الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى نبذ ثقافة الشيخ و المريد : تعقيبا على مريدي وفاء سلطان الأوفياء - ليس هكذا تورد الإبل .. يا سادة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 2 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النقد آلية في التفكير؛ ترتبط بطبيعة التكوين الثقافي للشخص؛ كما ترتبط بالمنظومة الثقافية التي ينتمي إليها هذا الشخص. و بتوفر هذه الآلية في التفكير تصبح جميع المواضيع و القضايا قابلة للقراءة النقدية؛ خارج أي قدسية يمكن أن تدعيها.
يذهب الأستاذ محمد عابد الجابري في كتابه (الخطاب العربي المعاصر) إلى أن آليات صناعة الخطاب في الثقافة العربية لا تختلف بين السلفي و الليبرالي و القومي و اليساري ؛ و لذلك لا توجد حدود فاصلة بين أنواع الخطابات ؛ على الرغم من الاختلاف في مرجعياتها . إن طبيعة الخطاب ترتبط جوهريا بآليات صناعة هذا الخطاب؛ و ما دامت الآليات واحدة؛ فإن الخطاب سيكون بالضرورة واحدا.
من هذا المنظور يمكن أن نتعامل مع الخطاب الذي ينتجه العقل العربي بمختلف مرجعياته ؛ و الذي يؤكد بالملموس أطروحة الأستاذ الجابري ؛ حول وحدته رغم تعدد المرجعيات . إنه عقل سلفي بتلاوين مختلفة ؛ لا يقوم على النقد ؛ و يشخصن الأفكار محولا إياها إلى أشخاص ؛ إنه عقل يتميز بالإمعية ؛ يمكن أن يساند الفكرة و يعارضها في نفس الآن ؛ كما يمكنه أن يقع في حب نرجسي لذاته أو في كراهية مطلقة لها في الآن ذاته
و لعل هذه الخصائص هي ما ينعكس على طبيعة الخطابات السائدة ؛ و هي خطابات سلفية ؛ سواء رفضت ذاتها أو دافعت بشكل نرجسي و عدواني عن هذه الذات ؛ و لذلك لا يختلف خطاب السلفي الديني عن السلفي الليبرالي و السلفي القومي ؛ فجميع هذه الخطابات تعاني حالة مرضية مستعصية ؛ ترتبط بآليات إنتاج الخطاب .
و يمكن أن ننتقل من مجال التجريد النظري إلى مجال الدراسة التطبيقية ؛ لتنجلي لنا عوارض المرض بشكل واضح ؛ لنتوضح أن العقل العربي يقيم علاقة عاطفية حميمة مع الأفكار التي يطلع عليها ؛ كيفما كانت مرجعيتها ؛ فهو لا يتلقاها من منظور نقدي متسائل ؛ حتى يقيم بينه و بينها مسافة فاصلة تمكنه من قراءتها بشكل موضوعي ؛ يستحضر المرجعية الفكرية التي ترتبط بها أكثر مما يسقط في عشقها للصدمة الأولى .
لقد حاول الأستاذ محمد عابد الجابري في كتابه المؤسس (نحن و التراث) ملامسة هذا الإشكال من منظور ابستمولوجي ؛ قاده في الأخير إلى صياغة مجموعة من القواعد التي يمكنها أن تخلص العقل العربي من البطانة الوجدانية ؛ التي توجه قراءته لتراثه ؛ و من بينها الانفصال عن التراث ؛ ليس بمعنى القطيعة النهائية ؛ و لكن من أجل التخلص من البطانة الوجدانية في تلقيه ؛ و ذلك تأسيسا للاتصال به من جديد ؛ أي تلقيه و لكن من منظور عقلاني .
و ما ينطبق على تلقي التراث يمكن أن ينطبق كذلك على تلقي العقل العربي للمنظومات الثقافية المغايرة ؛ فهو يتلقاها باعتبارها مشخصنة ؛ و لذلك فهو إما يقع في عشقها للصدمة الأولى ؛ و إما يقع في كراهية مطلقة لها ؛ و ليس هناك أية مسافة فاصلة بين الوضعيتين ؛ لأن نفس المتلقي يمكنه أن يعيش الوضعيتين معا ؛ و هكذا تحضر البطانة الوجدانية ؛ و يغيب التلقي العقلاني القائم على النقد و المساءلة .
بالاعتماد على هذه التوطئة النظرية ؛ يمكن أن نستوعب بشكل أعمق الحالة المرضية التي تعيشها الثقافة العربية ؛ من المشرق إلى المغرب ؛ حيث يسود التطرف الفكري بمختلف أنواعه ؛ و بمختلف مرجعياته كذلك ؛ إذ لا فرق بين الأصولية الدينية ؛ و مثيلتها الليبرالية أو القومية أو اليسارية ؛ ففي كل منها تحضر المذهبية مرتبطة بالبطانة الوجدانية ؛ و تغيب المنهجية التي يجب أن تقوم على أساس عقلاني نقدي .
و هكذا لا تخرج مجمل الخطابات السائدة عن ثنائية الشيخ و المريد بتعبير الباحث الانطربولوجي عبد الله حمودي ؛ فلكل مرجعية فكرية شيخها الذي ينتج الأفكار و يوزعها على مريديه ؛ و الواجب على هؤلاء الالتزام بالسمع و الطاعة العمياء ؛ و ترديد الشعارات التي ينتجها الشيخ .
إن السؤال الذي يفرض نفسه في وضعية ثقافية مزرية مثل هذه؛ هو كيف يمكن الانتقال من المذهب إلى المنهج؛ من البطانة الوجدانية إلى المنظومة العقلانية؛ القائمة على النقد كممارسة عقلية ؟
و يمكن اعتبار هذا الانتقال من الأمور المصيرية التي يرتبط بها مستقبل الثقافة العربية ؛ التي يجب أن تدخل ضمن فكر المؤسسة ؛ كبديل لفكر المشيخة ؛ الذي يكرس التبعية العمياء ؛ و يحول الأفكار إلى شعارات ؛ يركبها الكثير من الانتهازيين ؛ الذين يتحولون في لمح البصر إلى زعماء سياسيين أو دينيين أو فكريين ؛ تقدم لهم القرابين ؛ و تقام لهم التماثيل ؛ و تحفظ دروسهم البسيطة عن ظهر قلب ؛ و تتلى في المحافل و المنتديات بخشوع .
و لذلك لا نستغرب أن تظهر على الساحة الثقافية العربية بعض الأسماء التي تدعي التفكير؛ بينما هي لا تمتلك أبسط مقوماته؛ لكنها تقود قطيعا كبيرا من النعاج؛ يثير بجلبته الغبار؛ و يهلل باسم الراعي الذي يوجهه أنى يريد. و لعل الأغرب من هذا أن تختلف مرجعيات الرعاة / الشيوخ ؛ كما تختلف تبعيات النعاج/ المريدين ؛ و مع ذلك يتماثل المشهد إلى حدود التماهي .
فهل نلمس فرقا بين خطابات عمرو خالد العاطفية ؛ التي تقتل في المريدين روح التفكير و النقد ؛ و بين خطابات وفاء سلطان التجييشية و العدوانية ؛ التي تقتل نفسها في المريدين روح التفكير و النقد . قد يقول قائل بأن هناك فرق شاسع بين الخطابين ؛ فالأول أصولي ديني و الثاني حداثي علماني ؛ ينتقد هذه الأصولية ؛ لكن التحليل الابستمولوجي القائم على تحليل آليات صناعة الخطاب و ليس شكل هذا الخطاب يقول العكس تماما ؛ فكل من عمرو خالد ووفاء سلطان يدعيان المشيخة الفكرية ؛ و لكل منهما قطيعه الخاص من الخرفان ؛ و خطابهما معا يقوم على الاندفاع العاطفي ؛ و يسعى إلى قتل روح التفكير و النقد في المتلقي .
و إذا كانت الثقافة العربية لم تنتج لحد الآن سوى المريدين و القطعان البشرية ؛ التي تقاد فكريا و سياسيا و دينيا ؛ فإننا يمكن أن نفهم منذ البداية الإقبال الكبير على مثل هؤلاء السحرة و المشعوذين ؛ الذين لا يمتلكون سوى خطابة ؛ تقوم على سجع الكهان ؛ و بما أن خطابهم بسيط و سهل على التلقي ؛ فإن قاعدة جمهوره تتوسع كل يوم .
و في المقابل يمكن أن نستوعب كذلك غربة الكثير من المشاريع الفكرية العربية الرائدة ؛ سواء مع محمد عابد الجابري أو مع محمد أركون أو مع حسن حنفي أو حسين مروة أو مع عبد الله العروي أو مع عبد الكبير الخطيبي ...التي لا تقل أهمية عن المشاريع الفكرية المؤسسة للحداثة الغربية مع هيجل و كانط و ديكارت و ماكس فيبر ... و هي غربة تجد تفسيرها في فشل الثقافة العربية في بناء العقلنة و الفكر النقدي ؛ و يرتبط هذا الفشل بالمنظومة التربوية العربية ؛ التي تقوم على بيداغوجيات قديمة ؛ تكرس عمل الذاكرة ؛ و تقتل في الناشئة كفايات الملاحظة و الفهم و التحليل و التركيب ؛ التي تعتبر من أهم ما ينتجه التعليم الحديث .

إن الأكيد هو أن فكر الحداثة و العلمنة و التمدن في ثقافتنا العربية؛ لا يمكن أن يشيده عقل سلفي ( ديني أو ليبرالوي أو يساروي ) ؛ بضاعته الوحيدة بطانته العاطفية التي تقوم على الترويج للمذهبية بدل المنهجية ؛ و الذي يسعى إلى تهييج المريدين من منطلق مشيخي ينتج الشعارات أكثر مما يفكر ؛ وسيلته الوحيدة لغته السحرية ؛ التي توقع العوام في شراك الأدلجة .
و من هذا المنطلق فإن الواجب يفرض على النخبة المثقفة العربية محاربة كل أشكال السحر و الشعوذة التي تتخذ مرونة العلوم الإنسانية طريقا للترويج للجهل المؤسس ؛ و في نفس الآن يجب التفكير في قيم الحداثة و العلمنة و العقلنة و التمدن ؛ من منطلق فكري عميق ؛ يستحضر المرجعيات الفكرية المؤسسة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - How can this be credible?
Masry ( 2009 / 2 / 12 - 20:10 )
و بين خطابات وفاء سلطان التجييشية و العدوانية ؛ التي تقتل نفسها في المريدين روح التفكير و النقد
This writer lacks credibility , since any reader of Ms. Sultans, can accuse her of what he wishes, except -killing the spirit of thought and critisism-.

Most if not all her articles are a strong stimulus to thought. She does not call upon her reader to accept any dogma, to the absolute contrary she invites him to examine her thesis and its supporting evidence, which she always presents and refers to its sources.
This writer goes on to be even offensive, when repeating the same -idea- in saying:

فكل من عمرو خالد ووفاء سلطان يدعيان المشيخة الفكرية ؛ و لكل منهما قطيعه الخاص من الخرفان ؛ و خطابهما معا يقوم على الاندفاع
العاطفي ؛ و يسعى إلى قتل روح التفكير و النقد في المتلقي .
It may be argued that those sections, the writer speaks about, do exist in plethora in the so called Islamic world. However to characterise Ms. Sultans readers among them, is not only biased but patently mischievous.

As to the use of pretentious pseudo-intellectual jargon, it is best


2 - يا جنداري عبرت عن أفكاري
جيفارا ( 2009 / 2 / 12 - 20:42 )
قرأت موضعك ألشيق فكان ألتشخيص صائب وموفق0فلجميع يغردون خارج ألسرب00 أسلاميين وعلمانيين ألكل لم يحاولوأويستفزو ألذهنية ألعربية لتفكير ألعلمي وألعقلاني ويجعلو منها عقلية تحليلية فجميع عل
أختلاف مشاربهم أنة هو ألحق وألحقيقة000000 فنحن ياأخ أدريس نحتاج ألي ألكثير00 ألكثير 0لهذه ألمواضيع ألعلمية وألدقيقة وألتحليلات ألمنطقية ألبعيدة عن ألرتابة و ألفوضوية في نفس ألوقت00000000 أرجوأنتتقبل مني فائق ألحب وألاحترام 00لانك شخصتة وفاءسلطان 00و00 أخيها عمروخالد لآنة ألاثنين في ألهوا سوى لايوصلونا 00لتفكير ألعلمي0000 وشكرآ


3 - اكلات سريعة
علي السعيد ( 2009 / 2 / 12 - 21:21 )
المفاهيم الحديثة التي تاتي بها الحضارة آتية ..لكن المرحلة التي نمر بها قاسية ,وقد طال الزمن في تحملنا الام المخاض .تعودنا في حياتنا المدرسية والاسرية والجامعية ولقاآتنا عدم تقبل النقد بل نحبذ الطبخات الجاهزة والاكل السريع بروح متوحشة وبعيدة عن الهظم والذوق السليم .ونركن الى الاصولية والتقولب في قوالب جاهزة . والاحظ بعض كتابنا كأنه قد أعد طبخته وعلى الجميع أن يأكل بدون هظم ,وبدون أن نترك له فسحة صغيرة للتأمل والاستغراق ,ولا ان نمهله او ان ندعه يتامل اللون والشكل والطعم .الثقافة والرؤيا لاتفرض بمنطق الترغيب وابعاد العقل عنها ,احس بان الاجبار والتعسف باديا على عقولنا وقد نساق اليه كسياق الابل ..شكرا سيدي فقد ادخلتني في بحر من التامل والمراجعة .وهذا لايعني اننا ننبذ المباديء العلمية التي نتوخاها او التي نؤمن بها .


4 - زار بدل الحجاب
Zagal ( 2009 / 2 / 13 - 02:13 )
يظهر ان وفاء سلطان عامله لك عقده بشنيطه ... وعلشان تخلص منها... اوصيك بعمل زار بدل الحجاب ...


5 - وفاء
ابوبكر زكريا ( 2009 / 2 / 13 - 07:59 )
لم اجد الى لحظة كتابة هذه السطور من يرد ويناقش وفاء نقاش منطقي وعلمي حجة بحجه وبالشكل الذي يرتقي الى مستواها
وهنا تكمن المأساة لذلك تزداد الشتائم لها والردود السطحيه الفجه التي تعبر عن العجز والهوان الذي ينتابهم ولاعزاء لكم ايها المفلسون


6 - قراءة نقدية رزينة
عبد اللطيف بوعبيد ( 2009 / 2 / 13 - 10:24 )
قراءة نقدية ممتازة تكشف اللثام عن جوهر و بعض آليات اشتغال جانب من العقل العربي، للأسف لاحظت أن الكثير من رواد ومعلقي الحوار المتمدن لا يهمم النقد والفكر النقدي ولكن يهمهم الضرب في بعض المرجعيات من خلفية عرقية وقبلية-الأقباط مثلا- تحت اسم العلمانية والحداثة والتنوير؛


7 - أحترام عقل القارئ
شوقي ( 2009 / 2 / 13 - 11:29 )
عزيزي المحترم ...لا يجب الأستخفاف بعقول الآخرين وأن كل ما لا يتفق مع ما تكتبه ليس بالضرورة أن يكون مريدآ للآخرين ،مع كل الأحترام للكتاب اللذين ذكرتهم ام يستطيعو الأقتراب من جوهر المشكلة حول أشكالية العقل والوعي ودورهما في بناء الأنسان وإنما حاولو تجمييل ما هو قبيح في التاريخ الحديث والمعاصر . وعطاءه صفة إنسانيه وهنا كانت المقدرة العلمية والفلسفية والجرأة الكبيرة للدكتورة وفاء للخوص في جوهر الأشكاليةونقدها


8 - أُمنية
شامل عبد العزيز ( 2009 / 2 / 13 - 18:41 )
كتبتُ مقالة حول موضوعك الاول المنشور يوم 12/2/2009 أتمنى من موقع الحوار نشر المقالة لتوضيح الصورة . تحياتي


9 - من فشل الى فشل
حائر ( 2009 / 2 / 13 - 19:21 )
ليس لدينا شيء نقدمه للعالم ونحن نعيش الفشك كل لحظه من حياتنا حتى في احلامنا
اعتقد من يتحمل المسؤوليه من يطلق على نفسه المثقف العربي

اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري