الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة العقل العراقي

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2009 / 2 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



كــثيرا ما نتحدث كإعلام و مثقفين و حتى حكومة، عما يعانيه المواطن العراقي من أزمات الحياة اليومية و فقدان الخدمات و افتقار إلى الحياة الآمنة اقتصاديا و ماديا، و لكن الأزمة الحقيقية التي نعانيها كعراقيين ليست في هذه الأزمات اليومية لأن هذه الأزمات هي نتاج أزمة أخرى تتعلق بالعقل أو منهج التفكير العراقي، فالعراقيون يعانون من هذه الأزمات كنتيجة لمنطق التخلف الذي يهيمن على مجتمعنا، ما أتاح لتجار الدين و القومية أن يستغلوا ضعف إدراك العراقيين لقراءة الواقع و تمحيصه بدلا من أن يكون المواطن العراقي عقلانيا فينظر إلى مستقبله و عائلته و بلده كمصالح و وطن له الأولوية على مشاريع خيالية دينية كانت أم قومية.
خرجنا من ربقة البعث لنقع في شرك الحزب القومي العنصري البطل ـ الذي يزعم معاداة البعث المقبور ـ و إلى جانبه الحزب الدّيني الذي يبيع و يشتري فينا مستغلا لحيته الطويلة و مظاهر التقوى الخداعة، و أنا أعرف شخصيا أُناسا كانوا في ظل الحزب القومي البطل يعانون الفقر و المرض و العزلة، و ما كادوا يذهبون إلى بلدان الغرب الديمقراطي الإنساني حتى أخذوا بالحنين إلى أيام "العز" حينما كانوا يعانون شظف العيش، أليس من العجيب و الغريب أن يحن الإنسان إلى "لذة أيام التعذيب"؟ أعتقد أن هناك خللا عميقا في عقلية هذا النموذج الذي لا أستطيع أن أعممه، فهناك دوما استثناءات، لكن تكرار النموذج إلى حد يوحي بأنه شائع هو بحد ذاته أمرُ يثير المخاوف و القلق.
مشكلة كثير من العراقيين ـ و هم جزء من الشرق المتخلف ـ أنهم يعيشون عقلية عنصرية، فنجد حتى سياسيينا يسارعون إلى كراهية كل ما هو أمريكي أو إسرائيلي في تقليد عجيب للنظريات القومية الحمقاء التي تتهم الغرب ـ و أعاجيب نظريات المؤامرة لا تنتهي ـ بأنه هو الذي جاء بـ"صدام و البعث"!! و أنه هو الذي منع لم شتات "الأمة القومية" التي تمزقت بين الدول، و أن.. و أن..إلخ، دون أن نلقي اللوم على أنفسنا و لو حتى للحظة واحدة.
و المصيبة الأكبر هو الأمية الثقافية التي يعانيها مثقفونا و الذين يفترض بهم أنهم سيكونون قادة المجتمع إلى التنوير و الحداثة و العقلانية، فلا يزال بعضهم يكره "السود" بسبب لونه، و آخرون و ما أكثرهم يكرهون اليهود أكثر من النازيين أنفسهم، و ثالث يشتم الغربيين و حضارتهم و دينهم، بل و يترك فقراء العراق ليبني جامعا في أي دولة من دول الغرب التي ينعتها بالكفر، كل هذا و هو يستلم من الغربيين الحقوق و الأموال الضخمة، و هذا خلل خلقي خطير، فهي تعكس حبا للذات و نرجسية متضخمة من عبادة الأنا و الأسوأ أنها نرجسية قائمة على فراغ و افتقار إلى الإنجازات، و كما قال لي أحد أصدقائي العراقيين الذين يعيشون في الغرب فإنه حق للألمان أن يغتروا خلال منتصف القرن العشرين، فقد اغتروا بإبداعاتهم و مخترعاتهم و تطورهم، أما نحن فمغترون بوطن ملأناه بأيدينا بالظلم و الفقر و القرف.
إذا لم نبدأ في تنمية الحس الإنساني للمواطن العراقي فإن هذا الإنسان سيستمر في تصنيف و تقسيم من حوله على أساس الدين و القومية، و نحن من غير أن نشعر حولنا حتى الدين إلى عنصرية و كراهية و نردد على الدوام مقولة إبليس "أنا خيرٌ منه" و دون مقياس أو على أي أساس عملي و واقعي، إنه لمن المؤسف أننا نتوقع تنمية الديمقراطية من جهة بينما بدءا من رجل الدين و مرورا بالمثقف ـ حتى ذلك الذي يعيش في بدان الغرب الحديثة ـ و انتهاءا بالمثقف (اليساري) الذي يزعم الواقعية، كلهم يروجون للتخلف في ظل آمال ببناء عراق ديمقراطي إنساني.

Website: http://www.sohel-writer.i8.com

Email: [email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيف ومتى؟
غادة السرحان ( 2009 / 2 / 15 - 10:32 )
السلام عليكم
شكرا يا استاذ سهيل على الموضوع
موضوعك هو ازمة العقل العراقي
ان الازمه التي يعانيها العقل العراقي ليست منفصله عن ازمة العقول العربيه هناك تشابهه كبير وعميق بينهما
هناك ازمة تخلف سياسي
ازمة تخلف اقتصادي
ازمة تخلف اجتماعي
ازمة تخلف ديني
كل هذه الازمات جاءت بالتراكم عبر تفاعلات عديدة مر بها العقل العراقي الى ان وصلنا الى هذا الحد المخيف من التخلف؟
هذه الازمه احدى اسبابها هو الازدواج الرهيب الذي يعاني منه الانسان العراقي
تراه يكره الاحتلال ويتمنى ان يعيش في بلادهم
تراه يكره الغرب ويعتبرهم كفار ويتمنى ان يذهب اليهم
تراه لايتقبل اي امر مخالف له
الازمة الحقيقه هي قلة وعي وادراك
قله العلم والفهم
لايرى الحقيقه الا من منظوره الخاطئ ربما وهو لايدرك انه لاتوجد في الكون حقيقه مطلقه
اذا مالحل؟
نحتاج الى منعطف قوي يغير مسار الامور ولكن كيف ومتى؟


2 - ازمة فكر وتفكير
ناصر عجمايا ( 2009 / 2 / 15 - 11:07 )
فعلا يا اخي الكريم سهيل انها ازمة عقل وتغيير في نمط الانسان العراقي فهو يفكر اليم دون غد افضل , القيم تبعثر والمبادي اختففت وحب العراق تراجع والسبب هو الدين والعنصرية القومية التي تدمر الانسان العراقي دون خلق مقومات التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي للعراقيين وبناء العراق على اسس علمية مؤؤسساتية متقدمة لخدمة الانسان.
فعلا المشكلة ففي الانسان في نقص وضعف في التربية الوطنية وتغيير في نمط الحياة والانانية الفردية والفوضى العرمة واعطيني واعطيك ودير بالك علية وانا كذلك والسرقة مناصفة واللغف دون حساب ووووووووووالخوالنقص في الضمير والدين متاجرةوقتل الناس وهتك الاعراض وسفكك الدماء باسم الدين ام التستر وراء الدين بتسييسه وادلجته. انها طامة وعفونة وهدم للانسان وهو الاصعب للاصلاح والتغيير يتطلب زمن
شكرا لموضوعكم المقيم واقعيا نتمنى لكم الصحة والعافية وافادتنا بالجديد وع الحب والاحترام بيوم الحب العالمي مع التحية لكم وللعراق وشعبه من بلد الغربة استراليا

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-