الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضاة ... وقضاة

خالد الكيلاني

2009 / 2 / 15
المجتمع المدني


يعتقد الكثيرون أن القائمين على أمور السياسة من أركان النظام والحكومة في مصر لا يتمتعون بأي قدر من الذكاء، وهو في ظني اعتقاد خاطئ، بل العكس هو الصحيح، المشكلة تكمن في استخدام هذا القدر من الذكاء المتوفر لديهم ... هم يستخدمونه في تدبير مؤامرات صغيرة ونسج علاقات متشابكة ومعقدة مع أطراف وفئات مختلفة في المجتمع لتحقيق مصالح قد لا نراها أو نعرفها، ولو عرفناها فلن نقدرها لأنها ربما تكون مصالح خاصة بالنظام أو الدولة، ولكنها في كل الأحوال ليست المصالح العليا للمجتمع.
من يراجع – على سبيل المثال – تطور علاقة الدولة بالقضاة خلال العقود الأربعة الماضية سوف يكتشف تطوراً لئيماً (اللؤم هنا بمعني استخدام الذكاء في تنفيذ أغراض شريرة) في تعامل الدولة مع هذا الملف. فعندما اختلف عبد الناصر مع القضاة عام 1968 على خلفية الغضب العام نتيجة لهزيمة 1967 حل نادي القضاة ونقل عدداً منهم إلى وظائف أخرى فيما سمي وقتها بمذبحة القضاة، وهو يعلم – عبد الناصر – أنهم سوف يعودون لوظائفهم وناديهم في أقرب فرصة لأنه يعلم أن قراره مخالف للقانون والدستور. وعندما اختلف السادات مع القضاة رشح أحد رجاله رئيساً للنادي، فلما أسقطه القضاة عينه السادات وزيراً للعدل، ولم يجرؤ أن يفعل مع القضاة أكثر من ذلك. لكن النظام في عصر عبد الناصر والسادات لم يفكر ... أو ربما فكر ولم يجرؤ على اختراق السلطة القضائية أو القضاة أنفسهم ومحاولة بث معاول التفتيت والفتنة بينهم، وهو الأمر الذي دأب النظام الحالي على استخدامه مع القضاة في السنوات الأخيرة.
ورغم أن السلطة القضائية هي جزء من الدولة أو بمعنى أصح جزء من النظام الحاكم الذي يحكم ويتحكم عن طريق سلطاته الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، إلا أن بعض أقطاب النظام يعتبرون أن مصدر القلق الرئيسي والدائم لديهم داخل مثلث النظام بعد أن تم تأميم السلطة التشريعية للأبد بالحزب الأوحد وتزوير الانتخابات هو نادي القضاة بما يمثله من قلعة للدفاع عن الحريات وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وهو ما يعتبرونه خروجاً عن الخط العام للنظام من أحد أقطابه الرئيسيين. ونادي القضاة الذي يملك تاريخا مجيداًً في القيام بهذا الدور تصادف أن قيض الله له في السنوات الثماني الأخيرة رئيساً هو المستشار الجليل زكريا عبد العزيز ومجلساً لإدارته يعي جيداً هذا التاريخ وهذا الدور، ويحرص على استقلال القضاء حرصه على الحياة، وقد ساهم الحراك السياسي الذي شهده المجتمع المصري في السنوات الأخيرة في بروز دور كبير لنادي قضاة مصر في التصدي لتزوير الانتخابات والتعديلات الدستورية ومد حالة الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية فضلاً عن دوره الأساسي في تعزيز استقلال السلطة القضائية والتصدي لكل ما من شأنه المساس بهذا الاستقلال، وهو ما عرض النادي لمؤامرات صغيرة لم تبدأ بإحالة المستشارين الجليلين هشام البسطويسي وأحمد مكي إلى المحاكمة التأديبية، ولم تنتهي بدفع ثلاثة قضاة إلى إقامة عدد من الدعاوى القضائية ضد النادي مروراً بالإصرار على عدم النص على نادي القضاة في قانون السلطة القضائية حتى يظل وجوده تحت رحمة السلطة التنفيذية، وحصار النادي مالياً بمنع جزء كبير من موارده التي كانت تحول إليه عن طريق وزارة العدل، وتحريض عدد من رؤساء نوادي القضاة الفرعية بالأقاليم لمناوئة النادي الأم.
ورغم كل هذه الحرب وهذا الحصار فقد استطاع نادي القضاة أن ينجز الكثير في هذه السنوات القليلة، ليس فقط على صعيد القضايا الوطنية والقومية وهو كثير، ولكن أيضاً على صعيد الخدمات التي استمر في تقديمها لأعضائه بجودة أفضل، وتلك التي استحدثها رغم الحصار المالي الكبير، واستطاع تضمين قانون السلطة القضائية عدة نصوص تؤكد على استقلال السلطة القضائية أهمها نقل الموازنة والتأديب من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء، واليوم تجري الانتخابات في نادي القضاة بين قائمة المدافعين عن استقلال القضاء برئاسة المستشار هشام جنينه وقائمة أخرى تميل إلى توجهات وأفكار المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل، والقائمتين تضمان قضاة أجلاء يسعون متطوعين إلى خدمة زملائهم ومهنتهم ووطنهم، ولا نفرق بين أحد منهم، ولست قاضياً ولا صوت لي في هذه الانتخابات ولا ناقة لي ولا جمل، لكن لو كان لي صوتاً لأعطيته لقائمة المدافعين عن استقلال القضاء، لأن استقلال القضاء ليس ترفاً، فبغيره يأكل القوى فينا الضعيف، ويفتقد المظلوم من يلوذ به ويثق في استقلاله ونزاهته.. وهو صمام الأمان للمتقاضى قبل القاضي، ولذلك فإننا حين ندافع عن استقلال القضاء ونتشبث به‏,‏ فإنما ندافع عن أنفسنا في حقيقة الأمر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال يستهدف منزلا وسط خيام النازحين في مدينة رفح


.. منظمات حقوقية تونسية تو?سس تحالفا ضد التعذيب




.. إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإبرام صفقة تبادل مع


.. كيف تنعكس الأحداث الجارية على الوضع الإنساني في غزة؟




.. كل يوم - مندوب جامعة الدول العربية بالأمم المتحدة: نسعى لتسل