الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المقاومة وموت السؤال
احمد الحاج علي
2009 / 2 / 11الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
منذ أن وجد آدم على الأرض وهو يواجه مشاكل وجوده وبقائه على قيد الحياة، فالإنسان البدائي أمام وحش يهاجمه ، يبادر تلقائيا إلى الدفاع عن نفسه ، فيلتقط حجرا ويقذ ف بها الوحش وفي مراحل متقدمة حاول تشذيب وسن مجموعة من الحجارة لتكون أكثر فاعلية واشد مضاء ،ثم تساءل هذا البدائي كيف ارمي عدوي عن بعد لأكون في مأمن من شره ؟فهداه عقله إلى جذوع الأشجار ، فصنع منها عصي طويلة مدببة من طرف واحد ليكون حرا في توجيه ضربات موجعة للوحش
ولعل انتشار النبوت ( وهو عصا طويلة وغليظة ) منتشرا في الريف المصري يعود إلى تلك العصور السحيقة ، لابل لعل فكرة صناعة المدافع الميدانية الحديثة تعود إلى نفس الفكرة البدائية التي تقول : كيف أدمر عدوي وأنا بعيد عنه ؟
إذن ،لجوء الإنسان القديم في أوقات فراغه إلى سن الحجر، أو صنع الحراب من جذوع الأشجار، أو بناء بيت هو فعل تهيئة واستعداد بقصد الدفاع عن وجوده كفرد وأسرة وجماعة إذن هاجسه كان هاجسا يشغل كل وقته ألا وهو كيف ينتصر على هذا العدو أيضا.
ومع اكتشاف الزراعة وامتلاك الأرض وتقسيمها بين الجماعات صارت مسؤولية الإنسان القديم الدفاعية مسؤولية مزدوجة، وهي الدفاع عن نفسه وعن ممتلكاته وعن الأرض التي يزرعها.
باختصار يمكن القول أن تاريخ الإنسان يمكن تتبعه من خلال تطور صناعة السلاح الذي أصبح سلعة تباع وتشترى في السوق البيضاء والسوداء.
ومع التطور الحضاري خلص العقل البشري إلى أن السلاح وحده لايكفي، وان الانتصار على العدو لايقتصرعلى امتلاك العتاد وحده، ولا على القوة العددية، ولا على القوة العضلية، برغم أهمية هذه العوامل .ومن يعتقد أن امتلاك السلاح بكافة أنواعه، والأعداد الغفيرة، واللياقة البدنية – على أهميتها- فهو واهم ولا ينتمي إلى هذا العصر .
الرئيس الأوغندي السابق عيدي أمين الذي كان جنديا في جيش الاحتلال البريطاني لبلاده برتبة مساعد طباخ، ويملك جثة بحجم فيل، عرض على خصمه وغريمه التنزاني في إحدى خطبه النارية أن ينازله في حلبة الملاكمة فردا لفرد، لينهي النزاع بينه وبين بلاده، ولم ينفع عيدي أمين ضخامة جثته، ولا مهارته في الملاكمة، ولا عرضه الأبله، فقد انهزم جيش بلاده، وانهزمت معه عقلية قديمة ترى أن القوة العددية والقوة العضلية كافيتين لهزيمة الخصم.
في عالم الحيوان الأرنب ينهزم أمام الذئب، ليصير وجبه شهية. الذئب يملك قوة عضلية، ويملك حجما اكبر، وقوائم أسرع، والبومة تنقض على الحمامة لتصير وجبة ممتعة لأنها تملك جسما أقوى، ومخالب حادة، ومنقارا يستطيع تمزيق الحمامة .
لا الحمامة فكرت كيف تدافع عن نفسها، ولا الأرنب فكر كيف يبعد هذا الشر المحتوم؟ لكونه لايملك عقلا بشريا حتى يفكر بسن حجر، أو بقطع غصن شجرة، ليكون سلاحه في مواجهة الوحش، ولا فكر. كيف ينظم نفسه وينشئ تعليما يدخله العصر؟ ولا بنى صناعة حديثة، ولا اقتصادا قويا ، ولسوف يبقى الأرنب وتبقى الحمامةالى نهاية الكون طعاما رخيصا للضواري .
الوحيد الذي لايهزم من بين الحيوانات هو الأسد لذلك سمي ملك الغابة .
في عالم الإنسان يختلف الأمر، فعندما يختلف شخصان، ويحتكمان إلى القوة، وينهزم احدهما، لاينتهي الامرعند هزيمة المهزوم. فلحظة هزيمته يبدأ بطرح الأسئلة : لماذا هزمني عدوي؟ ماهي الأسباب ؟ كيف انتصر على خصمي ؟ ومتى الحق به الهزيمة ؟
العرب وحدهم كانوا وما زالوا بعيدين عن ثقافة السؤال، ولم يتعلموا كيف يقبلون التحدي.
ففي كل اعتداء إسرائيلي على بلداننا وشعوبنا تعلو الأصوات المنددة، والخطابات الهادرة مترافقة مع هدير طائرات ودبابات العدو، بينما نحن نخطب ونخاطب، ونشجع. وندين. وندعو الله أن ينصرنا، ويهزم عدونا، و تنشط الكاميرات، تصور لنا مشاهد القتل والدمار، وتنقل لنا مناظر النادبات النائحات اللاطمات على أولادهن وأزواجهن وآبائهن من جرحى وأموات، وتعقد الندوات، واللقاءات، والاتصالات، تتحدث عن وحشية العدو، وتسير المظاهرات الشعبية، وتنشد الأناشيد الوطنية في كل أوطاننا نستنكر. ونشجب. ونغضب. ونهيج، وتبلغ العاطفة أوجها عند الشعراء، فتنظم القصائد الغاضبة، ويشتم العرب بعضهم بعضا، ومع انتهاء العدوان الوحشي، وخفوت قعقعة السلاح ، يخفت الضجيج والصخب ويعود الحال إلى حاله دون أن نجرؤ على طرح الأسئلة: لماذا نحن ضعفاء ؟ لماذا عدونا قوي ؟ كيف نواجه عدونا؟ ماهي الأدوات ؟ كيف نحقق التوازن مع العدو ؟ ثم كيف نهزمه ؟
لم نفكر كما فكر الإنسان البدائى : نسن الحجر ونصنع منه حربة، ولا كيف نصنع من أغصان الأشجار حرابا؟ ولم نقرا تجارب شعوب قارعت الاحتلال و الطغاة، ولم نعمل على إنشاء مؤسسات مستقلة تقدم لنا الدراسات والمعلومات عن العدو. كيف يعمل ؟ وكيف يفكر؟ وكيف يصنع ؟ وكيف يقاتل ؟ وكيف يحزن ؟ وكيف يفرح ؟
لقد برع النظام العربي فقط في تجفيف وتنشيف كل حراك مجتمعي ومؤسساتي، ووجه ضربة قاصمة لفعل الممانعة، فالأمة التي تفتقد إلى العلم والمعرفة والاقتصاد القوي والصناعة المتطورة والتكنولوجيا الحديثة والمؤسسات الحرة الفاعلة يفتقر قطعا إلى روح المقاومة والمبادرة باستثناء الهياجانات الجماعية التي ترافق حفلة الدم والخراب التي تقيمها إسرائيل على أشلائنا كلما تشهت الدم والخراب.
نعم لم نسال (أنظمة وشعوبا ) لماذا تهزمنا إسرائيل وتحتل أرضنا؟ دون أن ندرك أن عصابة – كما نسميها- تهزم امة لابد أن هناك خللا عند الأمة المهزومة . هل سألنا ما هو هذا الخلل؟ وكيف نزيله ؟ هل سألنا أنفسنا أيستطيع الإنسان المقهور الجاهل الجائع الخائف القيام بفعل المقاومة ؟
هل سألنا أنفسنا أيستطيع الوطن الذي ينخره الاستبداد والفساد والظلم مواجهة العدوان، ورد المعتدي على أعقابه ؟
ألا نستطيع الاستفادة من أمثلة التاريخ القديم والحديث الماثلة أمامنا وتكاد تكون طازجة؟
فبغداد العباسية قبل أن تسقط على يد مغول هولاكو الم تكن محتلة وساقطة ومنتهكة ومفترعة ومستسلمة لقدرها الأسود ؟ الم يكن الفساد والظل والقهر والعهر قد حولها إلى مدينة هشة؟ فانقض عليها هولاكو كما ينقض نسر على أرنب .
وبغداد الحديثة بقيادة القائد الضرورة حامي الحمى بمسدساته و عنترياته وتهديداته وخطاباته التي تتحول فورا إلى برامج عمل في العلم والعمل والصناعة والزراعة والدفاع والأخلاق والدين مؤيدة بمسيرات مليونية هادرة كجمال هائجة أما كانت هذه البغداد محتلة قبل الاحتلال الأمريكي ؟ أما كانت مغتصبة ومنتهكة ويخيم عليها الظلم والقهر قبل أن تحتلها أمريكا ويسقط العراق كالعهن المنفوش ؟
أليس الاستبداد والظلم والفساد هو احتلال داخلي قبل أن يكون احتلالا خارجيا يهيؤ الوطن خطوة خطوة ويوماً بعد يوم للاحتلال الخارجي وهو-أي الاستبداد- وباء الأمم المتخلفة يصيبها بمرض نقص المناعة (الايدز ) لتصبح جاهزة للاستسلام أمام أي قوة خارجية طامعة في أرضها ، و أن الإمبراطوريات التي اكتسحت وتوسعت إنما هزمت بلدانا مصابة بهذا الداء . داء الضعف والجهل و إقصاء العقل .
في بلد مثل سويسرا التي لم تخض حربا مع جيرانها منذ قرن، وليس لها مشاكل حدود، ولا تفكر في شن حرب على احد، وليس لها أطماع بأراض الغير، وتدعو إلى السلام والحياة ليل نهار، ومع ذالك فهذه الدولة المسالمة تملك مخابئ وملاجئ لتحمي شعبها من حرب ذرية محتملة، وهذه المخابئ والملاجئ مجهزة بحيث تحمي عشرات الألوف من شعبها مع تامين الضروريات اللازمة للعيش في هذه الملاجئ من ماء وغذاء وكهرباء. ألا نسمي فعل إنشاء الملاجئ فعل مقاوم ؟ أو فعل تحصين.
ما فعلته سويسرا وبلدانا أوربية أخرى مثل السويد من بناء للملاجئ، ومن صناعة متطورة وتكنولوجيا حديثة، ومؤسسات مدنية، ونظام ديمقراطي يعزز ويصلب مقاومة هذه الشعوب، وتكون عصية على المحتل ومحمية من قنابل الدمار الذرية. هو تماما مافعله الإنسان القديم –مع حساب الفارق الزمني – الذي سن حجر الصوان الصلب لتكون مقاومته صلبة وفاعلة، وهو نفسه نظم نفسه في قطعان بشرية ليواجه العدو متحدا .
ونحن الآن وسط هذا الهياج: ألا يحق لنا أن نسال أين ملاجئنا؟ أين صناعتنا؟ أين تعليمنا؟ أين اقتصادنا؟ أين مؤسساتنا؟ فالمقاومة بحاجة إلى كل هذه الأسئلة ولا يمكن تصليبها وتحصينها ألا بمؤسسات مدنية رافده وداعمة لها. حتى لاتكون وحيدة بين أنياب الوحش.
[email protected]
ادلب-20-1-2009
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما الذي يحول دون وقف إطلاق النار في غزة ؟ • فرانس 24
.. سيدة بلا تذكرة تتجاوز أمن المطار وتصعد للطائرة دون اكتشافها.
.. شاهد| سيطرة المعارضة السورية على مطارات عسكرية بإدلب وحلب
.. مقاتلو المعارضة السورية داخل قصر الضيافة بمدينة حلب
.. قراءة في دلالات كمائن القسام في رفح وعمليات سرايا القدس وسط