الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طابور الهزائم : تاريخ من الشعوذة و السحر

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 2 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خلال تاريخ الأمة العربية الطويل حورب صوت العقل؛ و حوكم؛ و تعرض أصحابه لشتى الاتهامات من زندقة و كفر و عمالة و خيانة لقضايا الأمة ؛ و في المقابل بورك صوت اللاعقل ؛ و حصل السحرة و المشعوذون على شارات النصر ؛ و أقيمت لهم التماثيل .
لكن لا يجب أن نستغرب من هذا الوضع؛ لأن الفكر العربي الإسلامي ما يزال يعتقد في المعجزات و الخوارق؛ و ما يزال يواجه التحديات المفروضة عليه بفكر خرافي ؛ قطعت معه البشرية منذ القرن الخامس عشر .
لذلك يجد السحرة و المشعوذون الطريق مفروشة بالورود ؛ و يكفيهم صوت جهوري قوي ؛ و بعض أبجديات الخطابة لينطوي سحرهم على شعوب ؛ تحارب العقل و العقلانية في كل شيء و تقيم القداس تلو القداس لاستقبال الجن و الملائك ؛ الذين يسيرون هذا العالم .
لقد برز الآن و أكثر من أي وقت مضى على الساحة السياسية و الإعلامية العربية صراع جلي المعالم بين فريقين:
فريق من السحرة و المشعوذين ؛ زاده الوحيد تجييش الشعب و الخروج به إلى الشوارع للصياح و العويل و إفراز المكبوتات صوتيا ؛ و هذا الفريق يقود منذ عقود حروبا فاشلة ؛ لا يجني من ورائها المواطن العربي إلا الخزي و العار ؛ منذ جمال عبد الناصر و مرورا بصدام حسين و انتهاء بالمشعوذين الإسلاميين من حسن نصر الله و خالد مشعل ... و هؤلاء جميعا يشتركون في أنهم آلات خطابية ؛ تعزف على الوتر الحساس للشعوب العربية من دين و قومية ... باعتبارها شعارات تمكن من التجييش ؛ و تساعد على صناعة الأصوات الصادعة و على ترديدها في الشوارع و المنتديات و ووسائل الإعلام ؛ للتسويق للوهم ؛ الذي ينقشع في لمح البصر .
نتذكر جميعا كيف هيج الناصريون الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج؛ و كيف أوهموهم بقوة الجيوش العربية؛ و قدرتها على تحقيق النصر.
نتذكر جميعا الخطابات النارية للصداميين ؛ و هم يتوعدون الأمريكان و الإسرائيليين بمحارق غير مسبوقة ؛ و يتوعد الصحاف الجيش الأمريكي بالقتل و الذبح و الحرق ..,. و تصرخ الجماهير العربية مهتاجة ؛ و يصيح المذيعون و المعلقون في القنوات المهيجة مهللين و مكبرين واعدين الأمة بالنصر و التمكين و متوعدين العدو بالخزي و العار .
و نتابع الآن مواسم النصر و التمكين الإلهي في لبنان و غزة؛ و ما أشبه اليوم بالأمس؛ نفس الشعارات و نفس الأوهام؛ و نفس الصياح والعويل؛ و نفس الأشخاص؛ و نفس الحروب الخاسرة؛ و نفس الفشل الذر يع؛ نفس الموت و نفس الدمار... يؤطر كل هذا تاريخ من الأوهام و الأساطير التي ترسخت في المخيلة العربية ؛ و انتزعتها من الواقع المعيش ؛ لترمي بها بين أتون الوهم .

و الفريق الآخر من نخبة الأمة العربية : يمتلك تكوينا علميا رصينا ؛ يرفض كل الأوهام و الأساطير ؛ يتعامل مع القضايا من منطلق عقلاني ؛ لا يسعى إلى بيع الأوهام لأمته ؛ و لكنه يصارحها بحالتها ؛ مثل الطبيب الذي لا يتآمر على المريض ؛ حينما يخبره بالمرض .
هذا الفريق من خيرة العقول العربية هو المتهم الآن بخيانة قضايا أمته و التآمر عليها ؛ و هو الذي يسميه المشعوذون السحرة بالطابور الخامس ؛ و هو الذي يتهم بالعمالة مع إسرائيل ... و لا تنتهي التهم و الإشاعات؛ لأن صانعيها من المشعوذين لا يمتلكون غير ذلك؛ فلنعذرهم و لنبارك لهم شعوذتهم و سحرهم.
لكن من حقنا أن نوضح لهؤلاء بأن مواجهة التحديات في الحاضر و المستقبل ؛ لن تنجح ما لم يتم القطع مع تاريخ الأوهام و الأساطير ؛ الذي سيج العقل العربي لقرون ؛ و قتل فيه روح التفكير و الإبداع و الخلق .
إن الانتصار لقضايا الأمة العربية لا يكون عبر إصدار الأصوات المجلجلة؛ و الخطب المزلزلة؛ و لا يكون عبر التسويق للخرافات و المعجزات؛ التي قطع معها العقل البشري الحديث؛ و لا يكون عبر نسج التهم الجاهزة بالخيانة و التآمر و لكن على العكس من ذلك يكون الانتصار لهذه القضايا عبر التهييء الجيد للمعركة ؛ و عبر النجاح في التموقع الاستراتيجي في العالم ؛ و عبر حسن التعامل مع نتائج المعركة ؛ سواء كانت نصرا أو هزيمة ؛ لاستثمارها في المعارك القادمة .
ننصح طابور الهزائم مرة أخرى بأن يغير تفكيره و استراتيجياته الفاشلة ؛ و أن يستحضر العقل في كل ما يقدم عليه ؛ و أن يتوقع نتائج ما يقدم عليه ؛ لأن الأمة العربية غير مستعدة مرة أخرى لتجرع هزائم مشابهة لهزائم الماضي ؛ و غير مستعدة كذلك لسماع خطب عنترية لا تسمن و لا تغني من جوع ؛ وهي غير مستعدة للخروج إلى الشوارع مرة أخرى للعويل و الصراخ ؛ لكن نخبة هذه الأمة على كامل الاستعداد لفضح سحركم و شعوذتكم على الملأ ؛ والتشهير بكم ؛ لكن عبر التحليل العلمي الرصين ؛ و التواصل الحضاري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري