الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نبكي على العلمانية والديمقراطية

محمد جمول

2009 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محزن أن تكون هذه المنطقة من العالم المكان الذي توأد فيه الأشياء الجميلة دائما، وعلى أيدي أبنائها بقصد شريف أو غير شريف. ومن هنا بدت في معظم فترات تاريخها وكأنها تدور حول ذاتها، متوقفة عند اجترار ماضيها. وكلما اقتربت من عتبة باب المستقبل، ترتد إلى الوراء لتنشغل بالنقاش عن عدد الملائكة الذين يمكن أن يقفوا على رأس دبوس واحد. ويتكرر الانقسام على صفوف ومعسكرات ونزاعات وحروب. وقد ظلت هذه الصراعات تلبس لباس الدين والطوائف لفترات طويلة وحتى الآن. فكان الدين أكبر ضحاياها باستمرار، ولم يعد أحد يعرف أن الدين ذاته قد توارى عن ساحة الصراع ولم يعد بطله بعد اللحظات الأولى من الحروب المذهبية لأن الجميع شارك في دفنه وتشييعه لتسود المذاهب والطوائف والقبائل.
كثيرة هي الأفكار والمبادئ الجميلة التي قتلت بحسن نية أو سوء طوية في هذه المنطقة. وليس هناك أسهل من قتل الفكرة الجميلة حين يتبناها من يحقد عليها أو يجهلها. ربما يكون هذا ما حدث لمجموعة من المبادئ والأفكار التي مرت على المنطقة في العقود الأخيرة، ومنها الديمقراطية والعلمانية. فبعد عقود من الأمل والعمل على محاولات ترسيخ هذه المبادئ والقيم بما تعنيه من انتشال الناس من ضياع وسط الصراعات القبلية والمذهبية والدينية، يشعر الجميع أن ما عملوا من أجله وأحبوه لم يكن كما توقعوا. فبعد أن فهم عامة الناس أن الديمقراطية تعني القدرة على رفع صوتك مطالبا بحقوقك وأنك قادر على اختيار من يحكمك بملء إرادتك ومن دون خوف من أن يكون مصيرك أحد الأقبية ذات يوم، وأنك أنت الذي تصنع مصيرك بنفسك مع الآخرين. بعد ذلك كله، يكتشف ابن هذه المنطقة أن الديمقراطية، بتعريفها الجديد والممارسات التي رآها، تعني فرض إرادة الأقوياء بالنار والحديد والدبابات والصواريخ. وأن للديمقراطية سجونها وأقبيتها وجلاديها ومحاكمها الاستثنائية الخاصة التي تنتشر من سجن أبو غريب إلى غوانتانامو. وأن لها مثقفيها وكتابها ومؤرخيها الذين يزوّرون الواقع والتاريخ ويكذبون لصالح من يدفع لهم أكثر، تماما مثل مثقفي السلطان وفقهائه، ولكن المصيبة هنا أكبر مادام هؤلاء يعملون في خدمة السيد الأكبر. وكان هذا تحديدا في خدمة أكبر قتلة التاريخ الذي استل سيف عدالته وحريته وديمقراطيته ليقتل حرية الآخرين ويقضي على آمالهم في الوصول إلى الديمقراطية. ونسي هؤلاء أنه ما من غاز أو محتل في التاريخ، ولا حتى لص أو مجرم، إلا وحاول أن يعطي عمله مشروعية أخلاقية. وما من محتل إلا وكان حوله بعض من أبناء البلاد الذين يروجون لقيمه ومبادئه. ولذلك لم يكن هناك حرج في أن يصبح الاحتلال تحريرا وأن يتحول الدفاع عن الأرض والوطن في وجه الغزاة إرهابا وعدوانا، وفي ألطف التوصيفات يصبح عملا طائشا أو مغامرة. ويصبح الإذعان لشروط الغازي المحتل حكمة واعتدالا. وتصبح إسرائيل حليفا وصديقا بينما يتهم كل من يقف ضدها من دول المنطقة من العرب و غير العرب بالطمع ومحاولة الهيمنة أو بالطيش والمغامرة، أما إسرائيل فمن الممكن أن نسمع قريبا أنها حامية العرب وملاذهم والأمينة على مستقبل أطفالهم وإن عاملتهم كما عاملت أطفال غزة.
ولم تكن العلمانية ـ بما تعنيه من استقلالية الدولة عن الدين في إدارة شؤون شعبها وتمتع الجميع بقدر واحد من حقوق المواطنة، بغض النظر عن كل الانتماءات، وحق الجميع في ممارسة عقائدهم وحرية العبادة ـ لم تكن أقل خسارة وتضررا من الديمقراطية. وقد كان بعض العلمانيين أكثر من أساء لها في هذه المنطقة. فمن خلال تبنيهم لما هو مناقض لقضايا المنطقة وأبنائها، فهم من لا يعرف العلمانية أن كلمة علمانية تعني التكلم بلغة المصالح الغربية بالمعنى المتناقض مع مصالح المنطقة، وتحديدا في مرحلة المحافظين الجدد الذين قدموا الوجه الغربي القبيح بكل وحشية ورغبة في القتل والدمار. وبذلك غاب المعنى الحقيقي للعلمانية كمعطى حضاري تكوّن عبر قرون من السعي لتأكيد أهمية قيمة الفرد كإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه وانتمائه. وبذلك ساهم هؤلاء في تشويه هذا المفهوم الإنساني بعدما كان البعض حاول تشويهه عبر ترجمة كلمة علمانية لتعني الإلحاد فقط. والشيء ذاته يمكن أن يقال عن الليبرالية قبل أن تتحول عن معناها الحقيقي من حيث هي مكسب حضاري تحقق بإخراج البشر من كهوف أفكار العصور المظلمة إلى الأمل بلقاء الإنسان مع الإنسان على طريق واحد إلى أفق إنساني مشترك، قبل أن تتحول إلى حرية النهب والقتل.
ويكفي للتدليل على ما أصاب هذه المفاهيم من اغتصاب وتشويه وتنفير الآخرين منها أن تعلن وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني منذ فترة قصيرة ترشيح عدد من الكتاب العرب، الذين تكلموا باسم الليبرالية والعلمانية، لتكون كتاباتهم على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باعتبارهم أفضل من يناصر الفكر الصهيوني ويخدم وجهة نظره. ويكفي أن تقول إن هؤلاء يستحقون الحصول على أوسمة من الدولة الإسرائيلية. فهل هناك اختلاف على أن الدولة الإسرائيلية عنصرية ومحتلة؟ وكم من الأذى تسبب به هؤلاء للعلمانية والديمقراطية نتيجة كون كتاباتهم تصب في خدمة المشروع الاستيطاني الاستئصالي الصهيوني أم أن كتاباتهم صبت بالمصادفة في خدمة هذا المشروع ومن دون قصد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah