الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار في المبادئ مرة أخرى- 2 (من أجل توضيح الاختلافات)

سلامة كيلة

2009 / 2 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


حول الرأسمالية ووضع العراق
الواقع الإقطاعي:
ينطلق د.حبيب من الواقع الإقطاعي للقول بضرورة التطور الرأسمالي. وإذا كانت العلاقات الإقطاعية وشبه الإقطاعية هي السائدة قبل ثورة 14 تموز 1958، فإن الوضع قد تغير بعدئذ، حيث صدرت قوانين تتعلق بالإصلاح الزراعي. لكنه يشير، في الرد السابق والآن، إلى أنها عادت، حيث أن النظام خلال الحرب مع إيران تراجع عن الإصلاح الزراعي لكي يكسب شيوخ العشائر "وهنا عادت العلاقات الأبوية والعلاقات العشائرية وعلاقات الإنتاج التي تعتمد على العلاقة الاستغلالية القديمة بين مالك الأرض أو المستحوذ عليها وبين الفلاح الكادح الفقير". وبالتالي فرغم أن العلاقات الإقطاعية قد انتهت على صعيد عالمي –كما كنت أشرت، وكنت اقصد على صعيد كل العالم- فإنها "لم تنته في كل الدول النامية". ويشير إلى العراق بأن "العلاقات السائدة هي ما قبل الرأسمالية، وهي مؤثرة حتى على حياة المدينة". وبالتالي يشير إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية ودور المرجعية العشائرية والمرجعية الدينية الطائفية في العراق ليدلل على وجود بقايا تلك العلاقات. حيث ازدهار العشائرية والانتماء العشائري على حساب المواطنة العراقية المتساوية.
ما يمكن تلمسه هنا هو الخلط بين علاقات الإنتاج والعلاقات الاجتماعية والوعي الاجتماعي. فعلاقات الإنتاج هي تلك التي تتعلق بطبيعة ملكية الأرض، والعلاقة بين المالك والفلاح. وخصوصاً هذه الأخيرة، لأنه في الرأسمالية هناك ملاك أرض، حيث الأرض هي ملكية خاصة، لكن شكل العلاقة مع الفلاح هي التي تختلف. وكان من الطبيعي أن يقود الإصلاح الزراعي إلى إعادة تمركز الملكية الخاصة في ظل سيادة الفئات الوسطى، فهذا هو طريق التطور الرأسمالي في الريف. وبالتالي فإن التراجع عن الإصلاح الزراعي لم يعن عودة الإقطاع بل عنى تغلغل العلاقات الرأسمالية في الريف. وهذا حدث في مصر وسورية وكل البلدان التي قامت بالإصلاح الزراعي.
لكن هل أن عودة العلاقات الأبوية والعشائرية، وعودة دور المرجعية الدينية الطائفية هو عودة إلى الإقطاعية؟ لبنان ليس إقطاعياً، لكن دور المرجعيات الدينية والطائفية أساسي، وكل كيان الدولة يقوم على المحاصصة الطائفية، وهو ما حصل في العراق ما بعد الاحتلال الأميركي. المشكلة هنا تتحدد في طبيعة الرأسمالية التي تهيمن، حيث أن "نقص التطور الرأسمالي"، أو تعميم العلاقات الرأسمالية دون قوى الإنتاج الصناعية، يسمح باستمرار وجود البنى التقليدية القديمة. وهذه سمة النمط الكولونيالي كما أسماه الشهيد مهدي عامل. حيث تتراكب العلاقات المحلية مع قوى الإنتاج في المراكز وليس مع قوى إنتاج "وطنية". وبالتالي فما سمح بعودة كل هذه البنى الماضوية هو أنها ظلت موجودة لأن بنى جديدة لم تتشكل لكي تندثر. وكل المحاولات كانت قاصرة وهزيلة، منها المرحلة التالية لثورة 14 تموز.
وبالتالي فإن وجودها لا يعني استمرار النمط الإقطاعي، بل يعني أن النمط الرأسمالي المتشكل لا يتناقض مع وجودها، ومن ثم لم يؤسس البنى البديلة، لهذا استمرت. ولسوف تستمر إلى أن يتحقق بناء قوى منتجة حقيقية، بناء الصناعة وتطوير الزراعة. لأن هذه البنى تعتبر من البنى الفوقية التي لا تزول بسهولة. لقد مالت النظم إلى استغلال وجودها في اللحظة التي احتاجتها، كما يشير د. حبيب فيما يتعلق بصدام حسين، وكما فعل الاحتلال الأميركي. وبالتالي يمكن أن تبقى مجال استغلال ما دام التطور لم يفرض تجاوزها.
ولقد أشرت سابقاً إلى أن هذا هو الشكل الممكن للرأسمالية في إطار سيطرة النمط الرأسمالي عالمياً، حيث لا يميل الرأسمال المحلي إلى بناء الصناعة لأنه لا يريد الدخول في تناقض مع الرأسمال الإمبريالي، حيث سيكون هو الخاسر. وهذا الوضع يجعل استمرار البنى التقليدية والوعي التقليدي أمراً محتماً. إذن، هذه هي النهاية الممكنة للرأسمالية في الأطراف، وأي ميل لتجريب تجاوز ذلك، في إطار رأسمالي، سوف يلقى مصيراً سيئاً. ولقد حاولت الفئات الوسطى فعل ذلك، فهزمت الإقطاع وحاولت بناء الصناعة، إلا أن مصالح الفئات المهيمنة فيها فرضت وقف التطور، والتحوّل مجدداً إلى رأسمالية كومبرادورية. بمعنى أنه لم يعد ممكناً التطور الرأسمالي في مواجهة الهيمنة العالمية للرأسمال الإمبريالي، لم تعد قوانين الرأسمالية التقليدية تسمح بتحقيق هذا التطور. ثم ليست هناك برجوازية تمتلك روح المغامرة لتحقيق هذا التطور الرأسمالي. وكما أشرنا فإن الفئات الوسطى سرعان ما تميل إلى تحقيق الكسب الفردي لتقطع التطور، وتعيد سيادة البنى التقليدية. ود. حبيب يشرح هذه المسألة فيما يتعلق بالعراق، ويمكن أن نشرحها كما تجري في سورية، أو كما جرت في مصر.
وهنا يصبح بناء الصناعة والحداثة مرتبطان بقوى هي في تناقض عميق مع الرأسمال الإمبريالي، في تناقض جذري معه، لكي تمهد لتطور محلي عبر دور مركزي للدولة بصفتها حامية من أخطار المنافسة الخارجية، ومن قوة سطوتها. وهذا ما يعطي الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء الأفضلية، حيث أن رؤيتها لتحقيق التطور تتجاوز الآليات التقليدية للتطور الرأسمالي.
وهذه هي المسألة الأساس هنا، حيث أن التحديد بأن الإقطاع هو المهيمن أو أن رأسمالية تابعة هي المهيمنة ليس مهماً فيما يتعلق بطبيعة الطبقات التي عليها أن تلعب الدور المركزي في تحقيق التطور. ففي كلا الحالتين البديل هو الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وحزبهما، لكن في إطار تحالف طبقي واسع يقودانه. والماركسية تعطي المقدرة على فعل ذلك حينما تصبح أداة وعي وفهم، وبالتالي تحديد رؤى وسياسات.
كيف يطرح التطور الرأسمالي؟
طبعاً د.حبيب يطرح خياراً بديلاً من أجل التطور الرأسمالي الذي لا يجد مناصاً عنه، حيث يقر بأن الدول الرأسمالية تمنع التطور الذي يقتضي التصنيع والتحديث، من أجل تغيير علاقات الإنتاج نحو الرأسمالية. لكنه يشير إلى أن ذلك لا يعني أن هذا التطور غير ممكن نهائياً، خاصة وأنه "يمكن أن يتحقق في ظل المجتمع المدني، بالرغم من مقاومة الدول الرأسمالية في المراكز الصناعية"، عبر بلورة "رأسمالية وطنية". ويعتقد بـ "أن مهمة النضال في سبيل تغيير البنية الاقتصادية الكولونيالية الراهنة تسمح بالتحول صوب المجتمع المدني الذي يفتح الطريق على التغيير المنشود". هنا نلمس بأن التطور يتحقق في ظل المجتمع المدني، الذي لا يتحقق إلا بتغيير البنية الاقتصادية الكولونيالية، كيف ذلك؟ وما هو المجتمع المدني هذا الذي سيفتح الطريق نحو التغيير المنشود؟ المجتمع المدني هنا هو الذي يفتح على تغيير البنية الاقتصادية الكولونيالية، لكنه أيضاً نتيجة تغيير هذه البنية، أليس في ذلك شربكة لا معنى لها؟ وما هو هذا المجتمع المدني الذي يحمل كل هذه القوة؟
هنا ليس من حديث عن طبقات بل عن مجتمع مدني. إن تغيير البنية يسمح بنشوء "المجتمع المدني" إذا كان هذا يعني وجود الأحزاب والنقابات والنظام الديمقراطي. لكن يجب أولاً تحديد كيف يمكن أن تغير البنية الكولونيالية. فالمشكلة الأساس هي هنا. فمن يستطيع تغييرها؟ وكيف تتغير؟ القول بالمجتمع المدني لا يجيب على ذلك لأنه نتاج تغيير البنية. وخصوصاً في ظل كل هذا الانقسام الطائفي والمذهبي والديني والقبلي. التغيير لا يبدأ من المستوى السياسي وإن كان يتحقق بالسياسي. لأن البنية الاقتصادية الاجتماعية لا تؤسس لمجتمع مدني مستقر، وبالتالي يجب تغيير البنية أولاً.
أتخيل هنا الصيغة التي تُطرح، حيث تكون المشاركة في السلطة من قبل مختلف الأحزاب مجالاً لـ "تأثير" الشيوعيين وقوى الحداثة الأخرى لكي تُبنى الصناعة رغماً عن الرأسمالية، ويتحسن وضع الزراعة عبر الضغط من أجل إصدار القوانين، وتحسين دور القطاع العام وتحفيز القطاع الخاص. لكن هل يخضع الرأسمال لهذا الضغط؟ وهل يسمح أصلاً لهؤلاء بالضغط؟ هنا سنلمس بأن تجاهلاً يطال المصالح الطبقية للقوى المسيطرة في السلطة، وأن حسن صياغة الأفكار من قبل الشيوعيين ستكون كافية لكي تسحر تلك القوى وتجعلها تقبل أو تحسّن من السياسات الاقتصادية التي تمارسها الدولة. أليس في كل ذلك أوهام وردية؟
الموضوع هو موضوع صراع طبقات، وكل من سيطر على السلطة فرض برنامجه. وحين تهيمن المافيات كيف يمكن أن تفرض عليها تغيير العلاقات صوب الرأسمالية، وهي الأقوى على الأرض؟
إن منطق "المجتمع المدني" لا يفعل سوى المشاركة في سلطة تخدم طبقة مافياوية، والتي هي تفرض مصالحها من موقع القوة، وبالاستناد إلى قوة الاحتلال. وفي كل الأحوال فإن تكريس الرأسمالية كعلاقات، بمعنى سيادة الاقتصاد الحر، لا يجعل من الممكن أن يميل الرأسمال الخاص إلى التوظيف في الصناعة أ, حتى الزراعة، بل في التجارة والخدمات. وما دام هو السلطة فلسوف يفرض منطقه، بغض النظر عن ملاحظات وضغوط "العملية السياسية"، فهنا صراع مصالح وليس "شعور وطني".
لكن، ولكي أتابع الحوار وفق ما يطرح د. حبيب أشير إلى أنه المهمات المطروحة هي مهمات وطنية ديمقراطية، ويعود إلى تاريخ الحزب الشيوعي ليشير إلى أنه كان يناضل من أجل انجاز مهمات مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية" ويقول أن مصطلح الثورة الوطنية الديمقراطية مفهوم ويعني انجازها في ظل سلطة البرجوازية الوطنية أو البرجوازية الصغيرة، أو في ظل سلطة الطبقة العاملة وفق واقع كل بلد من البلدان". حيث أن "مهمات المرحلة الوطنية هي مهمات عامة وفي مصلحة كل طبقات والفئات الاجتماعية الوطنية، ابتداءاً من البرجوازية المتوسطة ومروراً بالبرجوازية الصغيرة والمدينية والفلاحين والطلبة والمثقفين، وانتهاءً بالطبقة العاملة". ويكرر بأن المهمات هي وطنية وديمقراطية "تحققها كلياً أو جزئياً فئات اجتماعية عديدة"، "إذ يمكن أن تحققها البرجوازية المتوسطة أو الصغيرة أو الطبقة العاملة، لأنها مهمات عامة ومشتركة". ويقول أنه في الرد السابق لم يبحث في "من ينفذ تلك المهمات". لهذا يجب "تعبئة كل القوى السليمة، كل الفئات الاجتماعية ذات المصلحة بالتغيير والتحولات المدنية الديمقراطية وانجاز ما تعطل من مهمات في العقود السابقة". لكنه هنا يشير إلى أنه لا يشترط ولا يحدد أن يكون الشيوعيون في الحكم. فليس بالضرورة أن تتحقق "تحت قيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي أو القوى اليسارية العراقية، إذ أن الحديث عن الاشتراكية وعن مثل هذه القيادة في المرحلة الراهنة حديث بعيد عن الواقع".
أن تتشارك طبقات عديدة، وأن تتحالف، فهذا أمر ضروري، حيث أن المهمات المطروحة تتواشج مع مصلحة ليس العمال فقط، بل والبرجوازية الصغيرة والفلاحين، والفئات الوسطى عموما". وبسبب ضرورة هذا التحالف يصبح طرح تحقيق الاشتراكية خاطئاً. لكن السؤال حول منْ يقود جوهري هنا. لأن المسألة لا تتعلق بأخلاقية معينة تحكم هذه الطبقات جميعاً بعيداً عن مصالحها. حيث يسعى كل منها لأن يكون هو في القيادة، وهو المهيمن. وهذا وضع طبيعي لأن كل منها يسعى إلى فرض مصالحه، ولا يسعى لتحقيق المهمات الوطنية الديمقراطية إلا بالقدر الذي يخدم هذه المصالح. لهذا يميل كل منها نحو التفرد. وفي التجربة العراقية ما يغني في هذا المجال، رغم أن ما جرى يفسر كأخطاء وربما فردية. حيث تفرّد عبد الكريم قاسم، ثم سيطر القوميون، والبعث، وهذه كلها تمثل الفئات الوسطى التي لها مصلحة في تحقيق المهمات الوطنية والديمقراطية. والسبب بيّن، حيث أن مصالحها تفرض أن تتفرد لكي تحقق السيطرة الاقتصادية. وهذه العملية تفرض تحطيم ما حققته هي ذاتها، كما شاهدنا، وكما أشار د. حبيب. هل نكرر التجربة مع فئات وسطى أخرى؟ أم نقبل التجربة مع المافيات التي باتت هي الحاكمة بعد الاحتلال؟ (والأمر مشابه في بلدان عربية أخرى غير محتلة مثل سورية ومصر). أم أنه بإمكاننا أن نختار فئات وسطى يمكننا أن نعطيها حسن سلوك؟ هذه هي طبيعة الفئات الوسطى، والتجربة العربية توضح دون لبس إلى أنه حتى الخيار الذي قادته الفئات الوسطى أوصل إلى الفشل الذريع.
طريق التطور اللارأسمالي:
يواجهنا د. حبيب بأن هذه التجربة مثلت حرقاً للمراحل وقفز عليها. حيث يعتبر بأن ما كان يتحقق هو الاشتراكية. حيث أنه جرّ على العراق الكثير من المشكلات. وهو يشير إلى أنه لم يكن مقتنعاً بأن هناك طريق تطور لا رأسمالي، لكنه كان يعتقد بـ "أنه يتحقق تحت قيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي فقط، إذ يمكن للبرجوازية الصغيرة أن تتخذ جملة من الإجراءات لكنها لا يمكن أن تقود النضال على هذا الطريق صوب الاشتراكية" حسب ما كتب في أطروحة الدكتوراه سنة 1968. وبالتالي فإذا كان لازال عند قناعته فإن التطور الذي جرى لم يكن اشتراكياً بل إجراءات برجوازية صغيرة. بمعنى أن شعار "معاً سنبني الاشتراكية" الذي طرحه بعض أعضاء القيادة في الحزب وليس كل الحزب، رغم أنه كان شعار المؤتمر، كان وهمياً إلى أبعد الحدود، حيث أن التحالف مع البعث، وتحت قيادته، كان في إطار تحقيق مهمات ديمقراطية، أو بعض المهمات الديمقراطية، التي كان الحزب يرى أنها خطوات متقدمة، ود. حبيب بات يعتبر أنها قفز عن المراحل، رغم أنها أبسط مما يجب أن يتحقق، في مجال الإصلاح الزراعي وفي مجال التصنيع، كما في مجال تحديث التعليم والمؤسسات.
إذن، من أين أتى وهم أن الحزب الشيوعي حاول "حرق المراحل بالفكر والسياسة"؟ الفكرة بأن البرجوازية الصغيرة تميل نتيجة صراعها مع الإمبريالية إلى التحول صوب الاشتراكية كانت خاطئة، لأن البرجوازية الصغيرة تسعى لأن تحقق مصالحها، التي هي مصالح رأسمالية. لكن الخطوات التي كانت تتحقق على الأرض كانت في إطار المهمات الديمقراطية، وبكفاءة متدنية. لهذا فإن البعث لم يكن يبني الاشتراكية بل كان يحقق عملية التطر الرأسمالي، وإنْ بأشكال أخرى غير الشكل التقليدي الذي بات من الماضي، أي عبر دور الدولة. لهذا فرّخت الدولة بضع مليارديرات (كما في التجارب الأخرى)، وعادت في كثير من البلدان إلى التخلي عن دور الدولة بعد أن باتت طبقة رأسمالية.
هنا فكرة القفز لا مكان لها، وكذلك فكرة المقارنة بالتجربة الاشتراكية. فهذه هي المحاولة ربما الأخيرة للتطور الرأسمالي، وإن كانت قد أفادت من أشكال تحقق الاشتراكية عبر دور الدولة. وهذه الاستعارة ضرورية مادامت الرأسمالية قد باتت نمطاً عالمياً. لكنها لا تلغي أن المحاولة هي محاولة تطور رأسمالي.
إذن، أين أخطأ الحزب؟ فقد كان مع التطور الرأسمالي منذ البدء ربما، وبات مع التطور "اللارأسمالي" الذي هو تطور رأسمالي كذلك. فقط بدا طرح الاشتراكية في هذه المرحلة الأخيرة مشوشاً إلى أبعد الحدود، لأنها باتت تساوي دور الدولة الاقتصادي أو التخطيط، أي تساوي المهمات الديمقراطية. لهذا يشار من قبل العديدين، ومنهم د. حبيب، إلى خطأ سياسة الحزب بموافقته على تحقيق الاشتراكية. دون لمس "المراوغة" الفكرية التي حولت خطوات ديمقراطية إلى تحقيق للاشتراكية. وبالتالي إلى هزال الفكر الماركسي الذي تاه في ألاعيب البرجوازية الصغيرة.
هنا إذا كان هناك مشكلات وويلات في التجربة فليست نابعة من أنها اشتراكية، بل من طبيعة الفئات التي باتت هي السلطة، مطامحها وآليات حكمها ومصالحها، وهي فئات وسطى كما أشرنا وليست "نبتاً شيطانياً"، وبالتالي فهذه هي مصالحها وسياساتها، ومن يرفضها يجب أن يفكر في بديل طبقي آخر غيرها. وهنا نشير إلى أن البديل الطبقي هو ليس الرأسمالية فهذه عودة إلى الوراء، وإعادة إنتاج لرؤية تكرس الواقع القائم، لأن ما هو قائم هو "النمط الرأسمالي" الممكن في الأطراف. وهو الأمر الذي يعني أن المهمات الديمقراطية لا تتحقق إلا بقيادة طبقية أخرى بعد أن أصبح واضحاً أن البرجوازية غير معنية، والفئات الوسطى هذه هي حدودها التي لمسناها في كل مسام من مسامات أجسادنا. هل نسمح بانتهاك أجسادنا مرة أخرى؟
هل أنه من الممكن أن يلعب العمال والفلاحون الفقراء هذا الدور؟ من الطبيعي أن لا تتعلق المسألة برغبات ذاتية، ولا بحلم هو وهم، فهذه ما لمسناه حين تناول خيارات التطور الرأسمالي، وأيضاً في ظل قيادة الفئات الوسطى. هذه هي الرغبوية، وتعليق الأحلام على ما هو مستحيل. لقد أظهرت التجربة الملموسة عربياً في العالم طيلة القرن العشرين أن كل خيارات التطور الصناعي الرأسمالي مسدودة، وهي إذا ما حققت بعض التقدم سرعان ما ينهار نتيجة المصالح الضيقة لهذه الطبقات.
لكن إمكانية الخيار لا تعني حتميته كذلك، لهذا فإن القول بأن تحقيق المهمات الديمقراطية بات مرتبطاً بدور العمال والفلاحين الفقراء لا يعني ألا نجيب على سؤال: كيف؟ أي كيف يمكن أن يصبح هؤلاء هم قيادة النضال من أجل تحقيق تلك المهمات؟ هنا ليس الحجم فقط هو الذي يحدد ذلك، رغم أن كتلة هؤلاء كبيرة، وربما تناهز نصف السكان، بل أن وجود الحزب المعني بتحقيق هذه المهمات، والمندمج بهؤلاء، والذي ينطلق من خوض الصراع الطبقي وليس "النضال السياسي السلمي"، والذي ينطلق من رؤية وإستراتيجية واقعيتين، ومعبرتين عن الظروف القائمة. هي كلها ضرورة من أجل أن يصبح ممكناً أن يلعب العمال والفلاحون الفقراء هذا الدور. خصوصاً وأن هؤلاء يمتلكون إمكانية التنظم والتماسك، وأيضاً التحالف مع كتلة أساسية من الفئات الوسطى (الفلاحون، والبرجوازية الصغيرة المدينية).
هذا الأمر هو الذي يفرض كل هذا الحوار حول إستراتيجية الشيوعيين ورؤيتهم، وبالتالي سياساتهم.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 2 / 4 - 23:29 )
الأستاذ سلامة كيلة
تحياتي
لقد أثبت التجارب السابقة في سوريا والعراق ومصر وليبيا والعديد من البلدان التي إنتهجت ماسمي خطئا بطريق التطور الآرأسمالي أنه لا يمكن إنجاز المهمات الوطنية الديمقراطية والأنتقال الى الأشتراكية عن طريق البرجوازية الوطنية أو البرجوازية الصغيرة والتي سرعان ما ترتد عن إنجاز هذه المهمات لذلك لم يعد هناك من داعي للنقاش حول القوى المؤهلة لأنجاز هذه المهمة حيث حسم النقاش أن الطبقة العاملة وحلفاءها هي المؤهلة فقط لأنجاز هذه المهمة شرط تصدر الطبقة العاملة لهذه المهمة وإنجازها حتى النهاية وصولا الى مرحلة بناءالأشتراكية. النقاش الأن يدور حول إمكانية تصدي الأحزاب الشيوعية لهذه المهمة عن طريق الوصول للسلطة عن طريق الممارسة الديمقراطية كما حصل في فنزويلا ونيكاراغوا وغيرها من بلدان أمريكا الاتينية أم أنه يستوجب ممارسة العنف الثوري للوصول الى السلطة كما كان مرفوعا سابقا؟ وهل دخول الحزب الشيوعي العراقي العملية السياسية هو يعني تخلي الحزب للبروجوازية الوطنية للتحقيق مهام مرحلة الثورة الوطنية الديقراطية؟ وشكرا


2 - مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية
سلامة كيلة ( 2009 / 2 / 5 - 13:02 )
الرفيق العزيز
شكراً لما كتبت، وأظن أن النقاش يجب أن يتركز في النقطة التي طرحتها، وبالمتمثلة في كيفية التغيير والوصول إلى السلطة. حيث لا يجوز أن نظل نكرر سياسات أثبتت فشلها المرة تلو الأخرى، تنطلق من أن ليس على الشيوعيين أن يطرحوا على أنفسهم مسألة قيادة الصراع الطبقي، وبالتالي الوصول إلى السلطة. وكذلك قيادة النضال الوطني. لقد جربنا الطبقات الأخرى، وطنياً في فلسطين، وطبقياً في العراق وسورية ومصر والجزائر، وتلمسنا النتائج.
لهذا يجب أن ننتقل خطوة أخرى في النقاش. كيف يمكن أن نصل إلى السلطة؟ لكل بلد ظروفها، وإذا كان اليسار في أميركا اللاتينية يصل إلى السلطة عبر الانتخابات فلأن هناك دول ديمقراطية، نشأت بعد تجارب فاشلة ودكتاتوريات طيلة قرن. وبالتالي أصبح ممكناً أن تجري انتخابات ديمقراطية، وأن يكون هناك يسار يخوضها. مع ملاحظة أن هذه التجارب لم تقم بها أحزاب بل أفراد يساريون في الغالب، دعموا بأحزاب يسارية، ورفضتهم أحزاب يسارية أخرى. من هنا لهذه التجربة خصوصياتها التي لا نلمس أنها موجودة عندنا.
ورغم أن انهيار الاشتراكية قد ساعد على تمرير أفكار مثل التطور السلمي، والتعايش والمفاوضات، ورفض الثورة والتغيير الثوري و-العنف-، فإن مسألة كيفية الوصول إلى السلطة أو طرد الاحتلال لا يتوقف تحديدها

اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط