الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام المتشدد وأوهام التفوق

مهدي النجار

2009 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هؤلاء الذين بايديهم زمام ثقافة التشدد لا شان لهم بمنجزات العلم وحداثة العالم من حيث كيف حصلت وكيف تطورت وكيف راحت تخترق الحواجز وتعبر المحيطات والقارات كأن الامر لا يعنيهم، المهم هذا صالح وذاك طالح، هذا صح وذاك خطأ، هذا مباح وذاك حرام، هذا خير وذاك شر، هذا ابيض وذاك اسود، في هذه التقريرية التبسيطية يستندون الى مرويات السلف واحاديث الاشياخ لانهم ما زالوا سجناء آليات ثقافة العنعنة (قال فلان عن فلان عن فلان ....) التي اسس لها اشياخ القرون الوسطى، انهم يتداولون المفاهيم كما هي وكما صيغت في الازمان الغابرة ولا يهمهم ان غَربَّ العالم ام شَرقْ، يوجهون ضرباتهم القاتلة الى العقل بتحويله الى تابع يقتات بالموروثات ويلوذ بها ويحتمي ويحاصرونه حين يبدأ بأشكلة ثقافة الماضي وطرح الاستفهامات عليها او يبدأ بتفكيك العلاقات بين الاسباب والنتائج، اوبين العلة ومعلولاتها، حتى ينتهي الامر الى اغلاقه ( اي العقل) واستباحته او حصره في دوائر ضيقة ومن يخرج عن هذه الدوائر فهو: عدو الامة/ صنيعة الاستعمار والصهيونية/ خائن الشعب/ لا يحب الله/ زنديق وكافر/ يمزق شمل الامة/ يعتدي على الاعراف والتقاليد/ يُهين السلف الصالح ....تقوم سلطة ثقافة التشدد باستعداء سلطة الحكم على الخارجين ومن يتعاطون التفكير العقلي والتفلسف ومن بين افضل النماذج التي يستندون اليها هؤلاء المحرضون نموذج فتاوى ابن الصلاح. تقول واحدة منها: " الواجب على السلطان ان يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم، ويخرجهم عن المدارس ويبعدهم، ويعاقب على الاشتغال بفنهم (اي الفلسفة) ويعرض من ظهر منهم أعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف او الاسلام لتخمد نارهم، وتمحى آثارها وآثارهم" اضافة الى تلك الاجراءات الرادعة التي تحدُّ من نشاط العقل وحيوية الفكر فقد دأب المتشددون على تبخيس حق الشعوب والاستهانة بمنجزاتها العلمية والفكرية وهم اول الذين يتلذذون ويتنعمون بها، فاذا تفحصت واحداً من اهل التعصب فستجد ابتداءً من كوفية رأسه وامتداداً الى حذائه وملابسه الداخلية والخارجية وساعته اليدوية وهاتفه النقال وسيارته، اذا تفحصت منزله ابتداءً من الباب الخارجي وامتداداً لبلاطات الداخل ومحتويات المنزل( ثلاجات/ قدور و طباخات/ مكيفات/ سجاد ومفروشات/....) ستجد كل هذه الاشياء وغيرها مصنوعة بعقول وايدي الوثنيين اليابانيين او الملحدين الصينيين او الكفرة الاوربيين او غيرهم من الامم الشريرة التي يسميها سيد قطب رحمه الله باهل الجاهلية ، ناهيك عما تقرأه او تسمعه من سفه الادعاءات التي تقول ان ما يكتشفه او يصنعه اولئك الاشرار هو من بنات نصوص تراثاتنا ؟! والاغرب من كل ذلك ما تجده من تناقض بين الممارسة والتفكير الذي يصل الى حدِ الضحك على النفس وعلى الاخرين، فهاهم حملة الشهادت العُليا (الدكاترة) يتباهون في مجتمعاتهم الاسلامية بانهم خريجوا الجامعات الاوربية الراقية ومن جهة ثانية يسبون عقل الغرب ويشتمون اخلاقه ويستهزأون بقيمه وعاداته والملفت ان ابناء المجتمعات الاسلامية يتقاتلون على مقعد واحد يحصلون عليه للدراسة في تلك الجامعات ولو خيرتهم للدراسة مثلاً في جامعة الازهر او الرياض او محمد الخامس ( وهي جامعات بلدانهم الاسلامية) وبين جامعات ( العالم الجاهل) مثل السوربون او كامبردج او كاليفورنيا... فلا شك بانهم سيفضلون جامعات بلاد "الظلمة" على جامعات بلاد "النور" والمضحك ان المتشددون ينصحون الناس ان يداوّا عللهم وامراضهم النفسية والجسدية بالتسابيح وطب الاولياء وأبوال الإبل ولكن اذا اصابهم داء او علة فسرعان ما ينسون ذلك ويبحثون في بلاد "الضلالة والجهل" عن المواقع الطبية المشهورة باستئصال ذلك الداء اوتلك العلة فيتدبرون انفسهم للوصول اليه بشق الانفس، والمصيبة ان اي حقل في الحياة حين تتفحصه (السياسة/ الاقتصاد وتوزيع الثروات/ الفن والادب/ الرياضة البدنية/ القوة العسكرية......) ستجد بلدان العالم الاسلامي قد احتلت اسوأ المراتب فعلى سبيل المثال لو طالعت تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2007 فستجد مدى استهانة هذه البلدان بالعقل وحرية التعبير فمن بين 169 دولة احتلت اغلب البلدان الاسلامية مراتب القعر (ايران 166 / فلسطين 158 / العراق 157 / السعودية 148 / مصر146 /......يضاف الى ذلك باكستان/ليبيا/سوريا/الجزائر/تونس/المغرب......) وفوق كل ذلك شغفت التيارات المتشددة باستيراد الرشاشات الفتاكة والقنابل المدمرة والاحزمة الناسفة واجهزة القتل الوحشية من دول الكفر والجهل لزرعها بين الاعداء من ابناء جلدتهم ليصلوا كما يقول لهم الاشياخ الى الجنة باسرع الطرق واقصرها وليحرروا بلدانهم وبلدان العالم من الجهل والخطيئة والنزعات الشريرة. يريد القوم الغُلاة والمتشددون ان يحتكروا كل الراسمال الديني للاسلام لانفسهم عن طريق اطلاق صفة "اسلامي" عليهم دون غيرهم. كأن بقية ابناء المجتمع ليسوا مسلمين ! فاذا كان هؤلاء القوم طلاب آخرة وجنة ونعيم فقط فليتركوا الناس وشأنهم فليس من العدل سفك دماءهم وزهق ارواحهم انما العدل اذا كانوا اصحاب آراء سديدة وافكار صائبة ان يحاججوا الناس ويتحاوروا معهم لآخر لحظة ولا ينصبوا انفسهم نواباً عن سبحانه تعالى وقوامين على العباد، يجتهدون بذبح من لا ينصاع لدعواتهم بعد تكفير ذاك وتاثيم هذا، ولتكن وصايا الله جلَّ وعلا لنبيه الكريم اسوة حسنة: "ولو شاء ربك لآمن من في الارض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " يونس/99 ، "قل كلٌ يعملُ على شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا" الاسراء/84 ، "فإنما عليك البلاغُ وعلينا الحسابُ " الرعد/40 ، "فإنما عليكَ البلاغُ والله بصيرٌ بالعباد" آل عمران/20 ، "من يُطع الرسولَِ فقد اطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظاً " النساء/80 . ومن يخاف الله عليه ان يستبدل لغة الشتم والسب والوعيد بلغة الحوار والمجادلة الحسنة وان يسعى لنشر نسائم الحرية في الارض لان فحص ثقافة الحداثة (ثقافة الاخر) وتحليلها ونقدها وكشف الجوانب المتوحشة فيها والتصدي لاوجهها المتغطرسة والشريرة لا يتم عن طريق شتمها وسبها او التشهير بها بمناسبة او غير مناسبة، انما يتم بالعمل المضني الطويل الشاق لامتلاك مفاتيح المعرفة الجديدة والكد ليل نهار لتاسيس ثقافة العقل والاجتهاد المعاصر لان دعوة الاسلام كانت في جوهرها دعوة لتأسيس العقل في مجال الفكر والعدل في مجال السلوك الاجتماعي وذلك بوصفهما نقيضين للجهل والظلم، ويتطلب ذلك النضال الدؤوب الصبور على نقد الذات وغربلة التراث للتخلص من ثقافة العنف والوهم والسحر والخرافة، ومن يخاف الله حقاً وحقيقة عليه ان لا يتورط بقتل اي نفس بشرية حسب هذا المثل الالهي : " لئن بَسطتَ الي يدكَ لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك اني اخافُ الله ربَ العالمينَ " المائدة/28، ومن يحب الله صادقاً عليه ان يحب العالم لان فيه الانسان والانسان للعالم بمثابة الفص للخاتم على حدِ توصيف الشيخ الاكبر ابن عربي، وتدمير العالم معناه تدمير الانسان والانسان من المخلوقات العزيزة عند الله وبه قامت حجته على الملائكة حين اراد خلقه وجوبه باعتراضهم فالانسان هو روح العالم: "اني جاعلٌ في الارض خليفة" البقرة/30 ، فليشارك المتشددون ببناء العالم واصلاحه بطرق انسانية متحضرة، طرق الحوار والتفاهم وليصنعوا ثمة شئ يبهج صدور الناس ولو حبة دواء او اكليل ورد او قلم كتابة وان لم تستطيعوا فكلمة طيبة،وان لم تقدروا فأصمتوا هذا خيرٌ لكم ان كنتم تعقلون ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال