الوطني.
لان من يتصور انه يمكن الدمج بين البرنامج الوطني للفصائل الوطنية الديمقراطية، والبرنامج الديني سواء كان الصراع قوميا او طبقيا، لا يمت لليسار بصلة، ولا يمت لليمن ايضا، بل هو فريق ثالث مضلل يشوه افكار الجماهير، ويمارس عملية خداع كبيرة، وهو يخدم دون ان يدري هدف التيارات الدينية بكل مباشر، وهدف العدو الصهيوني بشكل غير مباشر.
اننا ندعو وبحرارة الى الوحدة الوطنية بين من يجمع بينهم برنامجا وطنيا واضحا، محدد الملامح، في مقدمتها اقامة دولتنا الوطنية الديمقراطية الليبرالية المستقلة، ولا يضيرنا الانحياز الواضح والصريح والجريء لبرنامج الدولة الدينية الحماسية.
لكن يجب رفض الموقف الوسطي المضلل، ونقول لاصحابه ان موقفكم هذا لا يعني امساككم بعصاة الحكمة، بل انكم ووفق الفكر والثقافة اليسارية تقفون في خندق برنامج الدولة الدينية الاستبداية ونظام الطغيان، التي لن تتحقق مطلقا في بلادنا لانها تتعارض مع كل حقائق الحاضر والتاريخ، وتتناقض مع قوانين الحياة وصناعة المستقبل.
ملاحظة مهمة : ايا كان الخلاف على اساليب الكفاح بين فصائل الحركة الوطنية الديمقراطية اليمينية واليسارية فانه لايشكل مبررا للانحياز للبرنامج اللاهوتي، ولا يشكل مبررا لوضع فريق وطني ديمقراطي بنفس الكفة مع فريق ماضوي رجعي متخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الازمه فى الجميع
ابو سليمان ( 2009 / 1 / 28 - 02:18 )
بقصد الوقوف فى الوسط فهذا موقف مسبق وينم عن سطحيه
اما من خلال التحليل المنطقى والذي يصاحب الرؤيه السياسيه الناضجه فلا لوم على يسار او يمين
المشكله كما اراها هو ان الطبيعه الديكتاتوريه للعالم المتخلف
هى المشكله ففى عالم الافكار متسع للجميع والمشكله فى كيفيه الاساليب المتبعه فى اعتماد هذه الرؤيه او تلك
نحن الى الان ومن كل التنظيمات الفلسطينيه لا نعرف الحوار والديموقراطيه فبعضنا يرفضها واخرون يدعونها ويمارسون بديلها من قمع واستئصال وعنف مع ان الديموقراطيه هى اعظم انجاز بشري فى حسم الخلافات
اشكرك اخ ابراهيم على جرأتك ولكنى اراك واقعا فى نفس المطب وللاسف الشديد
تذكر انك حر فى افكارك ولكن لست حر فى صرامة الزامك الاخرين بها
ابحث عن وسائل سلميه ديموقراطيه ليبراليه لاقناع الاغلبيه بها
شكرا مرة ثانيه على مقالك


2 - هذا برنامج سياسي اكثر منه مقال
احمد الجعافرة ( 2009 / 1 / 28 - 05:41 )
مقال رائع ونتفق مع كل ما جاء به
فهذا المقال يفترض ان يكون برنامج سياسي للقوى الوطنيه واليساريه في المنطقه العربيه وفي فلسطين بالخصوص
ليس سرا يا عزيزي ابراهيم القول اننا فقدنا البوصلهوالسبب بالضبط ما ذكرته من وضع كل اوراقنا في حجر البرجوازيه الوطنيه اولا ثم بسبب الحول السياسي
وانا لا اسميه حول سياسي بل هو انتهازيه سياسيه يستغلون بها عقول الجماهير تحت شعار المقاومه والمقاومه الحقيقه منهم براء
اشكرك على هذا البرنامج السياسي مرة اخرى


3 - شكرا اخ ابو سليمان
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 1 / 28 - 19:13 )
اذا كنت تقصد اخ ابو سليمان الديكتاتورية الكامنة في التكوين النفسي والمخزون الفكري لشعوب المنطقة فانت محق في ذلك، لكن الاهم من تشخيص المرض هو معرفة اسبابه وايضا معرفة طريقة علاجه.
اما تصورك بانني امارس نفس الدور الديكتاتوري في مواجه الاخر، فهذه وجهة نظرك واحترمها .. ولكن اظن ان من حق ايا كان ان يستخدم اقصى ما يستطيع للبرهنة على وجهة نظره ايضا بشكل ديمقراطي.ولكن مع من يؤمن بالديمقراطية ، لان من لايؤمنوا بالديمقراطية اصلا لا يمكن الحوار معهم لان لديهم موقفا مسبقا ممن يحاول محاورتهم وهو التكفير والطرد من ملة محمد
ولكن انا افترض ان اليسار عموما لديه ميول ديمقراطية اذا لم يكن ايمانا بها عند البعض فانا في هذا المقال احاور اليسار وادعوهم الى التخلي عن الموقف الاصلاحي الذي ارى به موقفا عدميا
على العموم عندما يؤمن الناس بالحوار الديمقراطي فان الخلاف بوجهات النظر لا يفسد للود قضية
مع اطيب التحيات


4 - الصديق احمد الجعافرة
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 1 / 28 - 19:16 )
عندما يشعر الانسان انه ضمن مجموعة من الرائعين فهذا مدعاة للفخر والشعور بالسعادة ويتعمق لديه الشعور بالانتماء الحقيقي للوطن والشعب.
وانت يا صديقي تشعرني بذلك .. تشعرني بانني جزء من مجموعة رائعة اتشرف جدا بالانتماء لها
احر تحياتي واطيب امنياتي

اخر الافلام

.. معدن اليورانيوم يتفوق على الجميع


.. حل مجلس الحرب.. لماذا قرر نتنياهو فض التوافق وما التداعيات؟




.. انحسار التصعيد نسبيّاً على الجبهة اللبنانية.. في انتظار هوكش


.. مع استمرار مناسك الحج.. أين تذهب الجمرات التي يرميها الحجاج؟




.. قراءة عسكرية.. ما مدى تأثير حل مجلس الحرب الإسرائيلي على الم