الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في العصور القديمة

ضمد كاظم وسمي

2009 / 2 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أن التاريخ الأنساني يمثل سجلاً للصراع بين الظلمة والنور .. بين الأستبداد والتحرر .. بين الكرامة الأنسانية وتفتحها في رحاب الحياة لجميع البشر .. وبين الأنحدار الحيواني الذي يريد أن يتحكم بمصائر الخلق ، وينفرد بالمنافع ، متوهماً أن باستطاعته أن يلغي الآخر أو يغيبه .. ناسياً أن ذلك يناقض مواهب الأحياء وعبقرية الحياة .
أن الفئة المستبدة التي تتمثل في شخص واحد غالباً ما تعمد الى كبت إحساس الجماعة بشخصيتها وتجييره لخدمة هذا الفرد الذي استقل بالأمر دونها – بفعل قوته .. وضعفها – ولقد عرف الأنسان هذا الصراع المرير بين الفردية المطلقة والجماعة المهمشة – على شكل انتفاضات وثورات وتجويع وتقتيل وتعذيب .. الخ – منذ شعر بأنه كائن أجتماعي .. حتى العصور الحديثة ، بعد أن أصبحت الشخصية الأجتماعية مصدر القوانين والدساتير ، وصار للفرد حقوقه وحرياته في إطار الجماعة التي ينتمي اليها .
تعد اثينا أول مدينة تطلعت الى الحرية .. وكان ذلك في عصر (( بركسل )) الذي سمى النظام المطلوب لحكم البشرية الديمقراطية ، وقرر أن المواطنين متساوون وأحرار يتمتعون بالحقوق العامة وحق تولي المناصب ، ويعبرون عن آرائهم بصراحة وحرية الا أننا يجب أن نستدرك بأن الأجانب والأرقاء لاعلاقة لهم بهذه الحقوق . أن بدائية وسائل الأنتاج في العصر الأغريقي استعيض عنها بالرق .. حيث قنن في أطار التقاليد الأجتماعية الموروثة التي تكاد تعطل العقول عن العمل خارج فضاءها المعرفي .. حتى تمكنت من عقل أفلاطون الذي قبل في ( جمهوريته ) بوجود طبقة الرقيق بدون جدال .. وكذلك فعل تلميذه أرسطو الأستاذ الأول للعقل البشري .
واذا كانت وطئة الظروف وما تنتجه الضرورة القيمية ، قد ساقت التاريخ دون أن تمكن الأغريق من أن يلغوا نظام الرق ، فأنهم قد حسنوا وضع الرقيق قياساً الى زمانهم .. يقول البير باييه في كتابه (( تاريخ أعلان حقوق الأنسان )) :
(( حتى لنرى بعض الأرقاء العمومين قد اصبحوا موظفين حقيقيين .. كما نرى آخرين يزاولون المهن في حرية وذلك بشرط واحد هو ان يدفعوا أجزاء من ربحهم لسيدهم ذلك السيد الذي لم يعد له عليهم حق الموت والحياة فالعبد يحميه القانون الأغريقي في شرفه . ولكن نظام الأسترقاق بالرغم من كل هذه الأصلاحات قد ظلّ قائماً )) .
وعرفت روما معنى الديقراطية ، وشهدت صراعاً مريراً في سبيل المساواة وتحقيق الحرية وقامت فيها الثورات تلو الثورات .. حتى قامت الثورة التي ألغت النظام الملكي وأبدلته بالنظام الجمهوري ..
ولكن الى حين .
وأشتهر من بين الثائرين الرومان (( كانليوس )) الذي هاجم نظرية الفصل بين الطبقات الأجتماعية ودعا الى المساواة ، وأكد بأن الشعب وحده من يملك السيادة ، وزعق بوجوه الحكام قائلاً : (( وفي النهاية ، من يملك السيادة ؟ أأنتم الذين تمتلكونها أم الشعب الروماني ؟ وعندما طردنا الملوك هل كان ذلك لكي نقيم سيطرتكم محل سيطرتهم ؟ أم كان لكي نحقق للجميع الحرية وسط المساواة . يجب أن يعطى الشعب الروماني الحق في أن يضع التشريع اذا اراد )) .
نرى في الوقت الذي طالب (( كانليوس )) لجماهير الشعب بالحرية وطالب بمساواتها بالأشراف في الحقوق والواجبات ، فأنه أستثنى طبقتي العبيد والمعتقين .. ولا عجب في ذلك اذا ما عرفنا بأن عباقرة الفكر والفلسفة والإصلاح بله الأنبياء ، قد وطنوا انفسهم على قبول نظام الرق في مجتمعاتهم القديمة .. بالرغم من دعواتهم الكريمة الى الأخوة النسانية بغض النظر عن اللون والعنصر والدين والبلد والطبقة .. الخ .
وبعد ان حققت روما انتصارات كبيرة على قرطاجة .. بجهود ودماء ابناء الشعب ، راحت الطبقة المترفة المتسلطة ، تزداد ثراءً .. فيما اخذت تنكل بالشعب تنكيلاً فضيعاً .. وتسوقه الى سعير الفاقة ورمضاء البؤس .. فثارت ثلة من هؤلاء التعساء ، تنشد للشعب حق الحياة ، وأنتفض الثائر الروماني (( تيبريوس )) ، ناطقاً بأسم هذه الفئة المعوزة بلهجة مجلجلة :
(( ما هذا ؟ للوحوش الضارية مأوى تلجأ اليها وأولئك الذين يريقون دماءهم من أجل أيطاليا لايملكون غير الهواء الذي يستنشقونه ، فلا سقف يظلهم ولامأوى ثابت يسكنون اليه ، بل يهيمون على وجوههم في الأرض هم ونساؤهم وأطفالهم ! أنهم لايحاربون ولايموتون الا لكي يغذوا بذخ وأسراف قلة من الناس يسمونهم سادة الأرض ، ومع ذلك لايملكون من حطام تلك الأرض حفنة من التراب )) .
فأنقضت الطبقة الغنية على زعماء الثوار وأجتثتهم من جديد الأرض .. فصرخ أحد الثوار (( كايوس )) قبل أعدامه قائلاً : (( وهل تخطئون عندما تقتلوني ؟ أنكم بهذا القتل ستنزعون من جوانبكم ذلك السيف الذي أغمدته فيها ! )) وراح ثائر آخر هو (( ماريوس )) يندد بمفاخرة الأشراف بعظمة أجدادهم ويثلب تبجحهم الزائف قائلاً : (( أنهم لايمسكون عن الزهو بأجدادهم كلما تحدثوا أمامكم وأمام مجلس الشيوخ ، وهم يظنون أنهم بالحديث عن أعمال أجدادهم يضفون أشراقاً على أسمائهم ، بينما الأمر على عكس ذلك ، فكلما كانت حياة الأجداد أكثر أشراقاً كان جبن الأحفاد أعظم خزياً )) .
يمكن القول أن تقدماً نسبياً قد حصل في ظل الحكم الجمهوري في مضمار الحرية والمساواة .. لكن سرعان ما تمكن النظام الأمبراطوري الروماني من أسقاط الجمهورية وأفشال ذلك التقدم .
وفي تاريخ الرومان صفحة مشرفة لابأس من أضاءتها وسط ركام الظلام المدلهم والجور المكلكل .. تلك الصفحة تنبيء عن حرية المعتقد الديني ، فقد جاء في كتاب القانون الجزائي الروماني هذه الفقرة : (( ليس لأحد أن يطلب منك حساباً عن أيمانك . والقانون لايجبر أحداً على مزاولة عبادة ما .. فالرجل الأباحي الذي ينكر وجود القضاء يعيش بسلام الى جوار المتعبد المتزمت )) .. أما ما أشتهر في التاريخ من دعوى أضطهاد قياصرة الرومان لأصحاب الديانة المسيحية في عهدها الأول .. فليس الأمر كما راج .. لأن سبب ذلك الأضطهاد يعود الى أن المسيحيين كانوا ينتقصون من ديانات الرومان ، ويعيبون آلهتهم ، مما يوقعهم تحت طائلة القانون الروماني الذي (( يبيح للناس أن يؤمنوا بما شاءوا شرط أّلا يسيئوا الى معتقدات الآخرين )) .
أن الأنظمة الرومانية ، كسائر الأنظمة الأجتماعية في العالم القديم .. قد اذاقت العبيد صنوف العذاب وألوان التنكيل بما لايطاق .. فيضطرون الى الثورة .. والنهاية معروفة من قمع وأرهاب وقسوة وتقتيل ، حيث يقدمون على الموت الذي كان بالنسبة اليهم أشهى من الحياة وأرحم .
يقول المفكر سلامة موسى في كتاب الثورات .. واصفاً أنتفاضات العبيد بروما : (( كان الأسراف في القسوة ينبه العبيد أحياناً ويذكرهم بأنهم كانوا من البشر ويمكن أن يكونوا منهم لذلك كانوا يثورون )) .
وهذا مانجده في حركة (( سبارتكوس )) في ايطاليا حوالي سنة 73 ق . م .. حين فر مع سبعين عبداً ، وكانوا خليطاً من الزنج والبيض والسمر ومن جنسيات مختلفة وشرع يحض العبيد على الثورة ، فأجتمع له نحو مائة الف عبد .. غير أن هؤلاء المناكيد الأغرار راحوا يعيثون وينهبون .
تطلع (( سبارتكوس )) الى تحرير العبيد .. وأن يكّون منهم جيشاً جراراً يمزق به الدولة الرومانية .. فيما فكر في أقامة دولة جديدة لايكون لنظام الرق فيها مكان .. لكن أتباعه قد خيبوا أمله .. وفشلت الثورة .. لتبلد هؤلاء الرقيق وعدم دربتهم على الحرية بل أن فداحة ما ورثوه ولاقوه من ظلم ممتد قد صادر مجرد تفكيرهم بالمستقبل .. غير أن دروب الحرية لاتعدم سالكيها ، عندما نهض ثائر آخر (( ساتر نينوس )) الذي دعا الى وحدة الجنس البشري المبررة من الطبيعة : (( أن الطبيعة مشتركة بين الأحرار والعبيد )) أما ما يراه الناس من أختلاف بين البشر تمويهاً على أساس الأجناس البشرية فأنه من صناعة المستبدين بالأمر والمحتكرين للمال .. لأن هؤلاء المرتزقين الجائرين لايستقيم لهم البذخ والترف والجاه الا بذلك .. بيد أن فكرة الحرية قد أصيبت بنكسة مروعة مع دخول أوربا في فترة العصور المظلمة الوسطى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف