الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد : الفينيق ينبعث من رماده

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يمكن لأي متابع للانتخابات الأخيرة التي عرفها العراق ؛ إلا أن يبارك للعراقيين مسيرتهم نحو صناعة دولة حديثة تقوم على الديمقراطية و المؤسسات ؛ و هي الدولة التي حلمت بها ملايين الشعوب العربية ؛ منذ مئات السنين دون أن يتحقق حلمها ؛ لأن حمل التاريخ أكبر من قدرتها على التغيير .
لقد قيل و كتب الكثير حول التجربة العراقية الجديدة ؛ ما بين متهم يعتبرها تجربة أمريكية فاشلة ؛ مفضلا التغيير من الداخل ؛ و بين مؤيد يعتبر أن قدرة الشعوب العربية على التغيير من الداخل ضعيفة جدا ؛ لأنها لا يمكنها باعتماد قواها الذاتية ؛ أن تقاوم قرونا من الاستبداد الذي ترسخ ؛ و لذلك لابد من قوة دفع خارجية ؛ تساعد على التغيير .
عاش العراق التجربة الثانية من بين التجربتين؛ حيث تضافرت مجموعة من العوامل الإستراتيجية على المستوى الدولي؛ ليكون العراق الدولة العربية الأولى التي تدخل مختبر التشريح؛ لإجراء عملية جراحية غير محسوبة العواقب.
لقد أدى العراقيون ثمنا باهظا من أرواحهم و أمنهم الداخلي ؛ لكن ذلك كان أهون على الكثيرين منهم من استمرارية تاريخ من الاستبداد الشرقي ؛ الذي عانوا من ويلاته قرون طويلة ؛ كغيرهم من الشعوب العربية الأخرى .
نحن هنا لا نبرر الاستعمار الأمريكي؛ الذي أتى على الأخضر و اليابس ؛ و دمر حضارة عمرت آلاف السنين ؛ و هي جريمة سيسجلها التاريخ ضد البربرية الأمريكية ؛ رغم كل عمليات التجميل التي يمكن أن نخضعها لها ؛ كما لا يمكننا أن ننفي الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي قادت الحرب ضد العراق ؛ و التي يوجهها العامل الاقتصادي و العسكري .
لكن دعنا ننظر إلى النصف المملوء من الكأس؛ حتى نكون أكثر موضوعية و نتساءل:
من كان يفكر يوما في استئصال نظام استبدادي؛ يقوده دكتاتور؛ لا يمكنه أن يعبر بتاتا عن الوجه الحضاري للعراق ؟
هل كانت الجرائم التي اقترفها النظام الصدامي في حق العراقيين أقل بشاعة من الجرائم التي اقترفها الاستعمار الأمريكي ؟
هل كان من الممكن عبر استراتيجية التغيير من الداخل ؛ نقل العراق إلى مرحلة الديمقراطية و المؤسسات ؛ التي يبشر بها المستقبل العراقي القريب بله البعيد ؟
لقد علمتنا تجارب الشعوب عبر التاريخ؛ أن الاستبداد مرض سرطاني؛ لا يمكن أن تنفع معه العلاجات الخفيفة؛ بل يجب التوجه إلى الورم مباشرة و استئصاله كي لا يتوسع؛ لكن هذا الاستئصال ليس بالعملية السهلة و المضمونة النتائج ؛ بل ينطوي على مخاطر ؛ تتطلب حنكة طبية حتى يتم تجاوزها .
لقد أدى فرنسيو الثورة الفرنسية آلاف الأرواح ؛ قبل أن يحققوا دولة القانون و المؤسسات ؛ المبنية على الحرية و المساواة و الأخوة ؛ و واجه الألمان بكل شراسة الدكتاتورية الهتلرية ؛ كما واجه السوفييت الديكتاتورية الستالينية بنفس القوة ؛ و أنهى ميلوزوفيتش حياته السياسية مجرم حرب ؛ و مات في سجنه ...
و كلها تجارب تعلمنا أن ضريبة التخلص من الاستبداد باهظة الثمن و لا تؤديها إلا الشعوب التي تمتلك إرادة التغيير؛ لكن النتيجة على المدى المتوسط و البعيد تكون أفضل بكثير من حالة التعايش مع الورم السرطاني الخبيث الذي هو الاستبداد .
إن حالة العراقي اليوم؛ و هو يصنع مستقبله السياسي بإرادته؛ أفضل بكثير من أحوال الملايين من الشعوب العربية الأخرى؛ التي ما تزال تقاد مثل القطيع؛ في انتخابات مزورة – إذا حدثت - تكرس نفس الوجوه و نفس السياسات و نفس الأنظمة ؛ و لذلك فإنه ينظر بأمل إلى المستقبل ؛ الذي لن يكون شبيها للماضي تماما .
لقد استعار شعراء الحداثة العرب – أدو نيس مثلا – أسطورة طائر الفينيق ليؤكدوا على قدرة الأمة العربية على تحقيق الانبعاث ؛ و الخروج من الرماد قوية ؛ و نموذج العراق اليوم يؤكد بالملموس القوة الكامنة في الأمة العربية ؛ و التي يمكنها أن تنتفض في أية لحظة ؛ لتصنع تاريخا جديدا .
نهنئ الشعب العراقي العظيم على إنجازاته و نرجو أن يكون كعادته على مر التاريخ العربي منارة تضيء الليل العربي الحالك .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري