الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الإنتحار قمة العقل أو قمة الجنون ؟

ناهده محمد علي

2009 / 2 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



تتميز فلسفة الإنتحار ما بين القرار المدروس والطويل المدى أحياناً والمفاجيء أحياناً أُخرى , ويتبع هذا نوع شخصية الفرد الممارس للسلوك الإنتحاري , فقد يكون ذكياً يدرس قراراته وتعتمد حياته على برمجة دقيقة ثم تقف هذه البرمجة الى حد يرفض فيها عقله هذه البرمجة ويمقتها ويقرر بأن يلغي كل شيء وبضمنها حياته , أو قد يكون هذا الشخص متهوراً يقوم بالدوران حول أهدافه ولا يصل الى شيء , ويكون عادة لكل هدف عنده بداية مقطوعة وغير مبرمجة , ثم يجد نفسه فجأةً ضمن متاهة من الأهداف المُحبطة والغير منفذة , وتنتابه فجأة نوبات من الحُزن والكآبة الشديدة لا يجد لها حلاً إلا بالإنتحار .
لقد لاحظت أن الكثير من النساء العراقيات مصابات بأمراض عصبية ونفسية حادة إسترعى إنتباهي منها نموذجين , تدور الأولى في أسواق بغداد ترتدي مظهر المرأة المثقفة , الشعر قصير جداً وبلا حِجاب تستعطف وتستجدي بشكل مؤدب , قالت لي صديقتي : لا يغركِ مظهرها إنها يُمكن أن تسُب وتشتم بشكل مُقذع , كان الكل يسخر منها , تمد يدها لكل المتاجر ويظهر عليها مظهر المُستخِف تارة وتارةً أُخرى مظهر الغاضب .
الحالة الأخرى كانت تقف أمام إحدى المستشفيات ترتدي العباءة تسب وتشتم المارة بعُنف , تمر السيارات من أمامها مُسرعة وهي تؤشر على الكل وترجم الجميع , وتتشاجر مع طواحين الهواء . لا أود أن أستطرق في هذا الوصف لكن الحالتين تقعان في الفئة الثانية أي الفئة الضائعة والتي تقع في عالم ممزق الأهداف , والطرق جميعها مسدودة حيث لا أمل في الحياة المعاشية واليومية ولا أمل في إحتواء المجتمع أو العائلة لها , ولا أمل في إرتفاعها عن واقعها , فهي لا تملك الوسائل المادية ولا الفكرية للقفز على هذا الواقع , ولا تجد من يعينها عليه بل يتعاون الجميع في طمس معالم هذه الشخصية , ربما لأنها تُذكِر بواقع مرير مشترك , والكل يبتعد عنها وكأنها بكتريا مُعدية قد تلتهم جسد الآخر , لكن هناك من يتلقفها ويجعل منها بؤرة صالحة لتنفيذ أهدافه , فهذا النوع من النساء يصلح للإستعمال اليومي لغرض تجارة الجسد أو لتجارة التسول أو سرقة الأطفال للغرضين أو لأعمال العنف الجسدي المبرمج من قِبل الآخرين , وهكذا يقع هذا النوع من النساء في دائرة الدعارة أو العُنف بدون قصد أو عن وعي مُسبق حيث تطبق عليهن كماشتين قويتين لا تخرج منها مطلقاً , لذا يستدعي هذا النوع من الجنون الكثير من الشفقة والكثير من الشفقة أيضاً على هذا النوع من النساء , فهن يُسحقن مرتين مرة قبل الإنتحار ومرة أثنائه , وأود أن أُشير بأنه لا يُفترض بجميع المنتحرين الوصول الى مرحلة الجنون بل قد يكون أحد المرضى النفسيين الغير مُعالَجين .
ومن المعروف أن نسب الطلاق ووفيات الأطفال وتعامل المجتمع الذكوري القاسي مع المرأة والتناقض الموجود بين ما يؤمن به المجتمع وما يطبقه يجعل المرأة تصل بإرادتها أحياناً أو مع دعم إرادي من أشخاص آخرين أحياناً أخرى الى مرحلة إلغاء ذاتها وذات الآخرين معها , وهو كثيراً ما يكون رداً على السلوك الإجتماعي وعلى بعض ما تشربت به من مظاهر العُنف وما حصدته في حياتها الشخصية .
إن الباحث في فلسفة الإنتحار لا بد له أن يتذكر ( فلسفة اللاجدوى ) وأُسطورة سيزيف , حيث يُتابع سيزيف رمي صخرته مِراراً وتكراراً بلا جدوى حتى يرمي بنفسه بدلاً من الصخرة واضعاً حداً لآلامه وسلوكه الغير مُجدي , ولو وضعنا مأساة سيزيف تحت المجهر لوجدنا أن نقطة الوصول الى الإنتحار هي النقطة التي يفقد فيها العقل المنطق حتى وإن فكر طويلاً تفكيراً منطقياً , وهي النقطة المضببة التي يعتقد فيها المنتحر بأنه إمتلك ناصية القرار وإنتقم ممن يقرر عنه ( أنا أُنهي حياتي بنفسي إذاً أنا موجود ) وبغض النظر عن أي قيَّم دينية أو إنسانية .
لو وضعنا مؤشرات نفسية وإجتماعية لأي مُنتحر رجلاً كان أم إمرأة نجد ان الأسباب مختلفة وتتوحد أحياناً فهي تختلف في قوة الإضطهاد الإجتماعي وتتوحد في قوة الإضطهاد السياسي والمادي ولا أقول أن المنتحر غير مُدان بل هو نقطة سوداء في عالم مظلم , فكما يُنتج رحم المجتمع أفراداً أصحاء يُنتج أيضاً أفراداً مُعوقين تظهر بهم كمرآة صافية كل أزمات المجتمع وتراكماته وبالتالي هم يعيدون الفضل لهذا المجتمع حينما يقومون بتحطيم أركانه وتحطيم ذواتهم , وقد تبلغ درجة الإنتحار كما ذكرت الدرجة العليا بإدخال مكونات مادية وبشرية إختياراً أم قسراً أو الدرجة الدنيا بأن يختار المنتحر ذاته لينهي بها عذاباته الشخصية وهو في الحالتين يبلغ فيها نقطة الصفر ومعها يقفل كل أدوات المنطق .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Psychiatry in Iraq
Talal Alrubaie ( 2009 / 2 / 15 - 21:20 )
Dear Nahida
I read your article with interest. As a psychiatrist myself, I wish to point out that it is well known that the majority of those who commit suicide are suffering from a mental disorder, like depression, anxiety, bipolar disorder, schizophrenia, or alcohol and drugs addictions. The examples you mention well indicate that psychiatry, as a medical discipline, is still not well accepted nor respected by the medical profession or public alike. This situation now is changing and more people are perhaps open to the possibility of seeing a psychiatrist. The problems regarding psychiatry in Iraq are multifold, including the stigma attached to mental illness, sever shortage of psychiatrists and psychiatric facilities; absence of community psychiatric services; shortage of other psychiatric professionals like social workers, psychotherapists and community psychiatric nurses. The current Minister of Health is a psychiatrist himself and we hope that he and his ministry pay much more attention to the needs of psychiatric patients in Iraq. The humanity of any society is reflected in


2 - yahoo.com
سوزى ( 2011 / 9 / 25 - 22:05 )
انا مشدودة اوى اوى اقرا الكتاب دة

اخر الافلام

.. -أن يرتدّ إليك طرْفك-.. ما وظيفة رمشة العين الحقيقية؟ دراسة


.. إسرائيل تطلب من العدل الدولية رفض طلب جنوب أفريقيا الانسحاب




.. الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أميركية من طراز إم.كيو 9 في محاف


.. خلال أيام يبدأ نقل المساعدات إلى غزة عبر الرصيف البحري




.. الانقسام الفلسطيني.. كيف تفجّر الصراع بين فتح وحماس؟| #الظهي