الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرجوازية الوضيعة ( الصغيرة )، القاعدة العريضة للنظام الطائفي

عديد نصار

2009 / 2 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لم يكن الاستعمار الأوروبي الرأسمالي ليسمح للمجتمعات المستعمرة أن تقيم أنظمتها الرأسمالية المستقلة وذلك كي يستمر في استخدامها كأسواق لسلعه و منتجاته و منابع للمواد الأولية و مصادر للطاقة. غير ان الحرب العالمية الثانية فرضت إقامة صناعات متعددة في البلدان المستعمرة تلبية لحاجات الجيوش و البلدان المستعمِرة، و بذلك نشأت في لبنان ( كما في غيره من البلدان ) صناعات وطنية و بالتالي طبقة او نواة طبقة عاملة من جهة و طبقة رأسمالية او نواة لطبقة راسمالية من جهة أخرى.
و قد تجلت فاعلية ذلك في المرحلة التاريخية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وصولا إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي. فانتشرت المصانع في المناطق المحيطة بالعاصمة بيروت و في جبل لبنان و مناطق متفرقة أخرى في المحافظات. و ترك كثير من الشباب " كار " الفلاحة و الزراعة لأهاليهم و التحقوا بالعمل في المصانع. فالزراعات الصغيرة ما كانت لتؤمن السيولة الكافية للمصاريف المتزايدة للأسر الفلاحية في الريف، خاصة بعد انتشار التعليم و ارتفاع تكاليفه على الأهلين، إضافة لتزايد حاجاتهم إلى سلع مستجدة لتنمية أعمالهم الزراعية التي ازدادت تكلفة إنتاجها، بل تضاعفت.
و قد استطاع العمال، في تلك المرحلة أن يثبتوا وجودهم كطبقة منتجة على المستوى الوطني، فأنشأوا تنظيماتهم النقابية و خاضوا نضالاتهم المطلبية و حققوا العديد من المكاسب.
غير أن الحرب الأهلية أدت إلى دمار واسع أصاب القطاع الصناعي الذي كان، ما أن تهدأ المدافع، حتى ينهض من بين الأنقاض لتعود عجلة المصانع إلى الدوران و يعود العمال إلى الانتاج.
يمكن ملاحظة أن الحرب لم تجهز على القطاع الصناعي، و لكن، بعد الحرب ، جاءت السياسة الحريرية التي كانت أشد فتكا من الحرب و أكثر ضراوة في القضاء على القطاعات الانتاجية و الاجهاز على كل الأسباب التي تجعل من عودة الصناعة أمرا ممكنا.
هجر العمال وحداتهم الصناعية، بل هاجروا خارج البلاد بحثا عن عمل. و هاجرت المصانع أيضا بحثا عن بلدان أخرى تهيء الظروف الملائمة للإنتاج.
و في نفس الوقت، غدا " كار " الفلاحة من الماضي ( فلكلورا !) لا يقيم أود أحد من الفلاحين الصغار بسبب ارتفاع مذهل في تكاليف الانتاج و صعوبات جمى في تصريف هذا الانتاج. فهجره الفلاحون تاركين أراضيهم الزراعية نهبا للمضاربات العقارية، و للطرق الدولية !
و هكذا، فمن لم يهاجر من أبناء الطبقات المنتجة، ( صناعيين، عمال، إداريين، مزارعين و فلاحين ) فقد انحدر، في معظمه، إلى برجوازية صغيرة، أو وسطى، تكيفت مع السياسة الحريرية السائدة، سياسة السمسرة و سندات الخزينة و الفساد الذي استشرى كالنار في الهشيم!
و هكذا تمددت الطبقة البرجوازية الصغيرة بحيث أصبحت الطبقة الأكثر اتساعا و تمددا في لبنان.
و تعرف طبقة " البرجوازية الصغيرة" أو الوضيعة، بأنها الطبقة الأكثر إنتهازية بين طبقات المجتمع. و هي تتشكل من عناصر لا تتعاطى مباشرة في أي عملية إنتاج مادي. و هي ، في غياب الفلاحة و الزراعة التقليدية، أصبحت تشتمل على : صغار الموظفين و العسكريين و التجار و السماسرة و معقبي المعاملات و صغار الملاكين و الخدماتيين في كل شأن و حال ... أو بكلمة " لبنانية " واحدة : طبقة " الكسّيبة "!
و " الكسّيب " هو من يبحث عن أو ينتظر فرصة لينتهزها. يفتش عن الكسب في اي مكان و باية طريقة، تتراوح بين العمل " الدكنجي " وصولا إلى الأعمال غير المشروعة متكلا على ما يسمى باللبناني : " شطارة ". و " الشطارة " هي أن تعرف كيف تحصل رزقك أغمارا بجهد ذهني أقل. و يندرج تحت بند " الشطارة " العلاقات العامة و السمسرة و الواسطة و التظبيطات على أنواعها و البلف و الغش و الخداع و النصب و التزوير و الاتجار بالممنوعات و التهريب و الرشى و كل ضروب الفساد الإداري و القانوني و السياسي و صولا إلى .. الأمني ! ( عمل استخباري داخلي ، خاص ، خارجي .. تعامل مع الأعداء ... و جميعها من أجل مصالح وضيعة على قياس تلك الطبقة ..
البرجوازية الصغيرة لا تعرف عمل الفريق – الورَش . تتألف من أناس " فراطة " ( حزمة بعر ! ) لا تجمعهم مصالح مشتركة. ينظرون إلى الفساد بأعينهم و يعرفونه و لا يقاومونه أو يعترضون عليه! لماذا؟ لأنهم يتأملون أن يصيبهم فتات منه و لو بعد حين! لذلك فهم لا توحدهم قضية و لا يجمعهم فكر. فهم سريعو التقلب و الانقسام. لا تسيّرهم قناعات، بل مصالح فردية دنيئة.
تشكل هذه الطبقة القاعدة المثلى للنظام الطائفي و المذهبي و مختلف أنظمة التحاصص و الفساد.
و بعبارة: إن الانتهازية هي من الصفات الأبرز و الملازمة لهذه الطبقة، إضافة إلى كونها الطبقة الأكثر استعدادا للتفسخ و الانقسام.
و انطلاقا من هذا يمكننا تفسير الظواهر التالية:
- انتشار الفساد في المجتمع اللبناني، و على جميع المستويات و الصعد، و تحوله إلى داء عضال يصعب تطويقه و الحد منه.
- تعمّق الانقسام المذهبي و الطائفي و المناطقي و العائلي، بحيث شكلت هذه الطبقة القاعدة العريضة للنظام الطائفي، و أصبحت الشعارات الطائفية و المذهبية على المستوى الشعبي أمرا مألوفا، بل طبيعيا و موضع فخر أبناء تلك الطبقة، في وقت لا زال بعض القادة الطائفيين يتحاشونها و ينظّرون للوحدة الوطنية. و هذا ما أراح قمة النظام الطائفي المتشكلة من أركان البرجوازية التابعة ( الكومبرادور ) و أمراء الطوائف، و مكنهم، رغم أزمات النظام الطائفي، من التجديد لهذا النظام، و الصمود في وجه كل طروحات الاصلاح و التغيير التي أفرغوها من مضامينها و حولوها إلى كلام مبتذل، بتبنيهم اللفظي لها.
- الأزمات و الإخفاقات و الاحباطات التي أصيب و يصاب بها اليسار اللبناني و الشيوعيون على الأخص، و الناشئة عن الخطأ الشائع و الاستخدام غير العلمي و غير الماركسي لعبارة " الطبقة العاملة " بحيث يعتبرون هذه البرجوازية الصغيرة جزءاً منها ظنا منهم أنهم بذلك يوسعون قاعدتهم الشعبية! إلا أن قراءة مادية سليمة و متأنية تظهر لنا كيف تنقلب و تنقسم هذه الطبقة الانتهازية بين ليلة و ضحاها على أسمى المبادئ الوطنية و النضالية. إن استمرار رهان الشيوعيين على هذه الطبقة سيؤدي بهم إلى المزيد من الخيبات و المزيد من الاحباط و التراجع. إن التعريف الماركسي للطبقة العاملة و المعروف من الجميع هو أنها تتألف ممن لا يمتلكون إلا قوة عملهم، وهم بالتالي يضطرون أن يبيعوها من الرأسمالي المستغل كي يعتاشوا منها. و ليس علميا و لا ماركسيا أي تعريف يقتصر على اعتبار الطبقة العاملة تتشكل من كل من يعمل عضليا أو ذهنيا!
لقد أحسن الشهيد المفكر مهدي عامل توصيف النظام الطائفي عندما حدده ب أنه نظام سيطرة البرجوازية اللبنانية التابعة الذي لا يقوم و لا يعاد إنتاجه إلا بالطائفية. و لكن، دعوني أضيف، أن هذا النظام ما كان ليتجاوز كل عثراته و يعيد إنتاج نفسه، خاصة بعد الحرب الأهلية و الحروب الصهيونية على لبنان، لولا توسع البرجوازية الصغيرة الأكثر انتهازية و الأكثر استعدادا للتفسخ و الانقسام. و دعوني أقول، إنه لو لم تكن هناك طوائف أو مذاهب لانقسمت هذه الطبقة عشائريا و مناطقيا بنفس الحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط